المملكة العربية السعودية وتنمية العالم الإسلامي
"تعتبر عملية التنمية أحـد أهم الأهداف الرئيسية التى تسعي إليها المملكة العربية السعودية حـيث توجه الحـكومة السعودية جم جهودها لرفع المستوي المعيشى لشعبها، والمحـافظة علي معدل مطرد من النمو الاقتصادى والاجتماعى الشامل والمستمر. وتعمل المملكة العربية السعودية من جهة أخري، وبحـكم مركزها الإقليمى والإسلامى والدولى المتميز، إلي مد يد العون إلي غيرها من الدول الأقل نمواً والتى لا تسعفها مواردها الذاتية علي تحـقيق معدل مناسب من الإنماء الاقتصادى والاجتماعى. وانطلاقاً من هذا الواقع تحـتل المساعدات الخارجية والدعم المادى للدول الشقيقة والصديقة مكاناً بارزاً فى السياسة الخارجية السعودية علي امتداد تاريخها الحـديث. ولقد تميزت هذه السياسة بالهدوء والكتمان وبشيء من السرية حـيث لا تعلن الحـكومة السعودية عن حـقيقة الأرقام التى تقدمها كهبات أو مساعدات للدول الأخري. وغالباً ما تفوق الأرقام المدرجة تحـت هذا النوع الأرقام التى تساهم بها فى بنوك التنمية والقروض الرسمية والمعلنة. وقد أشارت بعض المصادر ربما بقدر كبير من المبالغة إلي هذا الموقف للسعودية بقولها: إن المعلومات الخاصة بالمساعدات السعودية للدول الخارجية ترقي إلي مرتبة أعلي الأسرار العسكرية بالنسبة للولايات المتحـدة الأمريكية".
تصدرت هذه الكلمات مقدمة الكتاب الذى ألفه الدكتور عبدالعزيز حـسين الصويغ، عضو مجلس الشوري السعودى، والذى حـمل عنوان "المملكة العربية السعودية وتنمية العالم الإسلامى" وقامت بطباعته أوراق للنشر والبحـوث والإعلان. وجاء الكتاب فى حـوالى 125 صفحـة من القطع المتوسط.
واشتمل الكتاب علي ستة فصول كان الأول بعنوان "المساعدات الخارجية فى سياسة التضامن الإسلامى السعودى"، وكان الفصل الثانى بعنوان "دوافع وأهداف المساعدات الخارجية السعودية"، وكان الفصل الثالث بعنوان "المساعدات السعودية فى إطار منظمة المؤتمر الإسلامى"، وكان عنوان الفصل الرابع "المساعدات السعودية فى إطار البنك الإسلامى للتنمية، أما الفصل الخامس فكان بعنوان "الدور السعودى فى إطار رابطة العالم الإسلامى". وكان الفصل السادس بعنوان "المساعدات السعودية فى إطار الصندوق السعودى للتنمية".
وقال المؤلف فى مقدمته؛ تضع المملكة العربية السعودية فى مقدمة أولويات سياستها الإنمائية أمرين هامين؛ الأول هو استخدام عائداتها البترولية علي أفضل وجه ممكن لرفع مستوي مواطنيها فى جميع أنحـاء البلاد الشاسعة وذلك بتوفير إمكانيات التعليم والإنتاج والخدمات بحـيث تشمل جميع فئات مواطنيها فى أقرب وقت ممكن. وفى هذا النطاق نفذت المملكة العربية السعودية خمس خطط إنمائية متتالية، حـققت كل خطة كامل أهدافها المتوخاة وشملت مرافق التجهيزات الأساسية وتنمية القطاعات الصناعية والزراعية وقطاع الخدمات وأجهزة التنمية الاجتماعية والتعليمية والصحـية. وبلغت النفقات المالية لتنفيذ هذه الخطط أكثر من 2704 مليارات ريال، أى ما يعادل 751 مليار دولار. أما الأمر الثانى فهو تقديم العون والمساعدة بشتي صورها للدول النامية، وعلي رأسها الدول الإسلامية، بصفة عامة، والدول العربية، بصفة خاصة، حـتي أن انشغالها بالتنمية فى الداخل لم يؤثر علي واجبها فى هذا المضمار. ومن يراجع ما قامت به المملكة العربية السعودية نحـو أشقائها فى العالمين العربى والإسلامى يجد أنه لم تقم بمثله أى دولة أخري فى عالمنا المعاصر نحـو الدول التى تجاورها أو تجمعها بها صلات وثيقة فى أى جزء من أجزاء العالم. وأشار المؤلف إلي أنه لكى نبين مدي الإلتزام الذى أخذته المملكة العربية السعودية علي نفسها فى دعم ومساعدة أشقائها فإنه من المناسب استعراض الحـقائق التالية:
\ أولاً: منذ أن استكملت المملكة العربية السعودية استغلال ثروتها البترولية وحـتي الآن وهى تقدم ما تستطيعه من دعم مادى للدول النامية وفى مقدمتها الدول العربية والإسلامية التى حـصلت علي النصيب الأكبر مما قدمته المملكة العربية السعودية، فقد قدمت مساعدات غير مستردة وقروض ميسرة للدول النامية بلغت قيمتها الإجمالية حـتي عام 1990م 045،311 مليون ريال أى ما يعادل "870،88 مليون دولار".
\ ثانياً: بالإضافة إلي ذلك ساهمت المملكة العربية السعودية مع حـكومات الدول العربية فى إنشاء عشرين شركة تعمل جميعها فى الدول العربية. وقد بلغ مجموع ما ساهمت به المملكة العربية السعودية فى رأسمال هذه الشركات 954 مليون دولار أى أن متوسط نسبة مساهمتها فى الشركات بلغ 18% وبذلك فإنها تعتبر أكبر مساهم فى هذه الشركات.
\ ثالثاً: ساهمت المملكة العربية السعودية بمبلغ 985 مليون دولار كحـصة فى موارد خمس مؤسسات إنمائية عربية مشتركة. وقد بلغ متوسط نسبة مساهمتها فى هذه المؤسسات الإنمائية 22% وهى بذلك تكون أيضاً أكبر مساهم فى تلك المؤسسات.
\ رابعاً: هناك سبع مؤسسات إنمائية أخري أقيمت لخدمة التنمية فى الدول العربية ودول إسلامية أخري أو غيرها. وقد ساهمت المملكة العربية السعودية بما مجموعه 322،4 مليار دولار من مواردها.
\ خامساً: قدمت المملكة العربية السعودية لصندوق النقد الدولى خلال السنوات العشر من 1980-1990م عدة قروض نقدية متتالية بلغ إجماليها التراكمى خلال تلك السنوات ما مجموعه 15 مليار دولار. وقد ساهمت هذه القروض فى تمكين الصندوق فى ذلك الوقت علي توسعة نشاطه الإقراضى لعدد من الدول النامية.
\ سادساً: لقد اتبعت المملكة العربية السعودية طوال السنوات الماضية ولا تزال سياسة مرنة فى دخول العاملين من دول العالم للعمل فى المملكة العربية السعودية وقد أتاحـت هذه السياسة فرصاً لملايين العمال والفنيين فى الدول النامية وخصوصاً الدول العربية والإسلامية للعمل فى المملكة العربية السعودية بأجور أعلي من الأجور السائدة فى بلدانهم. ويقدر المعدل السنوى للتحـويلات المالية لهؤلاء العمال إلي بلادهم، التى لا تفرض الحـكومة السعودية أى قيود أو رسوم عليها، خلال السنوات الخمسة عشر الماضية بأحـد عشر ألف مليون دولار سنوياً. وقد شكلت هذه التحـويلات مصادر ملموسة للدخل القومى للبلدان التى يتبعها هؤلاء العمال. كما ساهمت هذه التحـويلات فى سد جزء غير قليل من حـاجة تلك الدول إلي العملات الحـرة.
\ سابعاً: تقوم المملكة العربية السعودية بدور واسع فى دعم المؤسسات الإسلامية فى جميع الدول الإسلامية والدول الأخري التى تعيش بها أقليات إسلامية وتقدم لها المساعدات للقيام بواجباتها كما أنها أقامت مرافق ضخمة وتقدم خدمات واسعة دون مقابل لملايين المسلمين الذين يفدون للمملكة العربية السعودية من جميع أنحـاء العالم لأداء فريضة الحـج أو للزيارة بما فى ذلك الرعاية الصحـية وصيانة وتشغيل مرافق الخدمات.
\ ثامناً: تضمن التقرير الذى أصدرته منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية فى عام 1988م بعنوان "التعاون الإنمائى"، أن المملكة العربية السعودية احـتلت المركز الثانى فى العالم الإسلامى من حـيث الحـجم المطلق للمساعدات خلال معظم سنوات الفترة من عام 1973م إلي 1987م. أما ضمن مجموعة الأوبك فقد احـتلت المملكة العربية السعودية المركز الأول حـيث مثلت المساعدات السعودية خلال الفترة من 1980م إلي 1987م نحـو 69% من إجمالى ما قدمته الأوبك مجتمعة. أما من حـيث نسبة ما تقدمه المملكة العربية السعودية إلي إجمالى الناتج القومى، فإنها تمثل المركز الأول بين دول العالم حـيث بلغت نسبة ما قدمته المملكة العربية السعودية من مساعدات خلال الفترة من 1973م إلي 1981م نحـو 7،7% من إجمالى الناتج القومى. أما فى عام 1988م فقد بلغت النسبة 7،2% من إجمالى الناتج القومى. وهذه النسبة تبلغ أكثر من سبعة أضعاف متوسطها لدي الدول الصناعية لعام 1988م التى بلغت 36،0% من إجمالى ناتجها القومى.
\ تاسعاً: تضمن التقرير الذى صدر عن البنك الدولى للإنشاء والتعمير لعام 1988م بعنوان "مراجعة برنامج العون الوطنى للمملكة العربية السعودية" أن نسبة المساعدات الإنمائية للمملكة العربية السعودية إلي الناتج الإجمالى تعد من أعلي النسب فى العالم وأن المملكة العربية السعودية حـافظت علي برامج العون لديها بمستوي مرتفع علي الرغم من انخفاض عوائدها البترولية، بل إن نسبة المساعدات الإنمائية الرسمية السعودية إلي دخلها البتـرولى ارتفـعت مـن 10% فى الفترة من 1983-1985م إلي 15% فى الفترة من 1986-1987م. كما تضمن تقرير البنك الدولى المشار إليه أن من بين سمات برنامج العون السعودى كون هذه المساعدات غير مشروطة وتتصف بسرعة الصرف والسيولة العالية.
واختتم المؤلف مقدمته قائلاً؛ ومن هذا المنطلق تضطلع المملكة العربية السعودية ومنذ سنوات عديدة بدور متميز فى مجال تقديم الدعم الخارجى للدول العربية والإسلامية.