تقدم بعض البنوك قروضا شخصية لبعض الأفراد من ذوي الدخل الثابت حتى ولو كان دخلا محدودا، إذ أن البنوك تقدم قرضها للشخص ليس على أساس أهمية القرض وفائدته وضرورته للمقترض، بل على مدى قدرة البنك على تحصيل أقساط القرض، وهذا ما يعيب هذه القروض التي لم تراعَ فيها سوى مصلحة وضمان البنك لحقوقه.
حقوق البنك أولا:
إن شروط هذه القروض الشخصية وضعت بما يتناسب مع ضمان البنك لحقوقه، فهو لا يقدمها إلا للشخص الذي يعلم أن دخله معلوم وثابت، وللبنك عليه سلطة اطلاع وسلطة اقتطاع.
كما أن البنوك عادة ما تقدم القرض بعد أن تحسم منه الفوائد المنتظرة، والتي تم الاتفاق عليها، أي أن مبلغ القرض الذي يقدم للمقترض ليس المبلغ المتفق عليه، بل هو أقل من ذلك. فالفوائد تحسم مرة واحدة عند بداية سريان مدة القرض، ولا توزع على مدة القرض.
وعادة ما تكون هذه القروض قصيرة الأجل، ولا تتعدى السنوات الثلاث أو الأربع على أقصى مدى، مما يجعل هذه القروض مرهقة، لأن ذلك يرفع مبلغ القسط الشهري المقتطع من دخل المقترض، فقد يتم خصم ما يقرب من ربع أو ثلث الراتب مقابل القرض. مما يجعل المقترض يعيش في فترة تقشف أو في فترة حرجة مدة هذه السنوات.
هل هناك ضرورة للقروض الشخصية ؟!!
لا يقوم البنك بدراسة مستفيضة عن طالب القرض ولا عن سجله الائتماني، ولا يبحث البنك عن صحة الحاجة ووجودها، ولا يعمل على متابعة وملاحقة المال المصروف فيها، وقد لا تكون هناك حاجة فعلية أو ضرورة ملحة للحصول على هذا القرض، وهذا فخ يقع فيه المقترض، حيث إن إغراء توفر السيولة وإمكانية الحصول عليها بسهولة يشجعه على الحصول عليها، ومن ثم صرفها، ولا يكترث البنك في أي إسراف أو إهدار للمال المقترض طالما كان البنك مقتدرا على تحصيله.
يقول الخبير المالي في جامعة الملك سعود الدكتور أبو ذر الجلي في مقالة له منشورة في مجلة الراجحي " لا بد من قيام هيئة تقويم ائتماني مركزية للأفراد، مهمتها تقويم الأفراد ائتمانيا، وحفظ سجل ائتماني لهم، وفائدته أنه لا يشجع الأفراد على الاقتراض من أي جهة قبل حساب تأثير ذلك على وضعه وسجله الائتماني في الوقت الحالي وفي المستقبل).
الجدوى الاقتصادية محدودة للمقترض!!
إن سهولة الحصول على القرض الشخصي قد تدفع الكثيرين إلى الحصول عليه، ولكن الاستفادة منه ستكون محدودة، لأن أغلب المقترضين سيصرفون الأموال في السلع الاستهلاكية أو في الاستهلاك التفاخري، حيث يجدد بعض الأشخاص سيارته، فيشتري سيارة حديثة وجديدة، أو يغير أثاث منزله بقرض من البنك يمتد إلى مدى عمر الأثاث أو السيارة، ما يجعله مالا ضائعا، لأن العائد له كان عائدا استهلاكيا.
وكما يقول الدكتور محمد حامد الخبير الاقتصادي بجامعة الملك سعود: "الاقتراض له من المساوئ أكثر مما له من المنافع، خصوصا إذا كان الغرض من الاقتراض غير مبرر بقدر كاف .. فالأغراض الاستهلاكية كثيرة ومتعددة، وقد لا يستطيع الإنسان مواكبتها إذا أراد ذلك. وعليه، فيجب أن يحاول الإنسان ألا ينفق أكثر من دخله الشهري أو السنوي، وإلا سيضطر إلى أن يقع في طائلة الديون."
ويرى هذا الخبير الاقتصادي بأن يكون القرض لأسباب وجيهة جدا، ويحددها بأن تكون للتعليم أو للعلاج في حالة عدم توفرهما في الداخل. كما أن الاقتراض للزواج قد يكون السبب في نجاح الزواج، وقد يكون أحد أسباب الفشل في الزواج، لذا فينصح بالتفكر الجاد قبل الإقدام على الغرق في القروض الشخصية.
البديل للقروض الشخصية!!
إن كل إنسان عرضة ليمر بأيام عصيبة، وأيام احتياج، وهنا تكمن الحكمة في التوفير، ومن الواجب أن تعمل البنوك على تنمية الادخار والتشجيع عليه، وأن تكون رسالة البنوك هي أن ما توفره اليوم يغنيك عن قرضنا غدا، لينصرف هم عميل البنك إلى زيادة رصيده لا إلى نقصانه، ويجب أن تكون الثقافة المالية والاقتصادية هي في عدم الإسراف وبناء قنوات توفير شخصي لمقابلة تلك الطوارئ التي لا يخلو منها زمن ولا يسلم منها إنسان.
ويمكن لكل إنسان مهما كان دخله من استقطاع جزء صغير منه وحفظه عند البنك، ويمكن أيضا تنمية هذه المدخرات البسيطة لتكون نواة استثمار كبير في حالة بقائها فترة كافية تحت تصرف البنك وحكمة العاملين فيه.
وبهذا ستكون البنوك عامل توفير، وفي الوقت نفسه خلق جبهة لمواجهة الطوارئ حيث يتعرض البعض لأحداث خارجة عن المخطط اليومي والشهري وتستوجب التزامات مالية، كحالات المرض أو الحوادث الطارئة، ويجب أن لا يكون الملجأ هو الاقتراض، بل الصرف من المتوفر ومن صندوق الأزمات.
***