شبكة النبأ: مصر أم الدنيا وبلد الامن والامان، هكذا يقولون عنها ولكن الان هل فقدت بناتها الشعور بالأمن والامان؟ هل اصبحن يخشين على انفسهن من أهلهنّ؟!, الوقائع والاحداث اليومية تشير الى عدم الاستغراب من هذا الكلام حيث ان ما تتعرض له الفتيات والنساء المصريات من التحرّش كل يوم يخلّف وراءه جروحا وآلام نفسية وردود فعل بالغة القسوة...
فنسبة التحرش الجنسي بمصر سواء بالقول او الفعل فاقت كل الحدود، ورغم ما يوصف به الشباب المصري من الشهامة والكرامة يتفاجأ المجتمع كل يوم بأناس يتركون كرامتهم ويلهثون خلف الشهوة واللذة والمتعة..
واليكم بهذه الدراسة التي تقول بأن (نسبة 40% من النساء المصريات يتعرضن للتحرش يوميا (باللمس) يليهم 30% (بالقول) من خلال كلمات بذيئة مهينة جارحة)..
وما هو محزن اكثر ان نسبة 2% فقط من النساء يقُمنَ بالدفاع عن انفسهن او اللجوء الى السلطات كما أشارت الدراسة، فهل يعود ذلك لضعف المرأة المصرية وسطوة عالم الرجال على المجتمع ام خوفها من نظرات المحيطين بها والخشية من إلقاء اللوم عليها وعلى مظهرها والإدعاء بأنها هى من تدفع الرجال للقيام بالتحرش او الاعتداء..
المفارقة الكبرى هي ان السلطات الحكومية تكرس كل وجودها وامكاناتها لحراسة الاماكن السياحية التي يؤمّها الاجانب وتحرص كل الحرص على ان لايمسهم أي أذى فيما تترك أبناء البلد عرضة للتحرش او الاعتداء في الاماكن العامة والمواصلات والطرقات! وتهتم كذلك بنظافة الاماكن والمباني الحكومية والسياحية التي يرتادها المسؤولين والزوار الاجانب وتهمل باقي انحاء المدن وخاصة الاطراف والمناطق الشعبية...
هل تخلّى الرجل المصري عن شهامته واحترامه لنفسه وللاخرين؟ هل كان الواقع أكبر منه؟ هل الضغط العصبي وضغوط الحياة اقوى من الفرعوني العريق صاحب الامجاد؟ ام كانت مجرد شعارات.. ومَن المسؤل عن الأذى النفسي الكبير الذي تتعرض له الانثى المصرية كل يوم بسبب التحرش او الاعتداء؟
مِن اجل التعرّف أكثر على هذه الحالة التي اصبحت مرض اجتماعي خطير يهدد بنسف القيم الاجتماعية والاخلاق الانسانية والتعاليم الدينية، وبغية القاء الضوء على أسبابها عن كثب كان لنا التحقيق التالي.
تقول نورة عبد العاطي، 20 سنة، طالبة جامعية: رغم انني فتاة محجبة ومتوسطة الجمال ولا اخرج إلا للدراسة، لا أبالغ بالقول بأنني لا استطيع السير في الشارع لوحدي حيث سأتعرض حتماً للمضايقات او التحرش وعادة مايسبب لي ذلك رعباً شديداً فنحن نسمع في كل يوم عن اعتداءات جنسية تقع على الفتيات والنساء في البلد..
واضافت نورة، اتحمَّل نفقات كبيرة في مسالة اجور النقل لأنني اتجنب المواصلات العامة لشدة الازدحام فيها وكثرة حوادث الاعتداء والتحرش التي تتخللها، واصبحتُ وزميلاتي لانستطيع الخروج أو التنزه..صرنا نخشى كل شيء وكل مكان ونرتجف رعباً عند سماعنا عن حالة اغتصاب او تحرّش..تقيضَتْ حريتنا بكل المقاييس، اصبح لا صوت لنا ولا كلمة في مجتمعنا ولا أحد يبالي...
وعندما استفسرتُ من نورة عن الفئة العمرية التي تقوم بتلك التحرشات والمضايقات قالت، جميع الأعمار وخاصة الشباب من 18 الى 25 سنة والذين تبدو عليهم علامات الجهل والفقر والتخلف وتدني المستوى الاجتماعي، اما المخيف فمَنْ هم فوق 40 و50 عاماً فأصبحنا فى اعينهم جميعنا بنات بغاء لا اكثر وينسو ان من منا قد يكون ابنته وزوجته
اما محمد الجمل، 25سنة، موظف استقبال، فقال مبيناً بعض الاسباب التي تؤدي بالشباب الى طريق الإنحلال الاخلاقي: انا اعمل منذ 6 شهور فقط وقبل ان أستقر بهذا العمل كنت اتنقل من مكان لمكان وأجلس بالشهور الطويلة لا عمل لدي وهذه الحالة هي اكبر شاهد على شعور الشاب بالفراغ القاتل وانعدام قيمة الوقت فضلا عن الملل والعوز الذي ينتج فيما ينتجه الكثير من العادات السيئة..
واضاف محمد، ارى ان المعاكسات والمطاردات للبنات هي رد فعل طبيعي للفراغ والبطالة التي يعاني منها الشباب المصري عموما.. ظنّاً منهم انهم سيحصلون على المتعة، ولكني اؤكد لك ان لسان حالهم الحقيقي يقول أعطني عمل يحبس انفاسي ويجهدني وعندها سأقوم حتما بالبحث عن الاستقرار وعن الوقت الذي أقضيه مع اسرتي وعائلتي، ولن يتواجد الفكر والوقت للأمور التافهة...
نور الدين احمد، 37 سنة، صاحب عمل خاص، تعرّضَ الى الموضوع من جانب اخر مبيناً بأن قصور السياسات الحكومية في معالجة مشكلة التحرش والاعتداء الجنسي جعل من هذه الظاهرة تتمادى وتكبر أكثر فأكثر وقال، هذا وضع طبيعي عندما تغيب الشرطة عن المجتمع وتبقى متفرغة لسياسة الاعتقالات العشوائية دون تركيز على مشاكل المجتمع وحمايته من أمثال الشباب الذى أصيب بسعار جنسي، على حد قوله.
واضاف نور الدين، عندما يجد الشاب المنفلت ان لا أحد يقيده او يمنعه او على الاقل يراقب تصرفاته فأنه بالتاكيد سيفعل مايشاء ولن يستحي من اي فعل. وأشار نور بقول خارج عن المألوف، لانستبعد ان الحكومة هى من تعزز حالات الجنس المنفلت بين افراد الشعب كي ينصرفوا عن الاوضاع السياسية فى البلاد....
دنيا فادى، 25سنة، ربة منزل ألقت باللائمة على رافد آخر من روافد التحلل الاجتماعي والاخلاقي وهو بعض القنوات الفضائية فقالت، يبدو أن بعض قنوات التلفزيون و(الفضائحيات) بدأت تنتج ثمار ما زرعته من قضايا الاباحية والاساءة للآداب العامة من خلال برامجها التافهة التي لا تراعي حرمة المجتمعات الاسلامية. واضافت دنيا، يبدو أنه بداية عصر الانحطاط فقد يكون هذا سبب رئيسى فى تفاقم ظاهرة التحرش عندنا حيث لم تكن بهذا الحجم من الدمار والاذى قبل سنوات قليلة...
نور الدين محمود، 27 سنة، موظف، تحدثَ من جانب آخر متناولاً القصور في الوعي الديني كسبب لتفشي ظاهرة التحرش فقال، لقد تفشّت ظاهرة الاعتداء على النساء والاطفال القصّر من الناحية الجنسية وذلك بسبب البعد عن تحكيم شرع الله على البشر ودخول القوانين الوضعية والتي في بعض الاحيان تكون ضعيفة وليس لها حكم رادع.
وتابع نور، لو كانت الحكومات الاسلامية بعيدة عن المحسوبية والامتيازات الخاصة التي تقدمها للبعض، وشديدة ورادعة بقرارتها لمثل هذه الحالات التي تعصف بالمجتع لما بقيت فرصة لضعاف النفوس بأن يتجرأوا على الاعتداء على اعراض الناس من مجتمعهم التي هي بالتالي أعراضهم...
آراء مغايِرة
منال محمد الجمل، 45 سنة، مدرّسة، كان لها رأي مغاير تماما للطروحات السابقة وأدعت ان هذه الضوضاء حول الموضوع انما هي مجرد اشاعات وتضخيم للامور فقالت، يستحيل ان يحدث هذا الامر بالحجم الموصوف لأن في مصر "ولاد البلد الجدعان".. "هذه مجرد اشاعات" لكي تؤثر بالسلب على السياحة فى مصر وتؤثر بالسلب على الدخل القومى حيث تعد السياحة هى الاساس فى الاقتصاد المصري.
وأصرَّت منال على رأيها بالقول، المروءة المصرية ما زالت تجري فى عروق رجالها.. كفى اتهامات باطلة وادعاءات لا اساس لها من الصحة... لكن منال لم تبيّن ما مصلحة المواطنين الكُثر الذين وصفوا القضية بالكارثة بأن يبثون الاشاعات للتأثير على اقتصادهم هم!.
طارق محمود، 47 سنة، صاحب شركة استيراد وتصدير، تفاخرَ بإنجازات البلد والحكومة منكراً وجود مشكلة او حتى ظاهرة أسمها التحرش الجنسي فقال، لا افهم عن ماذا تتحدثين هذه بلد الامن والامان.. هذه بلد الانجازات والثورات.. هذه بلد الرجال. ولم يبيّن طارق علاقة الثورات والانجازات بالأخلاق والقيم الاجتماعية.
واضاف طارق مستغرباً، لا أفهم ما فائدة هذا بالنسبة للصحافة... كل ما اعرفه هو الأمان والحماية من قبل الحكومة لا غير.
المجتمع المدني.. امكانيات متواضعة وجهود طموحة
اما من ناحية جهود منظمات المجتمع المدني الخاصة بحماية المرأة فقد أقام المركز المصري لحقوق المرأة حملة موسعة أطلق عليها "حملة المليون توقيع"، وذلك للمطالبة بإقرار قانون يجرّم التحرّش الجنسي في الشارع المصري، مشيراً إلى أن هذه الحملة تأتي ضمن حملة سابقة أُطلق عليها: "شارع آمن للجميع"، وذلك بعد أن تلقّى المركز عشرات الشكاوى من نساء مصريات وأجنبيات تعرّضن للتحرّش..
فضلا عن حملات توعية اخرى مثل حملة مجلة كلمتنا "احترم نفسك" وكذلك حملة "احمي اختك" التي أسستها احدى الفتيات المصريات على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" ولقت صدا كبيراً...
الى هنا تركنا موضوعنا الذي نرجو ان لايذهب طي النسيان او التجاهُل آملين من الخيّرين، مسؤولين وأفراد ومنظمات، الانتباه لهذه القضية الاجتماعية الحساسة والعمل على وضع أسس وقوانين تضن للمرأة حقوقها وتؤمّن لها حياة آمنة حرة كريمة بعيدا عن الامراض المجتعية والعادات السيئة...