الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، أما بعد :
فإن للحج حكمٌ وأسرار ينبغي للحاج أن يحققها ، وأن يستشعرها في حجه ، ومنها:
1 ـ تحقيق التوحيد والتعلق بالله سبحانه يظهر ذلك في التلبية والتي يعلن فيها الحاج استجابته لأمر الله ، ونفي الشريك عن الله ، ثم إثبات استحقاقه سبحانه للثناء والاعتراف له بالنعمة ، ويظهر أيضاً في أعمال المناسك المختلفة فهي إنما شرعت لإقامة ذكر الله (ذكره بالقلب واللسان والجوارح) يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: إنما شرع الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله عز وجل. ومن حكم الرمي أيضاً ما ورد عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ حيث قال: " الشيطان ترجمون وملة أبيكم إبراهيم تتبعون". وفي السعي أيضاً تذكير للمسلم بحاجته لخالقه وأنّ من كان مع الله كان الله معه ، يذكّره بذلك قصة هاجر حيث يتركها ابراهيم ( عليه السلام ) بأمر الله في وادٍ لا زاد فيه ولا ماء ، فتقول له: لمن تتركنا يا إبراهيم ؟ فيقول: لله ، فتجيبه بقولها: إذاً لا يضيعنا ، وهكذا كان ، فحينما نفذ ما معها من ماء وزاد وهي ترى ابنها إسماعيل (عليه السلام) يتلظى أمامها من الجوع والعطش صعدت على الصفا لتنظر هل تجد من يساعدها ، ثم صعدت على المروة ، فعلت ذلك سبع مرات ، فلما يئست من البشر تماماً ولم يبق لها إلا اللجوء لخالق البشر جاءها الفرج مباشرة ، فالسعي بين الصفا والمروة يذكر المسلم بهذه الحادثة فيزداد يقيناً بأن الله مع المتقين ، فيتوكل عليه وحده كما يفعل الصالحون ، فها هو إمام المتقين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ونبي الله موسى (عليه السلام) يثقون بالله ويتوكلون عليه في أحلك الظروف كما حكى الله ذلك عنهم في كتابه العزيز ( إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا ) ( قال كلاً إن معي ربي سيهدين).
2 ـ ومن حِكَم الحج : مخالفة هدي الكفار والمشركين ، وهذا أمر مطلوب ، بل إن إغاظتهم مما يثاب عليه المسلم ، لأنهم أعداء الله وأعداء دينه ( ولا يطئوون موطئاً يغيظ الكفار ولا ينالون من عدوٍ نيلاً إلا كتب لهم به عمل صالح ) ومن صور مخالفة هدي المشركين في الحج أنهم كانوا يدفعون من عرفة قبل الغروب ، ومن مزدلفة بعد طلوع الشمس ويقولون ( أشرق ثبير كيما نغير) فخالفهم الإسلام في كل ذلك ، وكان لهم موقفٌ يتفاخرون فيه بآبائهم فأمر الله المسلمين باستبدال ذلك بالإكثار من ذكر الله تعالى.
3 ـ ومن حِكَم الحج وأسراره: أهمية الأخلاق ، وارتباطها بالعبادة يقول تعالى: ( فمن فرض فيهنّ الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج). فالمسلم مأمورٌ بأداء حقوق الله وحقوق الناس ، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : " اتق الله حيثما كنت ، وأتبع السيئة الحسنة تمحها ، وخالق الناس بخلق حسن".
4 ـ وحِكَم الحج كثيرة ومنها: المساواة بين المسلمين يظهر ذلك في تساوي الحجاج في أعمال الحج وفي مظهرهم ، ويبدو أيضاً في أمر الله لقريش بمساواة الناس في الوقوف بعرفة وقد كانوا قبل الإسلام يقولون : نحن أهل الحرم فلا نخرج منه إلى الحل ، ومن الحكم: التقلّل من الدنيا وعدم الانغماس في الملذات ، ومنها: التذكر باجتماع الحجاج اجتماع الناس يوم القيامة ، ومنها: تعارف المسلمين وتلاقيهم ، ومنها: استشعار المسلم لأهمية الوقت فللوقوف بعرفة وقتٌ لا يصح في غيره وهكذا بمزدلفة ومنى الخ.
ثم إن المسلم لا يُعجب بعمله فبعد أدائه لهذه الفريضة وكل فريضة يستغفر الله لما لعله قد حدث منه من تقصير ( ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم ).
وبقدر ما تظهر على المسلم بعد أدائه للحج آثار هذه الحِكَم ، وبقدر صلاح أمره ، واتباعه لرسول الله صلى الله عليه وسلم بقدر ما يكون حجه مبروراً.
وصلى الله على نبينا محمدٍ ، وعلى آله ، وصحبه ، وسلم
المصدر شبكة الفوائد