قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو داود وابن ماجة: "من سقاه الله لبنا فليقل اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه، فإني لا أعلم ما يجزئ من الطعام والشراب إلا اللبن" وقد ذكر ابن القيم في "الطب النبوي" عن ابن عباس "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحب اللبن" واللبـن آية من آيات الله في هذا الكون، ألم يقل جل وعلا في سورة النحل: [ وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين ](66) ، كما أنه أحد متع ونعيم أهل الجنة، حيث قال الحق تعالى: [مثل الجنة التي وعد المتقون، فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه] (محمد 15)
وقد أثبت العلم الحديث ـ كما يقرر بحث للدكتور هشام الخطيب ـ أن اللبن هو الوحيد من بين الأغذية الذي يحتوي فعلا على جميع المواد الأساسية التي يحتاجها جسم الإنسان، واللبن يحتوي على سكر ومواد دهنية وأملاح معدنية وحديد وصوديوم وفيتامينات (أ) و(ب) و(ج) ، وأنسب وقت لتناوله هو الصباح الباكر، ولا يصح تناوله مع الأطعمة البروتينية القوية كالفول والحمص واللحوم والأسماك والدجاج، ويمكن تناوله مع البيض
واللبن يحتوي على المواد التالية
1 . المواد الدهنية، حيث يتركب دهن اللبن من مادة "الكسرايد" الموجودة في اللبن على شكل قطرات مستديرة، ولذا يفقد اللبن كثيرا من خواصه الغذائية عند نزع قشطته التي تحوي هذا الدهن
2 . المواد البروتينية، وهي على نوعين، الأول الفسفور البروتيني "كازيونوجين"، والثاني "لاكتوالبومين"، وهذان المكونان يعطيان اللبن قيمة غذائية عالية جدا، وتمتاز المركبات البروتينية الموجودة في اللبن بأنها كاملة التكوين
3 . المعـادن، وأهم المعادن الموجودة في اللبن الصوديوم والكالسيوم والمغناسيوم والبوتاسيوم
4 . الفيتامينـات، اللبن يحتوي على جميع الفيتامينات؛ فهو يحتوي على فيتامين "أ" ، "ب" ، "ب2" ، "ب12" ،" ج" ، "د" ، "هـ"، وأكثرها على الخصوص فيتامين "أ"، "د" وهو فقير في فيتامين "ج"، ولهذا فإضافة عصير البرتقال إليه يعوض هذا النقص
5 . المـواد النشوية التي تولد طاقة ضرورية للإنسان تعينه على النشاط والحركة
وقد عرف الإنسان اللبن الحليب وقيمته منذ آلاف السنين، وعلموا أنه أهم غذاء للأطفـال وأسهله هضما للشيوخ والمرضى. واللبن الحليب يقوي عظام الأطفال ويطيـل قامتهم ويجدد الخلايا التالفة، ويمنع مرض الكساح عنهم، ويقوي أسنانهم بما يحتويه من مركبات الجير والفسفور بقدر وافر وبصورة سهلة الامتصاص، وهو مفيد للصـدر والرئة
ويعتبر اللبن غذاء وعلاجا لمرضى الكبد، حيث يتكون اللبن من مادة "اللاكتوز" التي تمنع امتصاص بعض المواد بالأمعاء التي قد تكون سببا في حدوث الغيبوبة الكبدية
ومن المؤكد أن المواد البروتينية الموجودة في اللبن لا تتوافر في غيره، وقد ثبت أن الامتناع عن تناول المواد البروتينية لمدة عشرة أيام يؤدي إلى اضطراب ميزان بروتينات الدم، كما يفيد اللبن الأعصاب بصورة جيدة، وقد أدرك الرياضيون في شمال أوروبا أهميته فصاروا يتخذونه غذاء أساسيا يعينهم على بناء أجسامهم بشكل مثالي
وقد يحل لبن الأبقار محل لبن الأم في حالة تعذر وجوده لتغذية الأطفال، مع التأكيد على عدم مقارنة اللبن الحيواني أيا كان بلبن الأم كغذاء كامل للرضيع، ونقول فقط في حالات التعذر يمكن أخذ لبن الأبقار بعد استكمال النقص الموجود فيه، ويكون ذلك بإضافة عصير البرتقال إليه
وقد قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام أحمد عن طارق بن شهاب: "إن الله عز وجل لم يضع داء إلا وضع له شفاء، فعليكم بألبان البقر، فإنها ترم من كل الشجر"، وقد أكد العلم الحديث أن لبن البقر يغذي البدن ويخصبه، وأنه من أفضل الألبان وأكثرها اعتدالا وفائدة للإنسان وللأطفال بشكل خاص
وقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام أحمد عن ابن عباس: "إن في أبوال الإبل وألبانها شفاء للذربة بطونهم" والذربة هو الداء الذي يصيب للمعدة فلا تهضم الطعام فيفسد فيها، ولبن الإبل غني بالدسم، وهو مفيد جدا لمن يستسيغ طعمه، كما أنه ترياق من السموم
الــمـن
اختلفت عبارات المفسرين في المن، ما هو ؟ فمن قائل أنه سائل حلو المذاق أنزله الله على بني إسرائيل أيام موسى عليه السلام على الأشجار فكانوا يأكلون منه، وقال بعضهم إنه كان سائلا أشـد بياضا من اللبن وأحلى من العسل كان ينزل عليهم في مكانهم كسقوط الثلج علـى الأرض، يسقط عليهم مع تباشير الفجر إلى طلوع الشمس، فيأخذ الرجل منهم قدر ما يكفيه يومه. والأرجح على أية حال أنه شراب مثل العسل كانوا يأكلونه بمفـرده أو يمزجونه بماء، وهو من الطيبات التي اختص الله سبحانه وتعالى بني إسرائيل بها في رحلتهم مع نبيهم موسى عليه الصلاة والسلام بعد الخروج من مصر، قال تعالى: [ يا بني إسرائيل قد أنجيناكم من عدوكم وواعدناكم جانب الطور الأيمن ونزلنا عليكم المن والسلوى، كلوا من طيبات ما رزقناكم ] (طه 80-81)
وقد تكرر ذكر المن في ثلاثة مواضع من كتاب الله الكريم: سورة البقرة الآية 57 ، وسورة الأعراف الآية 160، وسورة طه الآية 60
الــماء
يعتبر الماء من وجهة النظر التشريحية من أهم مكونات جسم الإنسان، ويجب أن ينتبه الإنسان إلى توازن كمية الماء الذي يدخل جسمه والكمية التي تخرج من الجسم عن طريق البول والعرق، وتعتبر الكليتان هما الضابط الرئيسي لضبط السوائل في الجسم، وبدون هذا الضابط يتعرض الجسم إلى خسارة كبيرة من الماء، ويستحسن للإنسان أن يأخذ يوميا من الماء مقدار لتر ونصف، وقد تزيد هذه الكمية إلى خمس لترات إذا كان الجو حارا وكان الإنسان يعمل عملا شاقا
والماء العذب نافع للمرضى والأصحاء، والبارد منه برودة متوسطة أنفع وألذ، ولا ينبغي شرب الماء على الريق أو عقب الجماع أو عند الانتباه من النوم أو عقب الحمام أو عقب أكل الفاكهة. وأما على الطعام فلا بأس به إذا اضطر إليه مع عـدم الإكثار، ويتجنب تماما بعد الطعام، ويجب ألا يشرب الماء إلا امتصاصا كما أثر عن الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن ذلك يقوي المعدة ويزيل العطش
أنـواع الميـاه
قال تعالى: [ وهو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل شئ، فأخرجنا منه خضرا نخرج منه حبا متراكبا ] (الأنعام 99)، وقال جل وعلا: [ وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام ] (الأنفال 11)
وماء الأمطار أفضل أنواع المياه وألطفها وأعظمها بركة، لاسيما إن كان من سحاب راعد واجتمع في وديان الجبال، وهو أرطب من سائر المياه لأنه لم تطل مدته على الأرض، وهو خال من الأبخرة الدخانية والبخار المخالط للماء، وقد ذكر الشافعي رحمـه الله عن أنس بن مالك رضى الله عنه أنه قال: " كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصابنا مطر فحسر ثوبه عنه، وقال: إنه حديث عهد بربه"
والثلج له كيفية حادة دخانية، فماؤه كذلك. وماء البرَد ألطف وألذ من ماء الثلج. وأما ماء الجليد فيختلف بحسب أصله. والثلج يكتسب خواص وصفات الجبال والأرض التي يسقط عليها في الجودة والرداءة، وينبغي تجنب شرب الماء المثلج عقب الحمام أوالجماع أوالرياضة أوالطعام الحار، ولا لأصحاب السعال ووجع الصدر وضعف الكبد وأصحاب الأمزجة الباردة
ومياه الأنهار سائغة الشراب عذبة المذاق، يرتوي بها الإنسان والحيوان والنبات والطير، وقد جعل الله تعالى لها فضلا عن ماء البحار، وذلك في الآية التي جاءت في سورة فاطر: [ وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج، ومن كل تأكلون لحما طريا وتستخرجون حلية تلبسونها، وترى الفلك فيه مواخر لتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون ] (12)، ومن أعظم أنهار الدنيا نهرا النيل والفـرات اللذين قال عنهما رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جاء في صحيح البخاري عن أنس بن مالك: " رفعت إلى السدرة فإذا أربعة أنهار نهران ظاهران ونهران باطنان، فأما الظاهران النيل والفرات، وأما الباطنان فنهران في الجنة"
وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء في سنن الترمذي ومسند الإمام أحمد أنه قال عن البحر: " هو الطهور ماؤه، الحل ميتته" وقد جعله الله لحكمته ملحا أجاجا لتمام المصلحة على وجه الأرض، وهو كثير الحيوان والكائنات الحية ويذخر باللآلئ والكنوزوالاغتسال بمائه نافع من آفات عديدة في ظاهر الجلد
ميـاه الآبار والعيون
تختلف أنواع المياه في الآبار والعيون حسب مكان البئر أوالعين؛ فهناك ما هو محجوب عن الهواء فلا ينبغي أن يشرب من مائه قبل أن يعرض للهواء لوقت كاف، وهناك ما هو محتقن لا يخلو من تعفن فهذا يجب تقطيره، وهناك البئر المعطلة أو ما احتوت على معادن ضارة كالرصاص فهذا الماء ضار شربه وخيم العواقب
ماء زمزم:
ومن أطيب مياه الآبار على الإطلاق "ماء زمزم" سيدة المياه وأشرفها وأجلها قدرا، وقد ثبت في سنن ابن ماجة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ماء زمزم لما شرب له" و ثبت في صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال لأبي ذر بعد أن أقام بين الكعبة وأستارها أربعين يوما وليلة وليس له طعام غير ماء زمزم: "إنها طعام طعم" وفي روايات أخرى: "إنها طعام طعم وشفاء سقم "، وقد جرب كثيرون من المسلمين هذا الأمر فثبتت قدرة هذا الماء الطيب على شفاء العديد من الأمراض بإذن الله، هذا فضلا عن عذوبته وريه وتقويته للأجسام، وما تزال زمزم تجود بالخير على أهل الأرض بأمر ربها منذ فجرها الله سقيا لعبده ونبيه إسماعيل وأمه هاجر وإلى قيام الساعة
وقد حدثت قصة عجيبة لسيدة مغربية تدعى "ليلى الحلو" التي انتشر السرطان في كل صدرها، وقرر الأطباء أنها لن تعيش أكثر من ثلاثة أشهر، وذلك بعد ثبوت حالة الانتشار الكامل للسرطان، واقترح عليها زوجها أن تسافر إلى مكة لأداء العمرة، وبالفعل سافرت للأراضي المقدسة واعتكفت في بيت الله الحرام، وداومت على الشرب من ماء زمزم واكتفت معه برغيف وبيضة واحدة طول اليوم، وظلت تمضي أوقاتها في الصلاة وتلاوة القرآن والدعاء والتضرع إلى الله جل وعلا ،
وتقول السيدة "ليلى": " أربعة أيام لم أعرف فيها الليل من النهار، تلوت القرآن الكريم كله عدة مرات، وكنت في صلواتي أطيل السجود، وأبكي بحرارة على ما فاتني من خير بالتقرب إلى الله بالطاعات من فرائض ونوافل وذكر ودعاء، وبعد أيام وجدت أن الحبوب الحمراء التي كانت تملأ جسدي قد اختفت تماما، أحسست في نفسي أن شيئا ما قد حدث، وقررت العودة إلى باريس حيث كنت أعالج للتشاور مع الأطباء، وهناك كانت دهشة الأطباء شديدة، وبعد أن أعادوا الكشف عدة مرات أخبروني أنه لا أثر للسرطان الذي كان يملأ كل مكان في صدري!!! وتركتهم بين تعجبهم ودهشتهم وعدت إلى بلادي لأروي قصة شفائي."
لبن الرضاعة
قال تعالى: [ والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة، وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف، لا تكلف نفس إلا وسعها، لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده ]
(البقرة 233)
إن البحوث التي قام بها العلماء توضح بدقة أن أول رضعة يستقبلها الرضيع من ثدي أمه أثناء اليومين الأولين بعد ولادته، تحتوي على تركيزات عالية من بروتينات خاصة مضادة لنمو الميكروبات التي تسبب الأمراض، وهي ما يطلق عليها اسـم "الأجسام المضادة"، وهذه الأجسام من العوامل الهامة التي تقف بجوار الوليد وهو لا يزال في أشد حالات ضعفه، فلبن الأم معقم بطبيعته، وليس به ميكروبات تسبب نزلات معدية أو معوية، وهوجاهز في كل وقت تحت طلب الطفل، كما أن تركيبه يتغير تبعا لاحتياجات الطفل وتغير سنه
وكما ذكر في دراسة عن لبن الرضاعة الطبيعي للدكتور"عبدالمحسن صالح" أنه وجد أن اللبن الذي يعطي للطفل له دخل كبير في تكوين جسم الطفل وعقله وسلوكه، لأن الطفل يتأثر باللبن الذي يتعاطاه في حياته الأولى حين يكون في طور التكوين والبناء جسميا وعقليا، وقد ثبت علميا أهمية الرضاعة الطبيعية في حماية الأطفال من الإصابة بضغط الدم؛ نظرا لتناسب تكوين لبن الأم مع احتياجات الطفل وانخفاض نسبة أملاح الصوديوم في لبن الأم عنه في اللبن الصناعي، وتكون أعراض ضغط الدم في الأطفال على هيئة صداع وزغللة وقيء مستمر
وتشير الدراسات إلى أن لبن الأم ينمي ذكاء الطفل، فالأطفال الذين اعتمدوا في طفولتهم على الرضاعة الطبيعية يكونون أكثر ذكاء بشكل ملحوظ من غيرهم، كما أن لبن الأم يحمي الطفل الرضيع من الكثير من الأمراض، إلى أن يحين الوقت لنضوج الجهاز المناعي عنده للاعتماد عليه ذاتيا في مقاومة الميكروبات والطفيليات والجراثيم التي يتعرض لها
أما عن فوائد الرضاعة بالنسبة للأم، فكما جاء في كتاب الإعجاز العلمي في الإسلام للأستاذ "محمد كامل عبد الصمد" فقد ثبت علميا أن الرضاعة تقلل من احتمال الإصـابة بسرطان الثدي، ولسبب غير معروف حتى الآن وجدوا أنه كلما أكثرت المرأة من الرضاعة الطبيعية كلما كان ذلك أدعى لحمايتها من سرطان الثدي، كما ثبت أن الرحم يعود إلى وضعه وحجمه الطبيعي بسرعة أثناء الرضاعة، ذلك لأن امتصاص الثدي يؤدي إلى إفراز هرمون من الغدة النخامية يدعى "الأوكسيتوسين" الـذي يؤدي بدوره إلى انقباض الرحم وعودته إلى حالته الطبيعية قبل الحمل، وأهم من ذلك كله هو ذلك الارتباط النفسي والعاطفي الفطري الذي يحدث بين الأم وطفلها أثناء الرضاعة، وهو من أهم العوامل على الإطلاق لاستقرار الطفل نفسيا
المسك
قال الله تعالى عن صفة الرحيق الذي يشربه الأبرار في الجنة: [ يسقون من رحيق مختوم، ختامه مسك، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ] (المطففين 25-26)، وقد ثبت في سنن الترمذي ومسند الإمام أحمد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبـي صلى الله عليه وسلم قال: "أطيب الطيب المسك"، وفي سنن الترمذي والنسائي عـن عائشة رضي الله عنها: "كنت أطيب النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يحرم، ويوم النحر، وقبل أن يطوف بالبيت بطيب فيه مسك"
والمسك ملك الطيب وأشرفه وأطيبه، وهو كثبان الجنة، وهو نافع للشيوخ خاصة في وقت الشتاء، مفيد للضعفاء لما يحتويه زيته من بروتينات، ويستعمل لتنشيط القوى الحيوية والتناسلية، كما أنه يجلو بياض العين ويجفف رطوبتها، ويبطل عمل السموم، وهو مفيد لعلاج تشنجات الأطفال العصبية، ويمنع المغص بإذن الله تعالى