عندما تستخدم الأموال الأسواق..
د. عقيل محمد العقيل
أن تستخدم عناصر أي سوق كانت المال لتمويل مشروعاتها أو مشتريها فذاك أمر معتاد ومحمود، فشح التمويل من عوائق الأسواق. ولكن أن تستخدم الأموال الأسواق لكي تتضاعف بأي صيغة كانت حتى وإن كانت على حساب السوق فذاك أمر مستحدث ومرفوض.
ما يخيف الاقتصاديين اليوم أن الأموال وخصوصاً التي تسمى بالأموال الساخنة أصبحت خطراً على الأسواق حيث تدخل هذه الأموال الكبيرة وبشكل مفاجئ ومدروس من قبل أصحابها في أي سوق ثم تعيث فيه فساداً من خلال تكتيكات ذكية لتخرج بعد مدة زمنية محددة وقد تضاعفت مرات ومرات لتترك وراءها ضحايا كثيرة حاولت أن تستفيد من حركة الأموال في تلك السوق، كما تترك وراءها سوقاً تنكمش بشكل كبير بعد اتساع مفاجئ ومستفيدين ذوي حاجة بقدرات شرائية محدودة.
تجار السوق الحقيقيون ذوو رؤية إستراتيجية يحرصون كل الحرص على تنمية سوقهم كما يحرصون على تنمية استثماراتهم، فهم من يرضى بالقليل الدائم ويرفض الكثير المنقطع، وهم من يرون أن استمرارية نمو الأسواق تتطلب تحقيق مصلحة كافة المتعاملين فيها دون تغليب مصلحة طرف على آخر. وعلى العكس تماماً فإن أصحاب الأموال الساخنة مجموعة من الانتهازيين الذين يريدون تحقيق أرباح فاحشة في فترة وجيزة وإن كان على حساب كافة الأطراف بما في ذلك الوطن أو لنقل العالم كافة، وهنا تكمن الخطورة التي يجب علينا جميعاً أن نقف في وجهها صفاً مرصوصاً.
من الذي سهل مهمة أصحاب الأموال الساخنة حتى أصبحوا رقماً صعباً في الاقتصاد العالمي تعجز الجهات المنظمة عن السيطرة على تحركاتهم. ضخامة الأموال والبورصات ووسائل الاتصال الحديثة التي تمكن من المتابعة اللحظية والتداول السريع مكنت هؤلاء الذين يلعبون على غريزة الطمع في تحريك الجموع نحو مذابحهم المالية. هذه الأسباب مجتمعة مكنت مجموعات مالية محترفة من السيطرة على أسواق كبيرة ببورصات تتداول في الكثير من الأحيان حوالي 5% مما يتداول في تلك الأسواق، ولنا في حجم الأغذية المتداولة في البورصات العالمية مثالاً على ذلك حيث أصبحت البورصات تحدد أسعار المواد الغذائية رغم أن حجم المتداول فيها لا يتجاوز ال7% من مجموع المتداول عالمياً.
كيف لنا أن نوقف أصحاب الأموال الساخنة لنعيد الأموال الى مكانتها الحقيقية كأدوات تستخدم في الأسواق لتوسعتها وتطويرها وتحقيق التوازن بين الطلب والعرض. أعتقد أن على الحكومات أن تعيد النظر في قوانين منظمة التجارة العالمية وإلا أصبحت تلك الحكومات في وضع مثير للشفقة أمام شعوبها إذا لم تتدارك تلك الثغرات وتغطيها.