كتبه/ علاء بكر.
الحمد لله، والصلاة و السلام على رسول الله، وبعد،
نشأ الشيخ محمد بن عبد الوهاب وتربى في نجد, وقد كان أبوه من علماء نجد, وتولى قضاء بلدتي : العيينة ثم حريملاء, وكذلك كان جده سليمان بن على, إذ انتهت إليه الفتيا في نجد في عصره, أما عمه إبراهيم بن سليمان فكان أيضا عالماً قديراً.
وفى هذه البيئة العلمية بدأ الشيخ حياته العلمية, ولما كان المذهب الحنبلي هو السائد في نجد وقتها, فقد اطلع الشيخ على مؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم, وهما من أبرز علماء الحنابلة, وقد تأثر الشيخ كثيراً بمؤلفاتهما، وقد تبين له وعاين بنفسه ما وصلت إليه بلدان نجد وما حولها من الخرافات والبدع والشركيات والانقسام والتنازع والصراعات.
حالة نجد الدينية:
ولد الشيخ محمد بن عبد الوهاب في أوائل القرن الثاني عشر الهجري ( 1115م -1703م ), وكانت بلاد نجد قد انتشرت فيها صور عديدة من الشركيات, فالكثير من العبادات تصرف لغير الله -تعالى-, وتتعلق قلوب العوام بالقبور والأشجار والأحجار, يرجون منها جلب النفع ودفع الضر, فهذا قبر منسوب لزيد بن الخطاب في ( الجبيلة ). وهذا قبر ( ضرار بن الأزور ) في شعيب (غبيراء). و قبر آخر لأحد الصحابة -رضي الله عنهم- في ( قريوه ) بالدرعية. وفى بلدة ( المنفوحة ) يعتقد الناس في فحل النخل. تؤمه العوانس لتتزوج, فتقصده العانس، وتقول: ( يا فحل الفحول أريد زوجاً قبل الحول ), وكذلك كانوا يفعلون في بليدة الفدا حيث يكثر النخل المعروف بـ ( القحال ), وينتاب الناس شجرة ( الطرفية ) يتبركون بها, فتعلق المرأة التي ولد لها ذكر خرقة عليها حتى يسلم ولدها من الموت. أما من الأحجار: فهناك غار بنت الأمير يزعم العوام أن الله -تعالى- فلق الغار لبنت الأمير لتنجو فيها من احد الفسقة كان يطاردها, فصار الناس يتبركون بالغار يرسلون لها الهدايا وأنواع الطعام, وتبع هذا التبرك دعاء غير الله -تعالى-, و الذبح والنذر والتوسل بغير الله -تعالى-.
حالة نجد السياسية:
كانت نجد مقسمة إلى بلدان وقرى عديدة صغيرة, يحكم أهل كل منها حاكم أو أمير, وهؤلاء الحكام والأمراء في صراعات وحروب دائمة, كل منهم يتربص بالآخر, فلا تعرف البلاد السكينة أو الأمن إلا قليلاً, والناس محبوسون في بلادهم لا يبتعدون عنها خشية السلب والنهب والقتل.
ولم تكن لنجد أهمية من الناحية السياسية. فرغم بسط العثمانيون لنفوذهم على الجزيرة العربية فلم يتعرضوا لإقليم نجد, اكتفاء بالسيطرة على الحجاز والحرمين, والمنطقة الشرقية ( الإحساء )، حيث السواحل الشرقية للجزيرة العربية؛ لحمايتها من حملات البرتغاليين بعد تعرضها لغزوهم قبل وصول العثمانيين إليها.
وبالجملة:
فلقد كانت بلاد نجد في أمس الحاجة إلى من يخرجها من جهالات الشرك إلى نور التوحيد, ومن ضلالات البدع إلى الهدى القويم, وينتشلها من غياهب الفرقة والانقسام؛ ليجعل منها أمة واحدة لها مكانتها ووزنها.
ولقد عاين الشيخ محمد بن عبد الوهاب كل ذلك, وملأت نفسه الرغبة في الإصلاح والتغيير, والعودة بقومه إلى الإسلام النقي والتوحيد الخالص, والتجمع حول راية الحق.
ولكن هل تكفي هذه العزيمة القوية، وهذا الإصرار الشديد من شاب في مقتبل العمر لإحداث هذا التغيير؟ وكيف؟
والجواب في مطالعة حياة هذا المصلح العظيم، وجهوده ودعوته التي ما زالت آثارها في نجد وما حولها إلى اليوم.
والحمد لله رب العالمين