تَعتبِر مصر مهَّد التمويل الإسلامي الذي يحرم الفائدة والمضاربة، رغم ذلك تراجع نمو هذا القطاع بسبب فضائح فساد في الماضي فيما سعى نظام الحكم السابق إلى تطبيق نظام مالي أكثر علمانيَّة.
لكن بعد أن أطاحت الثورة المصرية بالرئيس المخلوع حسني مبارك وحكومته يقبل المواطنون على المصارف الإسلاميَّة، الأمر الذي يزيد من احتمالات أن تتحول مصر إلى مركز مزدهر آخر للتمويل الإسلامي.
وقالت مديرة مركز أبحاث في فرع لبنك البركة مصر أمل عباس: "أفضل التمويل الإسلامي، يحميني من الربا وأشعر أن أموالي فيها بركة" وأضافت أن "زوجي يتعامل مع البنوك العادية منذ أكثر من 30 عامًا وفشلت كل مشروعاته لأن تمويلها جاء من مال عديم البركة".
فرصة لبيوت التمويل ووفقًا لتقرير أصدرته شركة "ماكينزي" للاستشارات لا تمثل الأنشطة المصرفيَّة الإسلاميَّة سوى 3 إلى 4% من قطاع البنوك في مصر الذي يبلغ حجمه 193 مليون دولار، ويقارن هذا مع نسبة 46% في دولة الإمارات العربيَّة المتحدة.
وقال الأستاذ المساعد في كلية فليتشر للدبلوماسيَّة في جامعة توفتس إبراهيم وردة إنه "في عهد ما بعد مبارك ستصطدم الحاجة الملحة لإعادة البناء وتغيير الأمور مع نقص الموارد والأموال".
ومن المرجَّح أن يمثل هذا فرصة لبيوت التمويل الإسلامي في منطقة الخليج التي تعد حاليًا المركز العالمي لهذه الصناعة.
ورأى وردة أن "مصر ستتطلع إلى الخليج بحثًا عن الأموال وسيتعيَّن عليها أن تعرض خيارات إسلاميَّة لزيادة حجم الاستثمارات".
ويملك مصرف أبو ظبي الإسلامي بالفعل البنك الوطني للتنمية ومقره القاهرة والذي تحول إلى بنك إسلامي بالكامل، أما بنك البركة مصر فهو وحدة لبنك البركة البحريني.
وأفاد تقرير أصدرته شركة "بي. إم. بي" للاستشارات الإسلامية في مارس/ آذار أن هناك أيضًا اهتمامًا بالغًا في مصر بالتأمين الإسلامي أو التكافل الذي يمثل نحو 5% من حجم سوق التأمين في مصر التي تقدر بنحو 1.45 مليار دولار، لكن من المتوقع أن ينمو بصورة كبيرة.
وذكر المدير التنفيذي لشركة سلامة الإسلاميَّة العربية للتأمين صالح ملايكة أن الطلب على منتجات الشركة في مصر شهد نموًّا كبيرًا منذ الإطاحة بالنظام السابق.
نمو الأصول الإسلامية ووفقًا لبيانات "بانكسكوب" و"تومسون رويترز" يمكن أن تشهد مصر نموًا في الأصول الإسلامية إلى عشرة مليارات دولار في 2013 من ستة مليارات في 2007.
ولا تزال التحديات قائمة نظرًا للتاريخ غير المشجع لصناعة التمويل الإسلامي في مصر.
واكتوى ملايين المصريين في منتصف الثمانينات بتجربة شركات توظيف الأموال التي كانت تدير استثمارات إسلاميَّة مقابل عائد أعلى من أسعار الفائدة المحليَّة.
ومن المتوقع أن تظهر إدارة جديدة بعد عهد مبارك اهتمامًا أكبر بالتمويل الإسلامي بالرغم من المخاوف من أن تقدم صناعة تمويل إسلامي متنامية دعمًا سياسيًّا لجماعات المعارضة الإسلاميَّة في البلد الذي يقطنه 80 مليون نسمة.
ورأى المدير التنفيذي لبي. إم. بي للاستشارات الإسلاميَّة هامايون دار أن مصر ستحتاج إلى تبني الأنشطة المصرفية الإسلاميَّة كأداة لاسترضاء الجماعات الإسلامية النشطة سياسيًّا أو ستواجه وابلًا من الانتقادات لالتزامها بموقف النظام السابق المناوئ لهذه الصناعة.
واعتبر أن "مصر بلد ذو حساسية دينيَّة، هناك عدة عائلات ومدخرون صغار قد لا يرغبون في استخدام النظام التقليدي، إذا ما كان هناك تحرك صوب أنشطة بنكية بدون فائدة فسيجذب هذا ودائع".
وهناك دعم شعبي بالفعل بين المسلمين المحافظين، تقول منال المرسي وهي عميلة أخرى في بنك البركة مصر: إن المصريين يتحولون إلى التمويل الإسلامي لأسباب من بينها إظهار مساندتهم للإخوان المسلمين.
وأشار نائب مدير في بنك الإسكندرية محاسب رفعت إلى أن "الإخوان المسلمون يؤيدون التمويل الإسلامي لأنه يرتبط بالدين، وسيروِّجون للفكرة طالما تصبُّ في مصلحتهم".
ورجَّح رفعت أن تكتسب الصناعة موطأ قدم أكبر في مصر إذا ما حصل الإخوان على عدد كبير من مقاعد مجلس الشعب الذي يضمُّ 508 مقاعد في الانتخابات التشريعية المقررة في سبتمبر.
محاولة استباقية وحتى العلمانيين ربما يقومون بمحاولة استباقية للترويج للتمويل الإسلامي قبل الانتخابات بغية الوصول إلى جماعات أوسع من الناخبين.
يقول وردة "سيعتبر العلمانيون تأييد التمويل الإسلامي وسيلة لسرقة الأضواء من الإسلاميين من خلال منح الناس متنفسًا للتعبير عن تدينهم، رأينا هذه الاستراتيجية في أسواق أخرى مثل العراق وأمريكا الشمالية، حتى الجماعات التي كانت تعارض الإسلام السياسي اعتبرت التمويل الإسلامي سبيلًا لمكافحة التطرف".
وعلى سبيل المثال غيرت بريطانيا وفرنسا التشريعات لتتمشى مع الصفقات الإسلامية. وكانت ماليزيا بنظامها المزدوج الذي يجمع بين الأنشطة المصرفيَّة التقليدية والإسلاميَّة أكبر قصة نجاح في صناعة التمويل الإسلامي وتعتبر نموذجًا للأسواق الجديدة التي تتطلَّع إلى تقديم منتجات تلتزم بالشريعة الإسلاميَّة.
ونظرًا لعقود من غياب النمو تفتقر مصر إلى القواعد الماليَّة المناسبة لأدوات التمويل الإسلامي مثل الصكوك.
وقال رئيس الهيئة العامة للرقابة المالية العام الماضي: إن مصر ستصدر أول تشريعات تنظم إصدار الصكوك في النصف الثاني من 2010 ثم تأجلت المسألة إلى الربع الأول من 2011، وانقضت المهلة فيما يبدو أن خطط إعادة الهيكلة الحكوميَّة تواجه مصاعب في الوقت الراهن.
ويقول خبراء انه يتعين على الحكومة وضع قواعد لإصدار الصكوك وإزالة العوائق الضريبيَّة التي تجعل المعاملات الإسلاميَّة تفتقر إلى أي قيمة تجارية بهدف اجتذاب استثمارات أجنبيَّة من دول الخليج النفطيَّة.
وقد تثير التغيرات التي حدثت رغبة المصريين في الإقبال على بدائل خاصة إذا ما أمكنهم الاستفادة منها في معالجة بعض العلل الاجتماعيَّة التي فجَّرت الاحتجاجات.
ولفت منتقدون إلى أنه في عهد مبارك استفاد الأثرياء من الإقراض وغيره من الفرص التجارية فيما اكتوى الفقراء بالبطالة والرواتب المنخفضة، يقول أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة والأخصائي في التمويل الإسلامي غزالي عبد المالك: إن التمويل الإسلامي بتركيزه على التمويل بدون فوائد والاستثمارات الأخلاقيَّة سيلقى قبولا لدى المواطن العادي.
ويضيف: "أظنُّ أن الثورة أعطت دفعة جيدة للتمويل الإسلامي كي يصبح بديلا مصرفيًّا في مصر"