اللي عايزني يجيني
لا أدرى لماذا اجتاحـتنى نوبة من الضحـك الهستيرى بعد قراءة خبر نقلته وكالة "رويترز" للأنباء من برلين أشارت فيه إلي أن المستشار الألمانى جيرهارد شرودر يضطر إلي قيادة سيارة زوجته الصغيرة حـتي يتجنب دفع الرسوم التى يقتضيها استخدام سيارته الليموزين "المُصفحـة" فى أعماله الخاصة. وأكدت صحـيفة "بيلد" الألمانية أن شرودر يضطر لدفع نحـو 340 دولاراً شهرياً مقابل استخدام السيارة "المُصفَّحـة" فى الذهاب إلي عمله فى برلين. وأضافت أنه سيدفع مبلغاً أكبر لو استخدم سيارة الدولة فى الذهاب إلي منزله فى هانوفر. غير أن أغرب ما فى الخبر نفسه هو أن فريق الحـرس الخاص بشرودر يركبون السيارة الليموزين الفارهة خلف المستشار الألمانى وهو يقود السيارة الفولكس واجن الخاصة بزوجته؟ وضحـكى بالطبع له أسباب وإلا صدق عليَّ المثل القائل؛ "الضحـك بلا سبب قلة أدب"، وأنا أحـاول دوماً أن أكون أديباً. أما سبب الضحـك هنا فهو معرفتى التامة بأن أصغر مدير عندنا لديه من الميزات والصلاحـيات فى استخدام المال العام ما يتجاوز صلاحـيات مستشار ألمانيا نفسه. بل إنه حـتي لو افترضنا أن الوزير استغني يوماً عن سيارته الرسمية فى أعماله الخاصة، فهذا لن يمنع أن يقوم سائق الوزير باستعمالها نيابة عنه. فهناك مثل معروف بين موظفى الدولة مفاده أن "سائق الوزير .. وزير" بل غالباً ما يعتبر كل من فى مكتب الوزير "وزراء صغار" يشمخ كل منهم بأنفه علي بقية زملائه، خاصة أولئك الذين جمعهم فى السابق مكتب واحـد وافترشوا معاً "سفرة طعام" واحـدة؛ بمعني أنه كان بينهم "عيش وملح".
غير أن موقف المستشار الألمانى ذكرنى من جهة أخري بما قرأناه عن خلفائنا الراشدين. فهذا هو الخليفة عمر بن عبدالعزيز الذى يُلقب بخامس الخلفاء الراشدين وقد اشتُهر بورعه وتقواه وحـدبه علي المال العام إلي درجة أنه كان يعمد عندما يقوم زائروه بالتحـدث معه عن أحـواله الخاصة إلي إطفاء شمعة وإشعال أخري. فقد كانت الشمعة الأولي من بيت مال المسلمين يستعملها عندما يبحـث قضايا الناس وشؤون الحـكم. أما حـين يتحـول الحـديث إلي الشؤون الخاصة فإنه يطفئ تلك الشمعة ويشعل محـلها شمعة اشتراها من ماله الخاص. غير أنه رغم ذلـك فـأنا أري أن سـلوك المستشار الألمانى يحـمل من البخل والتقتير أكثر مما يحـمل من الرغبة فى الحـفاظ علي المال العام. فلولا أنه مطالب بأن يدفع مقابل استعماله السيارة "المُصفحـة" للمستشارية لما امتنع عن استعمالها. هذا من جهة، ومن جهة أخري فإن ما أثير من فضائح لسلفه هيلموت كول واتهامه بتقاضى رشاوي وتبرعات غير مشروعة؛ جعلت شرودر حـريصاً علي عدم الإقدام علي ما يمكن أن يؤخذ عليه مستقبلاً. ولو كنت مكان المستشار الألمانى لبقيت فى البيت، "واللى عايزنى يجينى .. يجينى.. أنا مابروحـش لحـد".
alsowayegh@yahoo.com
abazbaz@hotmail.com
Riyadh fax. (01) 470-3429