الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، الهادي إلى إحسانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأعوانه، وسلم تسليما كثيرا. أما بعد: * عباد الله، اتقوا الله تعالى حق التقوى، واستمسكوا بلا إله إلا الله؛ فإنها العروة الوثقى، واحذروا المعاصي فإن أقدامكم على النار لا تقوى، وتواضعوا لله؛ فإن من تواضع لله رفعه، ومن تكبر على الله وضعه، ومن زرع التقوى حمد عند الحصاد ما زرعه. * واعلموا أن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم- وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين؛ فإن يد الله مع جماعة المسلمين، ومن شذ عنهم شذ في النار، واعلموا -رحمكم الله- أن الدنيا دار ممر، وأن الآخرة هي دار المقر، فتزودوا من ممركم إلى مقركم، وتأهبوا ليوم حسابكم وعرضكم على ربكم: يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ . * واعلموا أنكم غدا بين يدي الله موقوفون، وبأعمالكم مجزيون، وعلى تفريطكم نادمون، وعلى رب العزة ستعرضون: وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ . * واعلموا عباد الله أنه لا تتم الموالاة والمعاداة إلا بإظهار البغض وإشهار المقت، والتحقير لكل كافر بالله أيا كان، بأن لا تبدءوه بالسلام، ولا بأي نوع من أنواع التحية، وأن تلقاه بوجه مكفهر، وأن تحقره وتحقر من شأنه عند كل من يلقاه أو يتصل به. ولأجل ذلك ذكر العلماء في أحكام أهل الذمة أنهم يعاملون بالتصغير، ويعاملون بالتحقير إذا التزموا أحكام الإسلام وبذلوا الجزية، وأنه لا يجوز تصديرهم في المجالس، ولا القيام لهم ولا بداءتهم بالسلام، وذلك لأن فيه نوع من احترامهم، ولا يجوز أيضا تمكينهم من إقامة معابد لهم في بلاد المسلمين، ويمنعون من إحداث الكنائس والبيع والمعابد، وبناء ما تهدم منها ولو ظلما، وأنهم إذا صاروا من أهل الذمة، تفرض عليهم جزية تؤخذ منهم كل سنة يبذلونها، كما أمر الله بقوله تعالى: حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ . فيمتهنون عند أخذها، ويطال وقوفهم، وتجر أيديهم، وكل ذلك ليعرفوا ويشعروا بأنهم حقيرون، وأن الإسلام هو العزيز، وأهله لهم العزة: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ . * ومتى كانت العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، فالذلة لأعدائهم، والتحقير والتصغير لكل من عادى الله، وعادى رسوله -صلى الله عليه وسلم- فلا يجوز موالاة الكافرين بأي نوع من الموالاة. * ولقد روي عن الفضيل أنه قال: اللهم لا تجعل لصاحب بدعة عندي يدا فيحبه قلبي هكذا يتمنى -رحمه الله- فلا يقبل هدية لكافر، ولا يقبل منة له، ولا خدمة له يمن بها عليه؛ مخافة أن يوده القلب، أو يحبه أو يحترمه أو يعظمه، وكل هذا من تعظيم الكفر، فمن عظم كافرا وتواضع له لأجل دينه فهو على خطر، كما روي عن بعض السلف أو في بعض الآثار: أن من تواضع لرجل أو لغني لأجل دنياه، فقد ذهب ثلث دينه فتوعده بوعيد شديد. فإذا كان هذا لمن تواضع لصاحب الدنيا، فكيف بمن تواضع للكافر أو للمشرك، أو احترمه، أو قام له، أو خدمه، أو تولاه بأي نوع من الولاية؟! * كما قال بعض السلف في تفسير الموالاة: ومن لاق لهم دواة أو برى لهم قلما، أو ناولهم قرطاسا، دخل في هذا . أي دخل في الموالاة التي توعد الله عليها بقوله: وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ . * وهكذا أيضا من هنأهم بأعيادهم، أو بأماكنهم التي يملكونها فإن ذلك لا يجوز، وما ذاك إلا أن فيه شيئا من احترامهم وتوقيرهم ورفع معنوياتهم. * فلا يجوز لك أن تهنئ كافرا أيا كان نوع كفره، فلا تهنئه بملك، ولا تهنئه بملبس، ولا بيوم مولد، ولا بعيد من أعيادهم، وكذلك بمنزل نزله، ولا بمال تموله أو غير ذلك، فإنك متى قلت هنيئا لك هذا الملبس، أو هنيئا لك هذا المولود، أو هنيئا لك هذا المنزل، أو نحو ذلك، كنت بذلك موقرا ومحترما له، فتدخل في التولي الذي توعد الله عليه بهذا الوعيد الشديد، وكذلك أيضا مشاركتك له في عيده، أو قبول هدية من هداياهم التي يضعونها في أعيادهم، مع العلم بأن تلك الأعياد -التي يفتخرون بها، أو يحتفلون بها، أو يجتمعون فيها، أو يتبادلون فيها التهاني- كلها أعياد مبتدعة لا أصل لها في الشرع. * فليس في دين الإسلام هذه الأعياد: لا عيد الكريسماس، ولا عيد المهرجان، ولا عيد المولد، ولا غير ذلك من الأعياد، بل كلها مبتدعة، ولكنهم يحبون أن يكون لهم أوقات يتبادلون فيها التحية والتهنئة، فلا يجوز للمسلمين أن يهنئوهم؛ مخافة أن يكونوا بذلك محترمين لهم وموقرين لهم. * ولقد بالغ علماء الإسلام في بغضهم وفي النهي عن التشبه بهم في أعيادهم، فذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه العظيم: (اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم) كلاما بليغا في النهي عن تهنئة الكفار بأعيادهم، فضلا عن مشاركتهم فيها، أو ترك العمل من الأعمال، وتعطيل الوظائف والحرف. إذا كانت في أزمنة أعيادهم، مثل النيروز والمهرجان وما أشبهها؛ فيقول: إن المسلم لا يجوز له مشاركتهم في تلك الأعياد، ولا تهنئتهم، ولا ترك الأعمال لأجلهم، بل ولا قبول أي هدية من هداياهم التي تدل على توقيرهم، أو تسبب محبة لهم ومودة لهم . * فإذا كان الله تعالى قد قطع الصلة بين المسلمين والكفار، وجعلهم أعداء لكم، فكيف مع ذلك نتواضع لهم، أو نقوم لهم احتراما، أو نوقرهم أو نقدرهم، ونحن نعلم أفعالهم بالمسلمين؟! فماذا فعلوا في البلاد الإسلامية؟! ماذا فعلوا في البلاد الإسلامية التي تمكنوا منها: كالبوسنة والهرسك وبورما وكشمير وغيرها من بلاد المسلمين التي تولوا عليها وعاثوا فيها فسادا؟! لا شك أنهم متى تمكنوا من الإسلام ومن المسلمين أوقعوا بهم الوقيعة. فكيف مع ذلك نعزهم، ونرفع معنوياتهم، ونظهر محبتهم؟! * لا شك أن ذلك خطر يا عباد الله على ديننا، وخطر على عقيدتنا أن نكون مخالفين لأمر الله، معظمين لأعداء الله، ومخالفين لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. * واعلموا عباد الله أن الله -سبحانه- أمركم بأمر عظيم، أمركم بالصلاة والتسليم على نبيكم الكريم، فقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا . وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة.. فأكثروا علي من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة علي ... الحديث. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد النبي -صلى الله عليه وسلم- الأمي، البشير النذير، والسراج المنير صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، اللهم وارض عن أصحابه الخلفاء، والأئمة الحنفاء: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي اللهم وارض عن الستة الباقين من العشرة، وعن عمي نبيك: حمزة والعباس وعن زوجاته أمهات المؤمنين، وعن بقية الصحابة أجمعين. اللهم وارض عنّا معهم بمنِّك وعفوك، وجودك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، اللهم انصر عبادك الموحدين، اللهم احم حوزة الدين، اللهم من أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بشر فأشغله بنفسه، واردد كيده في نحره، اللهم أصلح ولاة المسلمين، واجعلهم هداة مهتدين، يقولون بالحق وبه يعدلون، اللهم أصلح أئمة المسلمين، وارزقهم البطانة التي تحثهم على الخير، وتحذرهم من الشر يارب العالمين. اللهم أصلح من في صلاحه صلاح للإسلام والمسلمين، اللهم ودمر من في تدميره خير للإسلام والمسلمين يا رب العالمين، اللهم عليك بمن طغى وتجبر واعتدى، اللهم عليك بالطغاة الظلمة المعتدين، اللهم عليك بالمفسدين في الأرض والمنافقين، اللهم فرق جمعهم، اللهم شتت شملهم، اللهم اشقق عليهم عصابهم، اللهم دمر اليهود والنصارى، والصرب والصليبيين، والكفرة والمشركين والمنافقين، والبعثيين والعلمانيين، وسائر أعدائك يا رب العالمين. اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك، اللهم اشدد عليهم وطأتك، وارفع عنهم عافيتك، ومزقهم كل ممزق يا رب العالمين، اللهم سلط عليهم جندا من جنودك، اللهم زلزل الأرض من تحت أقدامهم، اللهم أوقع الفرقة في صفوفهم، واجعل قواتهم وبالا عليهم يا رب العالمين. اللهم إنهم قد عاثوا في الأرض فسادا، اللهم إنهم قد أيتموا الأطفال، وقد فرقوا الأولاد، وقد أرملوا النساء، وقد استباحوا محارمك، وحاربوا دينك، اللهم فانتقم منهم، فإنك عزيز ذو انتقام. اللهم اجمع كلمة المسلمين على الحق يا رب العالمين، اللهم اجمع المسلمين على كلمتك ودينك، اللهم ارزق المسلمين التمسك بدينك، اللهم انصر المجاهدين في سبيلك، والذابِّين عن دينك، اللهم انصرهم وثبتهم، اللهم ثبت أقدامهم، وسدد سهامهم، اللهم وحد صفوفهم، واجمع كلمتهم على الحق يا رب العالمين. اللهم أنزل عليهم نصرك المؤزر، اللهم انصرهم وانصر بهم يا رب العالمين، اللهم انصر المسلمين في كل مكان يا أرحم الراحمين. اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث، واجعل ما أنزلت قوة لنا على طاعتك، وبلاغا إلى حين، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا غيثا مغيثا، مريعا، وحيا، وجدا، طبقا، غدقا، مغدقا، مورقا، هنيئا، مريئا، سحا، عاما، دائما، دررا، نافعا غير ضار، عاجلا غير رائث، تحيي به البلاد، وترحم به العباد، وتجعله بلاغا للحاضر والباد. اللهم أنزل في أرضنا زينتها، وأنزل في أرضنا سكنها، اللهم أنزل في أرضنا ماء طهورا، تحيي به بلدة ميتا، واسقه مما خلقت أنعاما وأناسيَّ كثيرا، اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب، ولا بلاء ولا غرق، اللهم اسقنا الغيث، ولا تجعلنا من القانطين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار. عباد الله، إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون .