نسمع كثيرا عن مبالغ خيالية تصل إلى عشرات الملايين من الدولارات، تدفعها النوادي الرياضية لبعض اللاعبين المشهورين، والسبب هو رغبتها في وجود شخص يكسب غالبا، ولديه الإمكانية لتحقيق ذلك، والعمل على تكوين فريق يحقق الفوز، لذا فإن الاستثمار الكبير ودفع المبالغ الكبيرة في شخص يمكن أن يحقق النجاح هو نوع من الاستثمار.
وكذلك في دنيا الأعمال، فإن بعض رجال الأعمال يتقاضون رواتب خيالية.
فقد نشرت الصحف الأمريكية عن دفع مبلغ مقداره 4 ملايين دولار كتشجيع للسيد بيير ساركوزي ليوقع تمديد عقده لمدة سنتين في عمله في البنك السويسري في مدينة بوسطن الأمريكية، هذا غير راتبه السنوي والذي يصل إلى أكثر من مليون ونصف، فهو يأخذ راتبا شهريا مقداره 150.000 دولار، أي أن أجرته في الساعة الواحدة هي ألف دولار.
والسبب في الحرص على بقاء هذا الموظف بهذا المبلغ الكبير هو أنه صاحب أفكار استثمارية عالية وناجحة، بل إنه أحد المخططين الذين عملوا من أجل الاندماج بين بعض البنوك، فهو ليس موظفا عاديا، بل هو ممن يرسمون الخطط الاستراتيجية للبنوك، وهذه الخطط غالبا ما تكون ذات هدف توسعي أو تسلطي، ولكن في حدود الأنظمة والقوانين مع تحقيق أرباح كبيرة، ولا تنتهي مسؤولية هذا الاستشاري على تقديم الاقتراح، بل عليه العمل على الإشراف على تنفيذه وتحقيق الأهداف المرسومة له، وهذا ما يجعل دفع هذه المبالغ لهؤلاء المستشارين هو استثمار لتحقيق مزيد من الأرباح.
وليست هذه هي الشخصية الوحيدة، فإن الصحف تنشر دائما أخبار تحركات وتنقلات رجال الفكر المالي ومقدار الطلب عليهم والاحتياج لهم لأن النظر إليهم أنهم بضاعة ثمينة، والعمل معها وبها أمر مربح.
الاستثمار ليس بالمال:
إن سماع كلمة استثمار تستدعي الفكر إلى استحضار كلمة المال، لأن الاستثمار كما هو معروف هو استثمار المال، ولكن المال لا يوجد ولا ينمو من ذاته، ولا بد له من راعٍ يرعاه، ويختلف هذا الراعي، فقد يكون عقلا مفكرا، أو إدارة ناجحة، وقد يكون طبيبا ناجحا، وقد تكون أيدي ماهرة، لذا فإن نماء المال وزيادته تكون نتيجة وجود هذا العامل الهام، والذي يعادل في أهميته وقوته وتأثيره قوة المال.
الفشل في تأمين هذا العامل المصاحب للتمازج الفعال مع المال، تكون نتائجه وخيمة والخسائر مؤكدة، وفي الصحف والجرائد تنشر حالات عديدة عن الفشل في تأمين الطرف الثاني من معادلة النجاح في دنيا الأعمال.
قصة نموذج للفشل!!
من سلسلة المشاريع الصغيرة الناجحة والتي فشلت لاحقا نتيجة عدم تحقيقها للطرف الآخر في هذه المعادلة، نشرت صحيفة سن داي تايمز قصة المخبز الذي كان معروفا بخبزه المميز، والذي كان دائما محل إعجاب زبائنه، ويتمتع هذا المخبز بسمعة كبيرة، وكان له عملاء لا يرضون بديلا عنه، بسبب جودة الخبز، كما أن هذا المخبز استطاع أن يكسب عدة مقاولات عامة، فهو الذي كان يقدم الخبز لبعض المدارس الداخلية.
واختلف صاحب المخبز مع كبير الخبازين عنده، بسبب مطالبة هذا الخباز بزيادة في أجرته، وكان صاحب المحل يعارض ذلك، وقد منحه زيادات لم تكن مقنعة له بالاستمرار، فما كان من هذا المالك إلا أن بحث له عن بديل، واستغنى عن خدمة كبير الخبازين.
وهنا بدأت رحلة الفشل، فالخباز الجديد لم يكن عوضا عن الخباز الماهر السابق، فبدأت الشكاوى من الخبز، وبدأ العملاء يبلغون صاحب المحل عن عدم رضاهم عن المنتج الجديد الذي لا يعادل بجودته، ما هو معروف عنه.
وبدأت المبيعات في انخفاض، وتتابعت الخسائر، وتم إحضار خباز آخر لعله ينقذ الموقف، ولم ينجح أيضا.
نسي صاحب المحل أن هناك مهارات ثمينة ولمسات خاصة في الكثير من المهن ترتبط بالشخص ذاته، لا يستطيع أن يقوم بها أي إنسان مهما حاول.
كان بإمكان صاحب المخبز إرضاء ذلك الخباز الماهر، وهو يعلم أنه سبب نجاح مخبزه وشهرته، ولكن بخل على استثماره ببعض المال فأضاع كل الاستثمار.
قصة نموذج للنجاح:
كان مهندس السيارات (رمزي) مهندسا معروفا في مدينة صغيرة من إحدى المدن الأمريكية، وكان يعمل عند صاحب الورشة أجيرا، وكان معروفا عند كل أصحاب السيارات في تلك المدينة أنه أفضل من يمكن أن تعطيه سيارتك لإصلاحها، وبعد خمس سنوات من العمل والشهرة، رغب في ترك المدينة الصغيرة والعودة الى مدينته القديمة التي ولد فيها ويعرفها.
لم يكن صاحب الورشة راضيا عن هذه الفكرة، وعرض له زيادة في الأجرة، وبقي المهندس فترة، ثم عاوده الحلم بالسفر وترك المدينة.
وهنا علم صاحب الورشة ان مورد رزقه سينهار لو سمح لهذا الرجل ترك العمل، فقدم له العرض الذي لا يمكن رفضه، فقد طلب منه ان يكون شريكا له مناصفة في ورشته مقابل أن يوقع عقدا للعمل معه مدة عشر سنوات.
وكانت فكرة صاحب الورشة أن ورشته لن تساوي شيئا بعد خروج هذا العامل الماهر، لذا فإن المحافظة على هذا العمل الناجح يتطلب منه تفكيرا سليما. فالشراكة فيما يملك ليست تضحية كما يتبادر إلى الفكر بل إن هذا نوع من الاستثمار المؤكد النجاح .