الموقف السعودي تجاه القضايا البيئية
حـققت المملكة العربية السعودية خلال العقود القليلة الماضية قفزات تنموية شملت مختلف المجالات والقطاعات، وقد سعت حـكومة خادم الحـرمين الشريفين إلي أن تكون التنمية الشاملة فى المملكة العربية السعودية تنمية حـقيقية علي أسس قوية تأخذ فى الاعتبار جميع مقومات نجاحـها واستمرارها. لهذا تبنت المملكة العربية السعودية أهداف التنمية المستدامة كمنهج لتحـقيق التوازن بين البيئة والتنمية. ولم يعد الاهتمام بالبيئة من أمور الرفاهية بل أصبح أسلوب حـياة وتنمية بعد أن أدركت المملكة العربية السعودية ماذا حـل بالموارد الطبيعية فى معظم دول العالم من تلوث وتدهور يهدد الحـياة ومنجزات التحـضر. فالمشاكل البيئية التى تواجه أى مجتمع تعكس خصائص الاستراتيجيات والنشاطات الاقتصادية والسياسية الاجتماعية لهذا المجتمع، كما تعكس أيضاً سلوكيات أفراده وجماعاته الاستهلاكية والإنتاجية. وبينما لا يوجد فى كثير من دول العالم ما ينص علي حـماية البيئة، نجد أن النظام الأساسى للحـكم فى المملكة العربية السعودية ينص علي "أن تعمل الدولة علي المحـافظة علي البيئة وحـمايتها وتطويرها ومنع التلوث عنها".
ولا تقتصر مسؤولية صون البيئة وحـمايتها علي الدولة وحـدها، حـيث أنها مسؤولية تهم الجميع. فقد عرفت المملكة العربية السعودية من تجارب القرن الماضى أن الدور والمسؤولية فى النهوض بمستوي معيشة الأفراد يقع بجانب القطاع العام علي القطاع الخاص. وقد تعاظم دور القطاع الخاص السعودى فى عملية التنمية حـتي أصبح شريكاً أساسياً فى التنمية. ولا يعنى تزايد أهمية دور القطاع الخاص مجرد إعادة توزيع الأدوار فى عملية التنمية بحـيث تنتقل ملكية أو إدارة بعض المسؤوليات إلي القطاع الخاص، بل امتد دور القطاع الخاص ليقوم بالعديد من المسؤؤليات مثل التركيز علي الإنتاج وتشغيل عناصر الإنتاج الوطنية واستيعاب أحـدث التطورات وتطبيق ما يصلح منها لبناء بنية أساسية تقنية ومراعاة التنمية المستدامة. واستمر القطاع الخاص السعودى فى تمويل وإدارة أنشطة التوعية البيئية بالتعاون مع العديد من الأجهزة الحـكومية. كما يعمل حـالياً علي تشكيل مؤسسات طوعية لا تستهدف الربح فى مجال حـماية البيئة. ومن الأدوار الهامة للقطاع الخاص السعودى؛ التوجه نحـو تأسيس وتطوير صناعات تعني بإنتاج سلع تسهم وتستخدم مباشرة فى صون البيئة وحـمايتها أو سلع بديلة لا ينجم عن استخدامها إضرار بالبيئة المحـيطة (المنتجات صديقة البيئة).
وقد ألزمت كثير من مؤسسات القطاع الخاص نفسها بإجراءات حـماية البيئة وخاصة فيما يتعلق بترشيد استخدام الموارد الأولية والطبيعية فى صناعتها والحـد من إنتاج النفايات عن طريق زيادة كفاءة التشغيل فى هذه الصناعات، إضافة إلي الاستثمار فى المشروعات الصناعية المتعلقة بتدوير النفايات ومعالجتها والصرف الصحـى وتصنيع الآلات والمعدات التى يتطلبها الإنتاج وفق أسس بيئية سليمة.
ولا شك أن التعاظم فى الاهتمامات البيئية من قبل منظمات الأمم المتحـدة المتخصصة أو منظمة التجارة العالمية أو المنظمات غير الحـكومية قد انعكس علي الأداء البيئى لكل القطاعات. فلم يعد مقصوراً علي الممارسات الحـياتية وأساليب الاستهلاك والإنتاج ولكن تعداها إلي مراحـل التوزيع والتبادل وبالتالى تعاظمت انعكاسات الأداء البيئى علي الاقتصاد. ومن هذا المنطلق أصبح القطاع الخاص أكثر حـرصاً علي الفرص الاستثمارية فى مجالات حـماية البيئة ليس بغرض الحـفاظ علي الموارد البيئية فحـسب، ولكن أيضاً لدعم التنمية والاقتصاد الوطنى.
ولا شك أن الاهتمام بالبيئة ومشاكلها سيفرض نفسه علي قائمة الأولويات فى القرن الحـادى والعشرين؛ بعد أن عرف العالم أن أهم مشاكل البيئة نجمت عن النظرة القاصرة وغير الرشيدة التى اتسمت بها سياسات التنمية فى الدول الصناعية خلال القرن العشرين لفشلها فى اعتبار البيئة مورداً اقتصادياً ينبغى استغلاله برشد وعقلانية وعلي نحـو يحـقق الكفاءة، ولتجاهلها حـقيقة عدم إعتراف المشاكل البيئية بالحـدود السياسية لأى دولة، مما جعل البشر فى كل دول العالم يعانون من التلوث البيئى والهدر فى استخدام موارد البيئة فى الدول الصناعية.
وإذا كانت الدول الصناعية قد حـققت ما حـققته من نمو اقتصادى وبلغت ما بلغته من تقدم كان علي حـساب استخدامها وبإفراط واضح للموارد البيئية، فإنه ليس من المنطق والعدل أن تطلب الدول الصناعية من الدول النامية النمو بهدوء وتأن حـتي يمكن المحـافظة علي البيئة فى العالم وأن تضحـى ببعض خطوات التنمية من أجل الحـفاظ علي البيئة. وقد استفادت العديد من دول العالم من بنود جدول أعمال القرن الحـادى والعشرين فى تحـديد أولوياتها وخططها وبرامجها بصورة توازن بين البيئة والتنمية. إن إنجازات الدول النامية لم تكن ترقي إلي المستويات التى تطمح إليها هذه الدول بسبب قصور الدول الصناعية فى الوفاء بالتزاماتها تجاه الدول النامية مثل توفير مصادر جديدة وإضافية للتمويل وبناء القدرات ونقل التقنيات الجديدة والملائمة لتحـقيق أهداف التنمية المستدامة. ومن هذا المنطلق، فإن المنبر الحـالى والوقت ملائمان لصياغة مستقبل أفضل لتنفيذ بنود جدول أعمال القرن الحـادى والعشرين. فنحـن لا نزال فى بداية العقد الأول من الألفية الجديدة ولكننا أكثر إدراكاً لحـاجات الدول النامية من المجتمع الدولى بحـيث يمكن تعديل المسارات السابقة للانتقال إلي القرن التالى. ونحـن فخورون بما تم إنجازه أو علي الأقل غير ملومين عن الفجوة التى قد تحـدث بين طموحـات البشر التى تمت صياغتها فى أجندة 21 وتنفيذ هذه الطموحـات لتصبح واقعاً ملموساً.
وكما هو معروف فإن برنامج الأمم المتحـدة للبيئة يقود الشراكة الدولية للاهتمام بالبيئة من خلال دعم الدول والبشر لتحـسين نوعية الحـياة دون الإخلال بحـقوق الأجيال القادمة. وعلي الرغم من النجاح والتقدم فى بعض مجالات الإدارة البيئية إلا أن هذا التقدم كان بطيئاً، كما لا يزال هناك العديد من المبادرات التى تحـتاج مزيداً من الجدية والمتابعة، خاصة فى تحـديد مدي المشاكل البيئية فى الدول النامية واختيار الأدوات الاقتصادية المناسبة وحـصر الآثار السلبية الناجمة عن تطبيق هذه الأدوات فى أضيق الحـدود ودون التأثير علي طموحـات التنمية فى الدول النامية. ومن هذا المنطلق، فإنه من المناسب استبدال الإجراءات والسياسات التى فشلت فى تحـقيق أهداف برنامج الأمم المتحـدة للبيئة بأخري أكثر فعالية خاصة بعد ضمان تزويد الدول النامية بالمعارف والتقنيات والإمكانيات اللازمة للحـد من المشاكل البيئية أو التأقلم معها دون التضحـية بحـقوقها فى النمو من منطلق مبدأ المسؤولية المشتركة ولكن المتباينة.
كما أنه ليس من العدالة أن تقوم الدول الصناعية بإجراءات أو سياسات للحـفاظ علي البيئة علي الرغم من أن هذه الإجراءات والسياسات تحـد من قدرة الدول النامية من ممارسة حـقها فى النمو والتقدم. ومن هذا المنطلق أصبحـت قضايا حـماية البيئة قضية اقتصادية أو علي الأقل تستخدم فى تحـقيق أهدافها أدوات اقتصادية. وبالتالى فإن أهم محـددات المنظومة الاقتصادية فى القرن الواحـد والعشرين تكمن فى إجراءات حـماية البيئة. وإحـداث تغييرات فى خصائص المنظومة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية حـتي يمكن التطلع إلي بيئة آمنة يمارس خلالها الجيل القادم حـقه فى النمو، وستعمل الدول النامية علي الدفاع عن حـقوقها التنموية وفى الوقت نفسه حـماية البيئة من كل أنواع التلوث بما فيها الفقر والظلم.
ويمكن تلخيص الموقف السعودى تجاه القضايا البيئية فيما يلى:
$ إن المملكة العربية السعودية بقطاعاتها المختلفة تبنت بقناعة كبيرة أهداف البيئة المستدامة كمنهج لتحـقيق التوازن بين البيئة والتنمية واحـتياجات أبناء هذا الجيل دون الإخلال بحـقوق الأجيال القادمة.
$ إن التغيرات الاقتصادية المعاصرة وتجارب البيئة فى دول العالم أدت إلي إعادة هيكلة الاقتصاد السعودى لمواجهة تحـديات التنمية من خلال المشاركة الفاعلة للقطاع الخاص كشريك أساسى فى التنمية.
$ إن حـقائق الأمور وعدالة الحـقائق تفرض مشاركة الدول الصناعية فى تحـمل مسؤولية تدهور البيئة العالمية التى أحـدثتها خلال مسيرة نموها فى العصور الماضية. وأن تراعى ظروف وخصائص الدول النامية لدعم التخلص من أهم المشاكل البيئية والمتمثلة فى الفقر.
$ إن المنطق يفرض ضرورة مراعاة الدول الصناعية وما تقوم به من إجراءات وسياسات للحـفاظ علي البيئة، للآثار المحـتملة علي الدول النامية بحـيث لا تحـد هذه الإجراءات والسياسات من قدرة الدول النامية علي ممارسة حـقها فى النمو والتقدم.
$ إن معظم الاتفاقيات الدولية تتضمن إقراراً من الدول الصناعية بحـقوق الدول النامية فى الدفاع عن حـقوقها التنموية والإلتزام من قبل الدول الصناعية بدعم هذه الحـقوق وبناء القدرات فى الدول النامية ونقل التقنية إليها مما يستوجب ترجمة هذه القناعات إلي واقع عملى وملموس.
$ إن تحـرير التجارة يجب أن يكون متوافقاً مع أهداف التنمية المستدامة دون إدراج إجراءات ومعايير جديدة تحـت ستار حـماية البيئة من شأنها التأثير السلبى علي تجارة الدول النامية فى الأسواق الدولية وتقليل القدرة التنافسية لمنتجات هذه الدول دون دعمها وإعطائها فرصة كافية وتمويل حـقيقى وتقنية متقدمة جديدة لملاءمة إنتاجها مع متطلبات البيئة للتنمية المستدامة.
++ المصدر: مصلحـة الأرصاد وحـماية البيئة.+++