بتـــــاريخ : 6/15/2011 5:13:58 PM
الفــــــــئة
  • اســــــــلاميات
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 940 0


    التوجيهات التربوية للعاملين في حقل الدعوة الإسلامية

    الناقل : SunSet | العمر :37 | الكاتب الأصلى : أحمد الكردى | المصدر : kenanaonline.com

    كلمات مفتاحية  :

    العلماء في الميدان..

     

    إن ميدان حياة  الناس يتسع لكل شيء فلا أقل أن يتسع لرجل من العلماء المُبصرين، يبصرهم أمر دينهم ودنياهم، ويرشدهم إلي سواء السبيل، ويُبيّن لهم أن يقعوا في حرام من حيث يعلمون ولا يعلمون، إن الناس بفطرتهم الربانية ليفرحون أن يعيش بينهم رجل من العلماء، يسبق فعله قوله، ينحني بتواضعه إلي أصغر الناس وأفقرهم، يبتسم لشريفهم ووضيعهم، فيوسعون له ويقدمونه ويسمعون قوله ويحتكمون إليه، حتى كأنه نبيّ يعيش بينهم. لكن المشكلة أن تجد من أهل العلم من ينأى بنفسه عن حياة الناس حتى لا تجد له أثرًا ملموسًا.

    قال الشيخ وهو يتحدث عن علماء السلف وما كانوا عليه من: الخبرةُ بأحوال العصر وأحداث الزمان، والسياسة الشرعية، ومتابعة صنيع السلاطين، وتبيان حكم الدين فيه، فهؤلاء العلماء لم يكونوا يعيشون بمعزل عن حياة الأمة، وما يفعله حكامها، وأنكروا المنكر من أفعالهم، وبينوا للناس ما يحل ويحرم ويكره مما يترتب على قراراتهم (1).

     

     

    ومما ذكره من مهام العلماء: متابعتهم أعمال التجار، ووعظهم وتذكيرهم، وتأصيل ذلك كله دخول النبي صلى الله عليه وسلم الأسواق، والنظر في بضائع التجار، بل مد يده الشريفة صلى الله عليه وسلم ليتعرف ما في الظروف والأوعية، وأمر التجار بعدم الغش أو تلقى الركبان والجلب، أو البيع قبل الحوز إلى الرحال، أو التعامل في الربا، وبين صلى الله عليه وسلم حق البيعين في الخيار وغيره، وهي أحكام معروفة في كتاب المعاملات والبيوع وغيرها كثيرة، وأن على العلماء اليوم أن يجتهدوا في إنشاء ديوان الحسبة لمتابعة أحكام البيوع والتجارة. وقد قال عمر بن الخطاب: لا يبع في سوقنا إلامن قد تفقه في الدين(2).

     

    وميدان الجهاد أفقر الميادين إلي العلماء وهو أشد حاجة لهم، بل إن الجهاد مُغَيّب عن حياة كثير من المعاصرين من أهل العلم، ألا يُخشي أن يكون هؤلاء ممن يعملون على تغييبه بنأيهم عن ميدانه، وقصور حديثهم عن أحكامه وسننه ونوازله، وكان الأولى أن يتقدموا الناس ويسبقوهم، ويعيشوا معهم محنتهم وصبرهم، فالناس تأنس وتقتدي بالعلماء.

    قال الشيخ رحمه الله: ينبغي أن يكون العلماء في الميدان، يقفون وقفة عز وشرف مع المجاهدين، يجري عليهم ما يجري على أهل الجهاد من المخمصة والشدة، ولا أجمل من أن تُزَيّن الكلمات بالأفعال، وتصير النصوص رجالًا تمشي في ساح الوغى، تصحح المسار، وتنصح لدين الله، وتستشهد في ذات السبيل(3).

    وقال في سياق ترجمته لزائدة بن قدامة: وقد مات مرابطًا بأرض الروم، عام غزا الحسن بن قَحْطَبة، سنة إحدى وستين ومائة وقد شاخ(4) رحمه الله تعالى.

     قال الشيخ معلقًا: رحم الله تعالى زائدة بن قدامة، يشيخ وهو في الرباط، هكذا والله تنتصر الأمة، ويمكن لها في الأرض، أما حين يلزم العباد والزهاد والعلماء والحكماء العواصم الآمنة، فأبشر بما لا يسرك، وقد فقه عبد الله بن المبارك هذا الفقه مبكرًا، وقال وهو يعاتب الفضيل بن عياض منذ قرون الزمن الأول:

    يا عابد الحرمين لو أبصرتنا *** لعلمت أنك بالعبادة تلعب


    العلماء المـُُرَبّون..

    تربية الجيل من أبناء الأمة مهمة عظيمة، وضرورة ملحة، فالأمة التي تنظر إلي مستقبل مشرق عزيز، وحياة آمنة مطمئنة ومجتمع متكاثف بنّاء، تعلق آمالها على جيلها الناشئ، وهي لذلك تبذل قصارى جهودها في تربية الناشئة وتهذيب سلوكهم وتعليمهم، ومما لا شك فيه أن العلماء هم قطب رحى العملية التربوية في المجتمع، فهم أفضل وأهم من يتولى ذلك، لأنهم أعلم الناس بالقيم والأخلاق التي يقوم عليها المجتمع المسلم، وهم وحدهم من يقدر على استلهام صورة الماضي المجيد المشرق لهذه الأمة والعمل على إحيائه،فهم أقدر الناس على غرس الأخلاق والفضائل في أبناء الأمة.

    فكان لا بد على العلماء أن يتولوا هذه المهمة ويبذلوا فيها جهدهم، ومن جهة أخرى لا بد أن يحرص التلاميذ وباقي أفراد الأمة على الالتفاف حول علمائهم المصلحين الصالحين، ينهلون من علومهم وينظرون في سلوكهم وتوجيهاتهم.

     

    قال شيخنا الشهيد رحمه الله: والحاجة إلى الشيخ في التربية والتهذيب والتشذيب مهمة كأهميته في الناحية العلمية، ومن حُرم  التربية على يد المشايخ والعلماء فقد حُرِمَ خيرًا كثيرًا.

    وقال: وقد ذكر أثر سفيان الثوري وقد قال له أصحابه من نسأل بعدك؟ فقال: سلوا زائدة. فيه أن العبد لا يستغني عن إمام يوجهه، وشيخ يربيه، وعالم يرشده، وقد قيل لفضيل في بعض ما كان يذهب إليه من الورع: مَنْ إمامك في هذا؟ قال: سفيان الثوري(5). فإن كان أصحاب سفيان الثوري قد ظنوا أنه الأجل قد اقترب، وأنه يوشك الفراق أن يصدع بين الرفاق، وأن سفيان سيفارق أحبابه، وهم تلامذته الذين عنه يأخذون، فإنهم لا يستغنون عمن يقوم فيهم مقامه، فيسألونه أن يدلهم على من يصلح أن يكون إمامًا يأخذون عنه(6).

    ولك أن تنظر إلي تعلق طلبة العلم بشيوخهم وأساتذتهم المربين، وحبهم لهم، وإعجابهم بعلمهم وسيرتهم، فهم يعيشون في كنفهم، ولا لذة لهم إلا في قربهم، يعتبرونهم أولياء أمورهم المقدمين المطاعين، إشارتهم أمر، يشفقون عليهم أن يصيبهم البلاء، حتى أنهم يخافون على أنفسهم إن هم فقدوهم، وما ذلك إلا لحسن تربية الإمام طلابه.

     

    ولا يزال طلبة العلم يقصدون شيوخهم وأئمتهم، وييمون شطرها حتى وهم في النزع والموت، يغتنمون كل لحظة من حياة الإمام القدوة المربي، حيث تراهم يجلسون عنده في أيامه الخاتمة،  ليفيدوا منه علمًا وأدبًا ودينًا وورعًا، يستشيروه  في أخص أمورهم وأدقها. وهذه فضيلة اختص بها أهل العلم دون الناس، فقد جرت العادة أن العبد كلما كبر في السن وطعن في العمر قلت رغبة الناس في قصده، حتى ولو كان صاحب منصب وجاه أول العمر؛ فإنه إن قعد عن عمله تركه الناس، وزهدوا فيه، وانصرفوا يبحثون عن غيره، إلا العلماء الذين بارك الله لهم في علمهم، وتركوا مناصب الدنيا، وزهدوا فيما بأيدي الناس، فعوضهم الله عنها بالذكر الطيب والثناء الحسن(7).

     

    وقال: والحاجة إلى الشيخ في التربية والتهذيب والتشذيب مهمة كأهميته في الناحية العلمية، ومن حُرم  التربية على يد المشايخ والعلماء فقد حُرِمَ خيرًا كثيرًا.

    قال الأستاذ أبو أيمن محمد بن صالح طه يومًا في درسه لطلابه: أين فلان؟ فقال أحد الطلبة: هو مريض، وبعد انتهاء الدراسة، أخذ الأستاذ أبو أيمن بيد الطالب وقال له: تعال نزور الطالب المريض، ويصل الأستاذ أبو أيمن إلى بيت الطالب المريض، ويقول لوالده: الحمد لله على سلامة ولدك، قال الوالد: لكنه ليس مريضًا، وهنا يعقب الطالب الذي كذب بعد سنوات طوال: والله ما كذبت بعدها كذبة قط، ومن عجب أن أستاذي أبا أيمن لم يقل كلمة واحدة، ولم يعنفني، ولم يتهمني بالكذب(8).

     

    وكان الشيخ الشهيد رحمه الله يوجه العلماء أن يكونوا مربين بأخلاقهم وأفعالهم وسلوكهم، وأن لا ينأوا بأنفسهم عن مواطن التواضع والنزول إلي الفقراء وعامة الناس، وذلك أن الناس تنظر إليهم وتقتدي بهم.

    قال الشيخ رحمه الله: ومن ابتلي من العلماء بالشهرة وصار رمزًا للناس فإنه ينبغي أن يعد خطواته، ويحسم خلجات فؤاده، فالناس تعد عليه كل شيء، حتى المشي على العَبَّارة، فكيف ببقية أحكام الحياة(9).

     

    جاء في كتاب الورع: لما سُيِّر عامر ابن عبد القيس إلى الشام، قال: اجتمعوا حوله بالمِرْبَدِ، فقال: إني داع فآمنوا، اللهم من سعى بي فأكثر ماله، وأطل عمره، واجعله موطأ العقبين.

    قال الشيخ: فيه هضم حظ النفس، وعدم الانتصار لها، والعمل لما بعد الموت، والمنتصر حقًا، من انتصر على شهواته وحظوظ نفسه، ولقد حملت الدعوة الإسلامية المعاصرة من قصص الصابرين ما يضاهي قصص الصالحين من أمثال عامر بن عبد القيس رحمه الله.

    وفيه تعليم طلبة العلم بالقدوة والعمل، فإنَّ نظريات العمل الإسلامي كثيرة، والقدوات المنتصبة في الدعوة قليل، ومن هنا تظهر الصورة الناصعة لوقفة عامر رحمه الله تعالى، وقد كان طلبة العلم يلتفون حوله، ويودون أن يسمعوا منه كلمة أو دعاءً أو نحو ذلك، وقد صرحوا بهذا كما سبق بيانه قالو: " هات فقد كنا نشتهي هذا منك؟" فلما تكلم ودعا، كان قوله درسًا عظيمًا في التأسي بالصالحين(10).

     

    وفي سياق ترجمته للإمام سفيان الثوري: وقد سئل: ما الزهد؟ فقال: سقوط المنزلة(11).

    قال شيخنا معلقًا على ذلك: والخوف من سقوط المنزلة رأس كل خطيئة، حتى أن العلماء انحطوا إلى مواطن الرعاع بسبب الخوف من سقوط المنزلة. قال المناوي في فيض القدير 4/390: " وهذه صفة علماء زماننا؛ نجدهم يجتهدون في تحسين الهيئة والثياب الفاخرة، والمراكب السنية، فإذا نظر إلى باطن أحدهم وجد خوف الرزق على قلبه كالخيال، يكاد يموت من همه، وخوف الخلق، وخوف سقوط المنزلة من قلوبهم، والفرح بمدحهم والثناء عليه، وحب الرئاسة وطلب العلو، والتبصبص للظلمة والأغنياء، واحتقار الفقراء، والأنفة من الفقر، والاستكبار في موضع الحق".

    وفي تاريخ بغداد 3/75  قال أبو بكر الكتاني: سألت ابن الفرجي: متى يعرف العبد أنه من صفوة الله، ومن خيرة الله؟ فقال: كيف وقعت بهذا؟ قلت: جرى على لساني، قال: إذا خلع الراحة، وأعطى المجهود في الطاعة، وأحب سقوط المنزلة، وصار المدح والذم عنده سواء"(12).

     

    العلماء يُربّون طلابهم على أعينهم..

    قال شيخنا رحمه الله: ويَحسُنُ للأُستَاذِ أَنْ يُظهرَ مكانَ الطالبِ ويُبرزهُ: إِنَّكَ أَنْتَ، فيمدَحهُ ويُثني عليه، كَما امتدحَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم، أبا هُريرةَ حِينَ سَأَلهُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ رَسُولُ اللهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَقَدْ ظَنَنْتُ، يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، أَنْ لا يَسْأَلُنِي عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَحَدٌ أَوَّلُ مِنْكَ، لِمَا رَأَيتُ مِنْ حِرْصِكِ عَلى الحَدِيثِ، أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفاعَتِي يَوْمَ القِيَامَة مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، خَالِصًا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ"(13).

    يمتدحه ويقول: " أَوَّلُ مِنْكَ" فأنت الأول، والناس تبع لك في السبيل، وفضل السبق ليس له كِفَاءٌ. وكلمته صلى الله عليه وسلم وحدها باب عظيم من أبواب التربية والتعليم اليوم، وهي إشارة إلي ترتيب المجتهدين من الطلبة، الأول فالأول، ولكل مجتهد درجه ومقام.

     

    وتمثل في إجابة النبي صلى الله عليه وسلم سؤال أبي هريرة رضي الله عنه، منهج الصالحين مع طلابهم، يهتدون بهديه عليه الصلاة والسلام، فيجيبونهم ويزيلون الوحشة من نفوسهم حين يسألون، ويدعون لهم بالرحمة والعلم بِحُنُوٍّ أَبَوِيٍّ فطرِيٍّ غَيرِ مُتكَلّفٍ. وهو ما ذكر به الإمام الكبير العلامة المربي البصير، أبو زكريا النووي رحمه الله، قال: " وَيَنْبَغِي أَنْ يَحْنُوَ عَلَيْهِ وَيَعْتَنِيَ بِمَصَالِحِهِ، كَاعْتِنَائِهِ بِمَصَالِحِ نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ، وَيُجْرِيهِ مَجْرَى وَلَدِهِ فِي الشَّفَقَةِ عَلَيْهِ، وَالاهْتِمَامِ بِمَصَالحِهِ، وَالصَّبْرِ عَلَى جَفَائِهِ وَسُوءِ أَدَبِهِ، وَيَعْذُرُهُ فِي سُوءِ أَدَبٍ وَجَفْوَةٍ تَعْرِضُ مِنْهُ فِي بَعْضِ الأَحْيَانِ، فَإِنَّ الإِنْسَانَ مُعَرَّضٌ لِلنَّقَائِصِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُحِبَّ لَهُ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ مِنَ الخَيْرِ، وَيَكْرَهَ لَهُ مَا يَكْرَهُهُ لِنَفْسِهِ مِنَ الشَّرِّ… وَيَنْبَغِي أَلَّا يَتَعَظَّمَ عَلَى المُتَعَلِّمِينَ بَلْ يَلِينُ لَهُم وَيَتَوَاضَعُ، فَقَدْ أَمَرَ اللهُ بِالتَّوَاضُعِ لِآحَادِ النَّاسِ

    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()