حققت مؤشرات أداء غالبية الأسواق الخليجية والعربية خلال العام الماضي إنجازات قياسية لم تشهدها منذ تأسيسها، سواء على صعيد حجم التداول، أو نسبة النمو في القيمة السوقية لأسهم الشركات، أو عدد الأسهم المتداولة، أو عدد الصفقات، أو نسبة النمو في مؤشر الأسعار الذي يعكس متوسط العائد الاستثماري للأسواق. فمؤشر السوق السعودية، أكبر الأسواق الخليجية والعربية، ارتفع بنسبة 104 في المئة، بينما قفزت القيمة السوقية لأسهم الشركات المدرجة في السوق إلى 2.24 تريليون ريال وبلغ حجم التداول في السوق 4000 بليون ريال، وهي أرقام قياسية بكل المعايير.
الإمارات، ارتفع مؤشر السوق بنسبة 110 في المئة، والقيمة السوقية إلى 840 بليون درهم، وحجم التداول إلى 510 بلايين. وارتفع مؤشر السوق الكويتية بنسبة 78.5 في المئة، ومؤشر سوق الدوحة بنسبة 70 في المئة، ومؤشر سوق الأردن 93 في المئة، ومؤشر سوق مصر 132 في المئة، ومؤشر سوق بيروت 105 في المئة، ومؤشر سوق مسقط بنسبة 44.2 في المئة، ومؤشر سوق البحرين 23.2 في المئة. وأصبحت القيمة السوقية لأسهم الشركات المدرجة في بعض الأسواق تعادل أضعاف قيمة الناتج المحلي الإجــــــمالي لدولها، وهو مـــؤشر على الأهمية النسبية للبورصات في الاقتصاد الوطني. وأهم
التي ساهمت في هذه الإنجازات الكبيرة، الارتفاع الكــــــبير في سعر النفط خلال العام الماضي، ما انعكس على إيرادات دول الخليج، وبالتالي على نفقاتها الاستثمارية والاستهلاكية. كما أدى هذا الارتفاع إلى مضاعفة حجم السيولة المتوافرة لدى القطاع الخاص، الذي انعكس على انتعاش القطاعات الاقتصادية المختلفة، وعلى النمو الكبير في الناتج المحلي لهذه الدول. كذلك ساهم في هذه الإنجازات انخفاض سعر الفائدة على الودائع، واتساع قاعدة المضاربين والمستثمرين، وارتفاع حجم تمويلات المصارف للمستثمرين والمضاربين في الأسواق، وتدفق الاستثمارات الأجنبية، ومحدودية فرص الاستثمار البديلة، والنمو الكبير في ربحية الشركات، سواء التشغيلية منها أو من استثماراتها في أسواق الأسهم، إضافة إلى تواضع أداء أسواق المال العالمية وعودة جزء من الأموال المستثمرة في الخارج.
للإرتفاع الكبير في سعر الفائدة على الودائع في نهاية العام الماضي، مقارنة ببدايتها، وتوقعات استمرارية ارتفاعها خلال هذا العام، تأثيرات سلبية في حجم السيولة المتدفقة على هذه الأسواق نظراً للفارق الكبير الحالي بين ريع الأسهم وسعر الفائدة على الودائع في بعض الأسواق. وبالمقابل يساهم ارتفاع سعر الفائدة على الودائع في ارتفاع تكلفة تمويلات المستثمرين في الأسواق، في الوقت الذي لاحظنا تشدد بعض مصارف المنطقة خلال الربع الأخير من العام الماضي، في تقديم مزيد من التسهيلات للمضاربين في الأسواق، بعد ارتفاع الأسعار بنسبة قياسية لا تعكس بعضها البيانات المالية للشركات أو قيمة أصولها. وتعرضت
أسواق خليجية وعربية كثيرة لتصحيحات سعرية خلال شهري تشرين الثاني (نوفمبر) وكانون الأول (ديسمبر) من العام الماضي، أسهمت في خفض مستوى المخاطرة فيها. ويتوقع تراجع ربحية الشركات من استثماراتها في أسواق الأسهم خلال هذا العام، وبالتالي التوقعات بتراجع النمو في صافي أرباحها. وفيما حققت معظم الشركات المدرجة في الأسواق الخليجية والعربية خلال العام الماضي نمواً قياسياً في أرباحها الصافية، لم تشهدها منذ تأسيسها، يتوقع استمرار النمو في أرباحها التشغيلية الذي يعكس انتعاش القطاعات الاقتصادية المختلفة.
كما يتوقع استمرار تدفق الاستثمارات الأجنبية على الأسواق التي ما زالت مؤشرات تقويم أسعار الأسهم المدرجة فيها منطقية وغير مضخمة، بينما لا يتوقع المحللون ارتفاعاً ملحوظاً في سعر النفط خلال هذا العام. وكان متوسط سعر البرميل ارتفع من 36 دولاراً عام 2004 إلى 55 دولاراً عام 2005، مع قفزة سريعة الى نحو 70 دولاراً، كان له تأثير واضح في معنويات المستثمرين الخليجيين وحركة التداول في غالبية الأسواق الخليجية. كما أن الأداء المتواضع للأسواق المالية العالمية خلال العام الماضي، وخصوصاً الأسواق الأميركية، أسهم في تراجع تدفق الاستثمارات الخليجية والعربية على هذه الأسواق، فكانت حصيلة العام الماضي انخفاض مؤشر داو جونز بنسبة 6 في المئة، وارتفاع مؤشر ستاندر اند بورز بنسبة 3 في المئة، ومؤشر ناسداك 1.4 في المئة، وهو أقل مكسب سنوي للمؤشر في تاريخه البالغ 34 سنة. بينما ارتفع مؤشر «فايننشال تايمز» بنسبة 16 في المئة وحقق مؤشر نيكاي للأسهم اليابانية الممتازة أكبر ارتفاع سنوي منذ 20 عاماً بنسبة 40.2 في المئة.
وأخيراً، فإن تكرار الإنجازات القياسية التي حققتها غالبية الأسواق الخليجية والعربية خلال العام الماضي يصعب تحقيقها في ظل تفاوت تأثير العوامل التي أسهمت بتحقيق هذه الإنجازات.
مستشار بنك أبو ظبي الوطني للأوراق المالية