لا زلنا مع تلخيص كتاب Copy This في الفصل العاشر وعنوانه: الإخفاق للأمام
لا يؤمن بول بشيء اسمه الفشل، فعندما تخفق أو تفشل فهذا معناه 1- أنك لا تخشى المخاطرة وتأخذ زمام المبادرة، 2- تعلمت شيئا جديدا عن نفسك وعن العالم الذي تعيش فيه، 3- وأن هناك فرصة أخرى، على الأغلب أفضل، في مكان آخر. يشارك بول والديه الرأي، وهما كانا يعيدان على مسامعه هذه المقولة: السبب الأكبر لفشلك هو نجاحك السابق، والذي يصعد إلى رأسك فيفسد حكمها المتزن على الأمور، ويصيبك بالغرور.
كل تجربة فاشلة تحمل في طياتها بذور فرصة جديدة، وتنتج عنصرا هاما في عالم التجارة، اسمه المعلومات. هذه المعلومات تصبح ذات قيمة لا تقدر، لأنها ستوفر عليك الكثير في المستقبل. بدأت كينكوز على يد شباب صغير السن قليلي الخبرة، تجنبوا مخاطر الإفلاس عبر تغيير طبيعة تجارتهم كلما ظهرت الحاجة لذلك، عملوا في مجال بيع القرطاسية والأدوات المكتبية، ثم خرجوا منها للتركيز على ما يحتاجه طلبة المدارس والجامعات، ثم خرجوا منه إلى مجال الأعمال، حتى باعوا التجارة كلها واستثمروا في مجالات أخرى.
وفرت كينكوز بيئة عمل تسمح بحدوث التجارب، ولم تعاقب على النتائج غير المرغوبة نتيجة هذه التجارب، فرؤية الإدارة أنه بدون أخطاء لن يتعلم فرد أي شيء، فخلقوا بذلك ثقافة المخاطرة والتجربة بشجاعة. حين افتتح بول فرعه الثاني في عام 1973، اتصل به محاسبه منتحبا باكيا مهددا بخراب تجارة بول، إذ نقص الوفر النقدي، فما كان من بول إلا أن باع قاربه، وعمد والده للاقتراض مرة أخرى ليساعد ابنه، ثم جاءت الطامة الكبرى، النزاع القانوني مع زيروكس.
لم يكن توقيت هذه القضية ليكون أسوأ من هذا، فعملاق ماكينات التصوير أراد تعويضا قدره مائة ألف دولار، وكان التدفق النقدي يسير إلى خارج الشركة الناشئة، وكانت التوقعات كلها تنذر بعواقب وخيمة. رفضت المحكمة النظر في القضية وصرفتها، ومرت العاصفة بسلام، لكن بعد أن نبهت العيون إلى أن هناك شركات بديلة عن زيروكس، وأن العيش بدون ماكينات زيروكس أمر قابل للتحقق. لقد كانت الظروف غير المواتية هبة السماء لتوفير النفقات وتقوية سواعد الشركة الناشئة.
ذكرنا كثيرا أن بول تعلم أن يثق في الناس، لكن هذه الثقة كثيرا ما كانت وبالا عليه، فكثيرا ما خرج من كينكوز عاملون سابقون ليفتتحوا محلات تقدم ذات ما قدمته كينكوز، تدار بذات الطريقة وعلى ذات النهج. كذلك فشلت العديد من الشراكات مع أصدقاء وأقارب بول، لكنه تعلم أن الطريق إلى النجاح مليء بالسقطات والإخفاقات.
تميز بول بأنه يعرف أن النجاح لا يعني أن عليك أن تكون كاملا بلا أخطاء، ولذا كان حين تسوء الأمور، مع شريك أو محل، كان يتخلص من مسببات الصداع، تلك التي تمنعه عن التقدم للأمام. على أن بول تعلم كذلك أن أفضل شيء يفعله مع رحيل الشركاء والعاملين لتأسيس كيانات منافسة، هو ترك الأمر برمته وعدم الالتفات له، والاستمرار في طريقه.
تقبل الفشل والإخفاق والخيانة وخيبة الأمل، والإصرار على المضي قدما، هو من أهم الدروس التي نخرج بها من الفشل والإخفاقات، إذ يتوجب علينا أن نحارب تحكم الفشل في حياتنا، وأن نكون نحن المتحكمين فيها. أهم دروس الفشل هي ألا نطيل البكاء على ما ضاع، فهذا يشغلنا عن التركيز على المهم من الأهداف، وبالتالي يؤخر مقدم نجاحنا.
في كل مصيبة جلل نعمة خفية
كانت الأيام الذهبية لفروع كينكوز، تلك التي كانت توفر فيها أوراق البحث العلمي المطلوب قرائتها من الطلبة، حيث كان النظام التعليمي الأمريكي يجعل من الأستاذ يطلب من الطلبة قراءة صفحات بعينها من كتب ومراجع علمية، ولذا كان الطلبة يزاحمون على الكتب في مكتبات الجامعة، وكان بعض الخبثاء يقطع هذه الصفحات من الكتب.
لمعت الفكرة في عين بول، فهو وجد أن تصوير هذه الصفحات من مختلف الكتب، وتوفيرها في حزم ورقية جاهزة للطلاب، ستوفر كثيرا من وقت الطلاب، وتساعد نسبة كبيرة منهم على التركيز على المذاكرة. كعادته، طبع بول أوراقا دعائية، وضعها في صناديق بريد أساتذة الجامعة، الذين أعجبتهم الفكرة، وأرسلوا طلبتهم إلى محلات كينكوز. في أشد الأيام ازدحاما، كانت بعض الفروع تحقق مبيعات يومية قدرها 80 ألف دولار فقط من بيع هذه الحزم الورقية.
لكن لم تمض الأيام وردية، إذ سرعان ما شكل ناشرو هذه الكتب اتحادا رفع قضية تعدي على الملكية الفكرية في مدينة نيويورك، معقل شركات الطباعة والنشر. حين قامت كينكوز لتقاوم هذه القضية، رفضت مكاتب المحاماة المرموقة الترافع عن كينكوز بسبب تعارض المصالح، إذ كانت هذه المكاتب الكبيرة تمثل شركات النشر في مجال أو آخر. هذا الأمر ترك بول مضطرا لاختيار مكتب محاماة متواضع، لم يعرف كيف يدافع عن حق كينكوز، وعن حق الطلبة الأمريكيين في تيسير العملية التعليمية عليهم. في النهاية، خسرت كينكوز القضية، وأجبرت على دفع 3.5 مليون دولار أمريكي كتعويض، بالإضافة إلى أتعاب فريق المحامين المنافس.
كانت الضربة موجعة ومؤلمة، لكن بول حاول تصحيح الأمر، فأنشأ قسما يتولى تدقيق حقوق الملكية الفكرية، كما بدأ يستعين بشركات ومؤلفين نشر لا يمانعون من قيام كينكوز بنسخ أعمالهم. على أن هذه الخطوة الإضافية كانت تستغرق أسابيع وشهورا، فشركات النشر لا تحب أبدا من ينسخ أعمالها. في النهاية، وجد بول أن الاستمرار في هذه النوعية من الخدمات أصبح غير مجدي، وأن أوان الانسحاب من هذا المجال قد جاء.
هذه القضية وهذا التعويض المؤلم، جعل كينكوز تبدأ في النظر إلى مصادر دخل أخرى، كان ضغط بيع هذه الحزم الدراسية يشغل الجميع عنها، أهم هذه المصادر كان اهتمام الشركات التجارية بما لدى كينكوز من خدمات، كما أن التطور التقني وفر آلات جديدة، فتحت آفاقا جديدة. لقد كشفت أبواب جديدة عن نفسها، بعدما أغلق باب واسع.
هذا التحول جعل كينكوز تركز على التوسع خارج الولايات المتحدة، فعينت خبراء توسع، أخذوا كينكوز إلى الإمارات العربية المتحدة وكندا وأستراليا، وإلى انجلترا في شراكة مع ريتشارد برانسن (صاحب محلات فيرجن، والذي يعاني من ذات مرض بول!). لقد كانت القضية بمثابة حفلة تخرج كينكوز من نطاق العمل الجامعي، إلى العالم الخارجي التجاري الاحترافي.
يتساءل بول، هل كانت كينكوز لتكبر وتتوسع بهذا الحجم، بدون هذه المشاكل والمعضلات الضخمة التي واجهتها؟ إنه لا يظن ذلك.