الجودة الشاملة ليست موضة عابرة قراءة في كتاب "أساسيات إدارة الجودة الشاملة"
قلما يقرأ المرء هذه الأيام موضوعاً عن تطوير الإدارة دون أن يصادف عبارة "إدارة الجودة الشاملة"، فهذه العبارة صارت الشغل الشاغل لكثير من الإداريين والمؤسسات. ولكن رغم هذا التركيز علي تلك العبارة، فإن كثيراً من الناس لا يزالون غير قادرين علي الفهم الكامل لمعناها. ونستعرض هنا كتاباً يمكنه أن يسهم فى إزالة كثير من الغموض الذى يحيط بهذه العبارة ومفهومها. الكتاب هو "أساسيات إدارة الجودة الشاملة" من تأليف ريتشارد إل.وليامز، المستشار فى شركة فيجين ليدرشب الأمريكية والمتخصص فى التدريب الإدارى وتطوير القيادة. فالكتاب الذى صدر أساساً باللغة الانجليزية عام 1994م بعنوان: Essentials of Total Quality Management، وصدر فى طبعته العربية الأولي من مكتبة جرير بالرياض عام 1999م، يجيب علي العديد من الأسئلة المتعلقة بإدارة الجودة الشاملة ويعالج الكثير من قضاياها بطريقة تتسم بالإيجاز والبساطة من خلال صفحاته البالغة 104 صفحات.
ويشير المؤلف إلي هدفه من تأليف كتابه بالقول؛ أن الهدف الأساسى من إدارة الجودة الشاملة فى أى شركة هو تحسين جودة المنتجات والخدمات التى تقدم للعميل. لذلك فإن لهذا الكتاب هدفاً مزدوجاً، الأول هو مساعدة القراء علي فهم الجودة الشاملة ومبادئها الأساسية، حتي يمكنهم اتخاذ قرار واضح باتباع هذا الأسلوب فى الإدارة داخل شركتهم أم لا. أما الثانى، فهو مساعدة المشرفين والمديرين والقادة علي فهم طبيعة إدارة الجودة الشاملة، وتطبيق مبادئها داخل إداراتهم وشركاتهم. ويوضح المؤلف معني إدارة الجودة الشاملة فيقول؛ لا تعنى إدارة الجودة الشاملة إصلاحات سريعة يمكن إجراؤها فى الشركة فى يوم وليلة، كما أنها ليست موضة عابرة يمكن تعلمها بسرعة أو مغامرة مثيرة يقوم بها بعض الأفراد فى الشركة، وذلك لأن نجاح إدارة الجودة الشاملة يتطلب التزاماً كاملاً من كل أفراد الشركة.
تحسين مستمر
ويبين المؤلف عما إذا كانت إدارة الجودة الشاملة عملية، أم تقنية، أم أسلوب، أم أداة، أم هدف، فيقول؛ الإجابة هى أن إدارة الجودة الشاملة تعبر عن كل هذه الأشياء بل وأكثر منها. وعلي أية حال فإن إدارة الجودة الشاملة تعبر عن أسلوب القيادة الذى ينشئ فلسفة تنظيمية تساعد علي تحقيق أعلي درجة ممكنة من الجودة فى الإنتاج والخدمات. تكمن المشكلة فى أن معظم المديرين ينظرون إلي إدارة الجودة الشاملة كأداة أو صيغة سهلة يمكن تعلمها فى مؤتمر يستغرق يوماً واحداً ثم تطبيقها فى الإدارة أو الشركة. وليس من الضرورى أن تكون إدارة الجودة الشاملة مسألة صعبة ولكن قلما تكون سريعة أو سهلة. إن إدارة الجودة الشاملة هى عملية إيجاد بيئة يسعي فيها كل من الإدارة والموظفين إلي تحسين الجودة باستمرار. ويتجه المؤلف إلي أن يكون أكثر تحديداً فى بيان مفهوم إدارة الجودة الشاملة فيقول؛ ارتكزت إدارة الجودة الشاملة فى مراحل تطورها الأولي علي ثلاثة مفاهيم هى؛ الأدوات والتدريب والتقنيات. فكانت الأدوات تشير إلي نظم الإحصاء التى تعمل علي تحسين المسائل التصنيعية المسموح بها. وكان التدريب يشمل مستوي إدراك كل فرد للجودة فى الشركة. أما التقنيات فكانت تمثل فرق تحسين جودة المنتجات والخدمات. علي أية حال، فقد تعلمنا بمرور الوقت أن التركيز علي الأدوات والتدريب والتقنيات له فقط تأثير محدود علي الجودة. فهناك شيء ما مفقود. وتناول الدكتور مارشال ساشكين والدكتور كينيث كايزر هذه النقطة بشكل أكبر بالقول؛ إن إدارة الجودة الشاملة تعنى تعريف فلسفة الشركة لكل فرد بها، كما تعمل علي تحقيق دائم لرضا العميل من خلال دمج الأدوات والتقنيات والتدريب. ويشمل ذلك تحسيناً مستمراً فى العمليات داخل الشركة مما سيؤدى إلي منتجات وخدمات عالية الجودة.
جودة شاملة أم تامة؟
وهناك سؤال كثيراً ما يتبادر إلي ذهن كل عامل فى مجال إدارة الجودة الشاملة وهو؛ هل الجودة الشاملة تعنى الجودة التامة؟ ويجيب المؤلف عن ذلك بالقول؛ يحذر خبراء وضع الأهداف من وضع أهداف غير واقعية لا يمكن تحقيقها. ويتحدث شارلز كونراد عن ذلك فى كتابه (لعبة العمل) الذى حقق له أعلي مبيعات قائلاً؛ يجب أن تكون الأهداف واقعية ويمكن الوصول إليها. وربما يكون تحقيق جودة "تامة" هدفاً غير واقعى، ومن ثم فهو هدف لا يمكن الوصول إليه. وفى صناعة الخدمة والإنتاج، نجد أن الجودة التامة الدائمة هدف صعب المنال، إن لم يكن مستحيلاً. كما أن إدارة الجودة الشاملة لا تعنى أن الشركة يجب أن تسعي إلي الكمال فى كل منتجاتها وخدماتها. ولكنها تعنى تحقيق أعلي جودة ممكنة فى الإنتاج والخدمة، وفقاً للظروف التى تخضع لها الشركة. ولا تعني فلسفة إدارة الجودة الشاملة أن الجودة هدف محدَّد نحققه ونحتفل به ثم ننساه، بل تعبر عن هدف متغير، والهدف هنا هو تحسين الجودة باستمرار.
محركات الجودة
ودخل المؤلف بنوع من التعمق فى تحليل مفهوم إدارة الجودة الشاملة من خلال إيضاح طبيعة الجودة وأصول علاقتها بالثقافة والقيم والسلوك كمحركات متتالية للجودة، فقال؛ إن الجودة نتاج لثقافة الشركة ويجب أن تكون مدفوعة بها. والثقافة هى مجموعة القيم والأفكار التى يعتنقها كل أفراد الشركة. ويعبر القادة والمديرون أولاً عن هذه القيم والأفكار من خلال اتجاهاتهم وسلوكياتهم. وبمرور الزمن يتبني معظم الموظفين هذه الاتجاهات ويقومون بسلوكيات تماثل سلوكيات القادة والمديرين وخاصة عندما تتجه الشركة نحو إنتاج منتجات عالية الجودة. وأوضح المؤلف كيف تحرك القيم الثقافة فقال؛ ضمن ثقافة أى شركة تطبق إدارة الجودة الشاملة بفعالية، يتخذ الموظفون والإدارة قراراً واعياً بتوفير جودة الإنتاج والخدمات لعملائهم. وينظر إلي القيم كمسألة حيوية حيث تعمل الشركات الناجحة لتحديد وتوصيل هذه القيم والأفكار المشتركة. ولكى يتم تطبيق إدارة الجودة الشاملة فى أى شركة، فإنها يجب أن تحدَّد بوضوح ويتبناها كل أفراد الشركة كواحدة من القيم الأساسية للشركة. وواصل المؤلف القول؛ القيم هى المسائل والقضايا التى ينظر إليها الفرد أو الشركة علي أنها مهمة. توجد مبادئ مهمة تستحق الدفاع عنها، وتمثل الشيء الذى يربط أفراد الشركة ببعضهم البعض والأرضية الثابتة التى تقوم عليها الشركة. ويتعرف الموظفون علي قيم الشركة من خلال أفعال المديرين والقادة، لا عن طريق قائمة معلقة علي حائط فى الردهة. تشير هذه الأفعال إلي وجود قيم قوية للشركة أو لا. ولا توجد منطقة وسط بينهما. ولقد وضعت شركة وورلد ديزنى معياراً عالياً استمر منذ منتصف الخمسينات حددت فيه قائمة مدهشة من القيم المشتركة هى؛ الجودة، المحادثة، التعلم، القيمة، المتعة، الفضول، العملاء ضيوف، العمل الجماعى، التسلية الأسرية، والوطنية. ووضعت قيم ديزنى إطاراً لبيان الرسالة التالية "نحن نصل إلي السعادة عن طريق توفير أفضل وسائل التسلية لكل الأفراد من كل الأعمار فى كل مكان". ولكى يتم بنجاح تطبيق إدارة الجودة الشاملة فلابد أن يتم التعبير عن الحاجة إلي الجودة كقيمة فى الشركة وذلك لأن القيم تدفع الاتجاهات والاتجاهات تدفع السلوكيات.
القيم تدفع السلوكيات
ثم اتجه المؤلف لبيان كيف أن القيم تدفع السلوكيات فى مجال الجودة فقال؛ يمكن أن تؤثر قيم الفرد علي اتجاهاته بقدر ما تؤثر عليه تجاربه السابقة. وتلعب القيم المشتركة أيضاً دوراً مهماً فى تحديد اتجاهات الأفراد فى العمل. وعلي الرغم من أن الاتجاهات الفردية أو المشتركة لا يتم تحديدها، فإنها تظهر فى السلوكيات اليومية. وتساعد الاتجاهات الإيجابية الأفراد فى العمل مع بعضهم البعض بفعالية بينما تضع الاتجاهات السلبية حواجز تمنع الاتصال الفعال. ومن الصعب بالنسبة لمعظم الأفراد أن يعملوا مع شخص له اتجاه سلبى. وعلي النقيض فإنه من الأسهل أن نتعامل مع شخص له اتجاه إيجابى. ويرجع نجاح كل من الأفراد والشركات إلي السلوكيات الفردية والجماعية فالأفراد الذين ينجحون بشكل كبير يدركون قيمهم الشخصية بوضوح، تماماً مثل الشركة الناجحة التى تقوم فلسفتها علي قيم مدروسة بعناية. ويجب أن تعكس القيم المشتركة بيان رسالة الشركة أو بيان الهدف. ويميل الموظفون إلي الانتماء النفسى إلي القيم المشتركة عندما يشتركون فى اختيار هذه القيم. وأيضاً هؤلاء الذين لا يهتمون بشكل مباشر، ينمو لديهم شعور بالانتماء بعد أن يلاحظوا أن زملاءهم وإدارتهم يتبنون هذه القيم. أوضح المؤلف كيف تدفع السلوكيات الجودة فقال؛ سواءً ظهرت الجودة فى الإنتاج أو الخدمة المقدمة للعميل فإنها تتحقق عن طريق شيء ما قد تم فعله أو سلوكيات مُورست عن طريق موظف أو أكثر. بعبارة أخري، فإن الجودة هى نتيجة للسلوكيات الإيجابية للموظف. ويعرف علماء النفس السلوك علي أنه فعل يمكن رؤيته أو سماعه أو إحصاؤه. والسلوكيات أو نتائجها يمكن إحصاؤها وتسجيلها، بل وتمثيلها من خلال التخطيط البيانى. وربما تبدو هذه الفكرة أساسية ولكن مفهوم الجودة قد يكون مجرداً أحياناً. ويدعى معظم المديرين أنهم يعرفون ماهية الجودة بل وربما طريقة تحقيقها، وغالباً لا ترتبط فكرتهم عن الجودة بسلوكيات محددة. إن زيادة الجودة وخفض المشكلات أو الأخطاء اتجاهان مختلفان تماماً. فأولاً يجب أن يتم تحديد تلك السلوكيات التى تؤدى إلي نتائج إيجابية ثم تقييم الموظفين مما يحفزهم علي تكرار هذه السلوكيات الإيجابية.
اختبار شخصى
ورغم صغر حجم الكتاب فقد تميز بتغطيته للعديد من الموضوعات؛ من ذلك مثلاً نشأة حركة الجودة، ونقاط ديمنج الأربعة عشر فى الجودة، وفلسفة جوران فى الجودة، والعناصر الثلاثة لإدارة الجودة الشاملة، وكيف يمكن لأى شركة أن تتعرف علي توقعات العميل وتسبقه فى التعرف عليها، وكيفية استخدام الأدوات والتقنيات الثمانية المتعارف عليها فى تطبيق إدارة الجودة الشاملة، وكيف يستطيع كل الموظفين باختلاف مستوياتهم -من أصغر موظف حتي رئيس مجلس الإدارة- أن يشاركوا فى تحسين الجودة بالشركة. ومع التشديد بأننا لسنا فى صدد الدعاية لهذا الكتاب بل تقديم عرض له، نود أن نشير إلي ميزة هامة فى الكتاب قلما ترد فى كثير من كتب الجودة رغم صغر حجمه. وهذه الميزة هى تضمنه جانباً تطبيقياً مفيداً للقارئ يتمثل فى احتوائه بنهاية كل فصل علي اختبار شخصى لوضع الجودة ويقدم علاجاً مقترحاً فى ضوء نتيجة هذا التقويم.