|
أكل اللحوم المستوردة
أكل اللحوم المستوردة |
س : ما حكم أكل اللحوم المستوردة من خارج البلاد ؟
الجواب:
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه. وبعد، فالأصل في أكل اللحوم من الطيور والحيوان الحرمة إلا ما ثبت تذكيته شرعًا، والتذكية الشرعية تعني أن تزهق روح الحيوان المأكول اللحم بالذبح أو النَّحر أو العقر، بواسطة مسلم أو كتابي لحيوان مأكول اللحم.
فيشترط في اللحم الذي يجوز أكله ثلاثة شروط :
1- الشرط الأول : أن يكون الحيوان مأكول اللحم [كالإبل، والبقر، والغنم، والأرانب، والدواجن من الطيور وغيرها]، فإن كان الحيوان ليس مأكول اللحم، كالمجمع على حرمة أكل لحمه وهم : الخنزير، والكلب، والحمار الأهلي، والبغل. فيحرم أكل لحمه. أما الحيوانات التي اختلف العلماء في أكل لحمها وذهب الجمهور إلى حرمة أكل لحمها فالأولى عدم الأكل وهي : [الأسد، والنمر، والفهد، والذئب، الدب، القرد].
2- الشرط الثاني : ذبح الحيوان في حلقه، أو في لَبَّته، إن كان مقدورًا عليه، أو بأي عقر مُزهِق للروح إن لم يكن مقدورًا عليه، كصيد(1). فحصل أنه لابد أن يكون مقتولا بأحد ثلاثة طرق هي : الذبح، أو النحر، أو العقر.
فأما الذبح، فهو: قطع الحلق –أعلى العنق- من الحيوان. ويحصل ذلك بقطع الحُلقُومِ - وهو مجرى النَّفَس- والمَرِيءِ - وهو مجرى الطعام- والعرقَين اللذَين يحيطان بهما - ويسميان الوَدَجَين- فإنه بقطع الأربعة يحصل الذبح الشرعي، وإذا استوعب الذابح بالقطع الحلقومَ والمريءَ فقط صحّ الذبح على الراجح؛ لأن الحياة لا تبقى بعد قطعهما عادة.
وأما النحر، فهو: قطع لَبّة الحيوان - وهي الثُّغرة بين التُّرقُوَتَين أسفلَ العنق - بأن يحصل قطع الأربعة السابقة أو الحلقوم والمريء منها من جهة اللبة كالذبح، وذهب المالكية إلى أن النحر يكون بالطعن في اللبة طَعنًا مُفضِيًا للموت دون اشتراط قطع شيء من المجاري الأربعة على المشهور من مذهبهم، والأفضل أن يختص النحر بالإبل وكل ما طال عنقه من الحيوانات مأكولة اللحم، بينما يختص الذبح بما قصر عنقه منها، كالبقر والغنم وما شابه. وكلاهما - الذبح والنحر- تذكية مسنونة؛ فيقوم أحدهما مقام الآخر، ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: «ألا إن الذكاة في الحلق واللبّة»(2).
أما العقر (وهو ما يسمى بذكاة الضرورة) : فهو جرح الحيوان، بمعنى جرحه جرحًا مُزهِقًا للروح في أيِّ جهة من جسمه، وهو تذكية الحيوان المأكول إذا ندَّ (نَفَرَ)، ولم يقدر صاحبه عليه، كما أنها تذكية الحيوان الذي يُراد اصطياده، أما المقدور عليه فلا يُبَاح إلا بالذبح والنحر إجماعًا. وإذا أزهقت روح الحيوان بغير ما ذُكِرَ كان مَيْتَة لا يجوز أكل لحمه.
3- الشرط الثالث : أن يكون ذابحه أو عاقره من المسلمين أو من أهل الكتاب - اليهود والنصارى - فالشرع قد أجاز ذبيحة المسلم أو الكتابي، قال تعالى : {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ} [المائدة:5]. وكلمة «طعام» عامَّة تشمل الذبائح والأطعمة المصنوعة من مواد مباحة، وجمهور المفسرين والفقهاء على أن المراد من «الطعام» في هذه الآية الذبائح أو اللحوم؛ لأنها هي التي كانت موضع الشك، أما باقي أنواع المأكولات فقد كانت حلالا بحكم الأصل(3). قال الإمام ابن قدامة: «وأجْمَعَ أهْلُ العِلْم على إباحةِ ذبائحِ أهْلِ الكتاب»(4).
فإن كان الذابح غير مسلم، أو غير كتابي بأن كان مرتدًا، أو وثنيًّا، أو ملحدًا، أو مجوسيًّا- لم تحلَّ ذبيحته. قال العلامة الطاهر بن عاشور: «وحِكمة الرخصة في أهل الكتاب؛ لأنهم على دين إلهي يُحرِّم الخبَائث، ويتقي النجاسة، ولهم في شؤونهم أحكام مضبوطة متبعة لا تُظَنُّ بهم مخالفتها، وهي مستندة للوحي الإلهي، بخلاف المشركين وعبدة الأوثان»(5).
فتكون الذبيحة حلالا إن كانت ذبيحة مسلم –وإن كان فاسقًا- أو ذبيحة كتابي، وإن لم يعلم كونها ذبيحة لهما باليقين، بل بمجرد إخبارهما، يقول الإمام الرملي من أئمة الشافعية: «ولو أخْبَرَ فاسقٌ أو كتابيٌّ أنه ذكَّى هذه الشاةَ- قَبِلْنَاهُ؛ لأنه من أهل الذكاة»(6). وكتابة عبارة «مذبوح على الطريقة الإسلامية» من أشكال إخبار من هو أهل للذكاة.
وبعد استقرار هذه الشروط، فإن لحوم الحيوانات المستوردة من خارج البلاد، إن كانت لحومًا لحيوانات مأكولة اللحم، ومذبوحة أو منحورة بالصفة المذكورة، والقائم بالذبح أو العقر من المسلمين أو أهل الكتاب، فهي لحوم يجوز أكلها ولا حرمة فيها. وطريق معرفة ديانة الذابح بغلبة الظن، بأن يكون غالبية سكان هذه البلاد من المسلمين أو النصارى أو اليهود، ويشتهر أنهم يقومون بالذبح ولا يحرمونه ممن يتبعون دعاوى الرفق بالحيوان التي تحرم ذبحه.
أما إذا كانت اللحوم المستوردة تأتي من بلاد غير المسلمين وأهل الكتاب، بأن تكون بلاد الوثنيين، والملحدين فلا يجوز أكلها. وكذلك لو كانت اللحوم القادمة من الخارج ليست لحوم حيوانات مأكولة اللحم كالخنزير، والكلب، والحمار، والبغل فلا يجوز أكل لحمها كذلك حتى لو ذبحها مسلم أو كتابي.
ولو كانت اللحوم المستوردة غير مذبوحة كأن تكون ماتت بطريق الصعق الكهربائي أو الخنق أو غير ذلك من أمور يتبعها بعض دعاة الرفق بالحيوان حيث يحرمون الذبح، ويقتلون الحيوان بالصدمة الكهربائية أو بالضرب على رأسه، فإن علم عن طريق اليقين ذلك فلا يجوز أكل هذه اللحوم، فهي ميتة يحرم أكلها.
والله تعالى أعلى أعلم.
الهوامش:
---------------------
(1) انظر: تحفة المحتاج وحواشيه (9/312)، ومغني المحتاج (6/94).
(2) أخرجه الدارقطني في سننه (4/283) حديث (45) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، والبخاري تعليقًا في كتاب «الذبائح والصيد» باب «النحر والذبائح» من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(3) انظر: التحرير والتنوير (6/119) وما بعدها، ويقول ابن تيمية: "لفظ (الطعام) عام، وتناوله اللحم ونحوه أقوى من تناوله للفاكهة، فيجب إقرار اللفظ على عمومه؛ لاسيما وقد قُرن به قوله تعالى: {وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ} ونحن يجوز لنا أن نطعمهم كل أنواع طعامنا، فكذلك يحل لنا أن نأكل جميع أنواع طعامهم". مجموع الفتاوى (35/217).
(4) المغني (13/293).
(5) انظر: التحرير والتنوير (6/120).
(6) نهاية المحتاج (8/113).
المصادر والمراجع:
---------------------
1 تحفة المحتاج شرح المنهاج ابن حجر الهيتمي دار إحياء التراث العربي – القاهرة
2 سنن الدارقطني علي بن عمرو الدارقطني دار المعرفة - بيروت
3 التحرير والتنوير محمد الطاهر بن عاشور الدار التونسية للنشر
4 المغني عبد الله بن أحمد بن قدامة دار إحياء التراث العربي - القاهرة
5 نهاية المحتاج شرح المنهاج محمد بن أحمد الرملي دار الفكر - بيروت
6 مغني المحتاج الخطيب الشربيني دار الكتب العلمية
المصدر: قسم الأبحاث الشرعية بدار الإفتاء المصرية |
|