الواقع أن الانقلاب الذي أحدثه محمد صلى عليه وآله وسلم بإبلاغ التعاليم السماوية والنظم الإسلامية لبني البشر ، والانتقال فجأة من طور ... إلى طور ... كان شبه المستحيل . ورغم أن التقاليد التي صاغتها العصور والعادات التي فرضتها الأجيال ، والتي يتوارثها الأبناء عن الآباء ، لا يمكن أن تزول دفعة واحدة ، ولا تندثر أو تتبدل إلا بمدة طويلة من الزمن . لكن التعاليم الإسلامية الجديدة ، قلبت نظام المجتمع العربي ، وأسرعت إلى قلوب المسلمين ، واحتلت الصدارة في نفوس المؤمنين . فإذا بأولئك الرجال الذين كانوا بالأمس القريب ، يعتبرون المرأة مخلوقاً وضيعاً لا تصلح إلا للخدمة أو للمتعة . نجدهم ينقلبون فجأة وبسرعة مدهشة ، إلى اعتبار النساء وإكرامهن حسب التعاليم النبوية وتوجيه الرسول الكريم . وكذلك نجدهم يعاملوهن بالمودة والرحمة أسوة بالنبي العظيم الذي كان يعامل المملوكة الرقيقة المؤمنة ، معاملة الحرة الرفيقة الكريمة . ونتج عن هذا التبدل ـ التطور ـ ان المرأة شعرت بمنزلتها ، وحفظ كرامتها فقمن النسوة بواجباتهن منتعشات الأرواح نشيطات الأجسام . والفين في امتثال الرجال لأوامر الدين ونواهيه طريقاً واسعاً للانطلاق من مجال القول الى مجال العمل . نرى بذور الخير ، وقفزات واسعة ، ونشاطاً ظاهراً للمرأة المسلمة ، التي وقفت جنباً إلى جنب تشارك الرجل في جميع المراحل ... والميادين . فقد ابتليت بما ابتلى به المسلمون من التعذيب والاضطهاد والأذى من قريش وطواغيتها . أجل لقد جاهدت وضحت بكل غالٍ ورخيص في سبيل عقيدتها ثابتة على إيمانها . هاجرت إلى الحبشة فراراً بدينها مع من هاجر من المسلمين . نعم هاجرت المرأة الهجرتين . وصلت إلى القبلتين ، وثبتت على إيمانها حين دعا داعي الحق . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) سيرة ابن هشام ج ـ 1 ـ ص 340 ـ والكامل في التاريخ لابن الاثير ج ـ 2 ص 46 . المصدر : كتاب / المرأة في ظل الإسلام / مريم نور الدين فضل الله