دول نفطية أم.. دول استثمارية ؟
عبد الله عبد العزيز الخاطر
مفهوم دولة الاستثمار لايزال مبهما وأبعاده غير واضحة ولكنه مهم خاصة للدول الخليجية والتي تجاوزت تعريف دول النفط وتجاوزت تعريف دول الطاقة ، فالدول الخليجية بدأت تستثمر في مدن طاقة وتعريف مدن الطاقة يتجاوز تعريف دول النفط ولا يجوز كون الدول الخليجية تحمل تعريفا أضيق من مدن تنشئها داخل دولها بل كون الدول الخليجية هي المستثمرة في هذه المدن يحتم تجاوز تعريف دولة الطاقة إلى دولة الاستثمار ، وفي هذا الصدد يجدر ذكر الكثير من المؤسسات العالمية التي ظلت حبيسة تعريف مجال نشاطها حتى فاتتها الفرص ، ولذلك حرصت المؤسسات العالمية على تصحيح تعريف مجال نشاطها حتى تظل قادرة على مجاراة التغير في بيئة العمل ، وبشكل خاص المؤسسات النفطية فجميعها أصبحت تعرف نفسها على أنها مؤسسات طاقة بدل مؤسسات نفطية هذا يسمح لها بالدخول في مجال الطاقة البديلة ولكن في حال ظلت على تعريف مؤسسات نفطية وجب عليها محاربة اتجاه الطاقة البديلة وتبعات مثل هذه الاستراتجيه قد تكون مدمرة ولذلك أهمية تعريف مجال النشاط بل قد يكون هو منطلق أي جهد مؤسسي .
ودولة الاستثمار أطلقت على الدول الخليجية بسبب قلة السكان و وفرة رأس المال مما يعطيها صفة غير متوفرة في أي دوله من دول العالم الاخرى ، هذا التعريف جيد لأنه يعطينا تصورا واضحا عن الميزات التي ننفرد بها ، فهمنا لتكويننا يعطينا الفرصة لوضع تصورات أكثر موائمة لرؤيتنا الاستراتيجية من أجل تكوين بنى أساسية تكون مرتكزات لاقتصاد المعرفة ، وإن كانت هناك مرحله أو مراحل ضرورية لردم الفجوة بين الحاضر والمستقبل تسبق بلوغ اقتصاد يعتمد المعرفة أساسا له فلا بد من تحديد المراحل وترسيم المسار العام لجميع أطراف المجتمع فإن كانت مرحلة صناعية أو مرحله خدمي ومتى ستطول وماهي أهدافها ومتى سيبدأ التحقيق الفعلي لرؤية اقتصاد المعرفة ، وماهي الجهة المسئولة عن التنفيذ ، وماهي الخطوات والبرامج التي وضعت لنقل الاقتصاد من وضعه الحالي إلى وضعه المرتقب ، حتى تتضح الرؤية للجميع إذا كانت المشاركة من قبل الجميع ضرورة لنجاح مشاريع التنمية وخلق اقتصادات رائده في عالم ينتهج حتمية مسار العولمة .
إن إحلال دولة الاستثمار بدل دولة النفط يركز التعريف على جانب المبادرة وهي النشاط الاستثماري ومرحله الفاعلية في مجمل الحدث الاقتصادي بدل الجانب الناعم وهو نشاط البيع والبحث عن مشترين وأسواق فينقل النشاط التنموي من السلبية إلى الفاعلية فالدولة قادرة على الاستثمار داخل الدولة أو خارجها في مشاريع التنمية أو في الاستحواذ على مؤسسات خارجية أو في توطين المعرفة، أما دولة النفط فاستراتيجيتها هي بيع أكبر كمية من النفط والغاز وهذه استراتيجيه تفتقر للرؤية وتنذر بنضوب أهم مصدر دخل للدولة ويستمر التركيز على عمليات استخراج النفط والغاز بعيدا عن مفهوم الاقتصاد المعرفي ، معظم الدول يأتي دخلها من الضرائب ولكن لاتسمى دولا ضريبية بل دولا صناعية أو دولا اقتصادها خدمي أو دولا اقتصادها معرفي لأن الجانب الفاعل في المعادلة هو التصنيع أو الخدمات أو المعرفة والدور الفاعل لدى دول الخليج هو الاستثمار فهي دول استثمارية ، والأحداث الأخيرة في أسواق المال تعطي صورة عن مدى التغير في أهداف الدول الخليجية فقطر ودبي تتنافسان على استحواذ بورصة لندن و و م أكس إذاً التعريف قد ينسق بين جهود الصناديق الخليجية ، والشركات مثل إعمار وديار وبروة كلها تصب في مفهوم الاستثمار ومن المؤشرات هذا الجانب سيكون الأكبر نموا في المستقبل .
فإذا كانت صفه الاستثمار هي الأقرب لنا إذن جهد التنمية لا بد أن ينصب على تأهيل المواطن ليكون على معرفة تامة بمفاهيم الاستثمار ، فكل دولة تنطبق عليها صفه الاستثمار لا بد أن تهدف إلى تأهيل مواطنيها على أعلى مستوى حتى يكون المواطن صاحب قرار وذلك لقلة عدد السكان لابد من تواجد المواطنين في مراكز القرار حتى لاتفقد الأمة زمام التحكم في مصيرها ، هذا يتطلب الاهتمام بكل فرد وإيصاله لمستوى يمكنه من التحكم في مسارات القرار ، فجميع الدول والمؤسسات العالمية تركز على مدى أهميه الثروة الإنسانية وأنها هي الأساس في خطط التنمية فكيف بدول الخليج والتي تفتقر للعنصر الإنساني فيجب أن يكون هو أساس التنمية وتعريف دول الخليج بأنها دول استثمارية يعظم أهميه الإنسان الخليجي ، فنحن كدولة يجب أن نركز على مهارات وثقافه الاستثمار بدل التركيز على التصنيع فهذه ميزتنا فنملك الأصول التي تعتبر الأفضل بجميع المعايير وفي أي منطقه في العالم ونقل وتوطين المعرفة وتلافي أضرار التصنيع والاستفادة من الأيدي العاملة في مواطنها دون الإضرار بالتركيبة السكانية في الوطن وخفض الكلفة لرخص العمالة في موطنها وتلافي أي مشاكل عمالية ، مفهوم الاستثمار كميزة أساسيه أقرب إلى تحقيق رأيه الاقتصاد المعرفي منه عن مفهوم الاقتصاد النفطي ، إذن نحن ملاك وإداريون وأصحاب قرار في مفهوم دوله الاستثمار، هذا الفهم يحتم إستراتيجية لترسيخ ثقافة ومفاهيم الاستثمار في جميع مناحي الحياة في الدولة ، هذا يعني أن على رأس قائمه المعرفة المستهدفة تقع المؤسسات والأسواق المالية ففي حاله الاستحواذ تأتي البنوك التجارية والإستثمارية ومؤسسات إدارة الثروات وإدارة الأصول وغيرها من المؤسسات المتخصصة في إدارة رأس المال .
تعريف دول الخليج على أنها دول نفطية قد يفقدها فرصه الاستثمار في التكنولوجيا الحديثة و تعريفها على أساس أنها دول طاقه يوسع مجال اهتماماتها لتشمل الطاقة البديلة مثل دخول دول الخليج في استثمارات الطاقة البديلة تعريفها على أساس أنها دول استثماريه يفتح الباب ويعطي مرونة تسمح باقتناص فرص استثماريه وتحقيق تصورات للمستقبل لا تتماشى ومفهوم دول النفط مثل مفهوم اقتصاد المعرفة .
يعطينا هذا التعريف قدرا من التركيز أكبر بكثير من مجرد الاستثمار بشكل عام دون هدف محدد ويجعل هدف التحكم في مقٌدراتنا ممكنا ولكن دون التركيز سنجد أنفسنا في يوم من الأيام وقد فقدنا السيطرة على مجمل الاوضاع ولكن بعد فوات الأوان ، يجب أن لاننجرف مع تيار المردود الذي تبشر به المؤسسات المالية العالمية أو من ترسخه فيهم ثقافة الربح السريع ، مثل وول ستريت والستي أوف لندن، فدول الخليج لها أهداف أبعد بكثير فهي دول لها رؤية فريدة لم يلم بها مدراء الحقائب وليس من نهج الثقافة التي انغمسوا فيها ولم تقم المؤسسات المالية الغربية على مفهوم كالذي تهدف إليه دول الخليج اليوم ، فعندما نتكلم عن اقتصاد المعرفة كأولوية هذا يعني تسخير جميع آليات الدولة لتحقيق هذا الهدف هل أجهزة الاستثمار في الدول الخليجية وهي أهم آلية دعمت توجه الدولة أم أنها في معزل عن توجهات القيادات العليا في دول الخليج وهذا ما أعني بأن فهم رؤيتنا ومعرفة خصائصنا ستمكننا من وضع وتنفيذ استراتيجيات موائمة لأهداف الأمة ، هذا لايعني عدم جدوى المؤسسات المالية العالمية ومدراء الحقائب بل يعني وضع أطر ومعايير خاصة بنا ، فأهدافنا تنموية طويلة المدى أي قد تصل إلى عشرين أوثلاثين سنة وتهدف لتوطين المعرفة ، في حين أن المؤسسات المالية العالميه تقوم على تقارير ربع سنوية مما كون لديهم ثقافة تعتمد على المدى القصير في كل ما يقومون به من توجهات وتفكير ، فهل رسمنا الخطوط العريضة لكي يتبناها مسئولو الاستثمار أم قبلنا بتصوراتهم ورؤاهم ، وهذا ليس من طبيعة المؤسسات ولا الأفراد الغربيين ولا درجوا على فهمه بل هو من خصوصيات منطقه الخليج ، هذا سيستدعي وضع بنى مؤسسية تختلف عما تم تكوينه في الماضي ، فهل سيعي أبناء الخليج أن همومهم ليست البتة هي هموم المؤسسات الغربية ويضعون تصورات خاصة بهم ، فلا غنى لأبناء الخليج عن أخذ المبادرة والمسئولية في توجيه قرارات الصناديق السيادية لتصب في جهد التنمية المستدامة.
* نقلا عن جريدة "الشرق" القطرية
|