القاهرة ـ من أحمد زكريا ـ “لا يمكنني أن أكوي وأنا منتصب القامة، يجب أن أكون منحنيا وأقف على قدم واحدة، والأخرى هي التي أعمل بها، ألم ظهري يمنعني عن الحركة وعن النزول من البيت أياما كثيرة”.. هذا ما قاله عم سيد صالح، (63 عامًا)، وهو واحدٌ من قلة مازالت تعمل في مهنة “مكوجي الرجل (كوَّاء القدم، وهي مهنة يستخدم الكواء فيها قدمه لتحريك المكواة وكي الملابس)” في مصر، والتي كادت أن تختفي فى عصر التكنولوجيا الحديثة.
ربما لا يخطف بصرك هذا الحانوت (المحل)، الصغير، الذي يقع في حي عابدين وسط القاهرة، فهو لا يختلف في شكله عن الحوانيت الأخرى، لكنك ستتوقف كثيرا، عندما ترى هذا الشيخ الذي يحمل بيديه هذه القطعة الحديدية، التي تزن 30 كيلوغراما.
يروي صالح حكايته مع المهنة النادرة لوكالة الأناضول قائلاً: “لم أكن محبــًا للمدرسة، كنت دائم الهروب منها، كان عمري 12عامًا، عندما قلت لوالدي لا أريد أن أدرس، وأريد أن أتعلم مهنة”.
وأضاف: “مهنتي تكاد تكون منقرضة، ولا أحد يرغب في أن يعمل بها، اشتريت لابني مكواة حديثة، حتى يعمل معي، لكنه رفض لأن المهنة شاقة، لكن لا يوجد لدي مهنة أخرى أرتزق منها”.
ويعتبر صاحب الستة عقود أن “ندرة” مهنته تميزها، “لأن لها زبائن (عملاء)، معينين ومن شتى الطبقات الاجتماعية، والاقتصادية، منهم من يعمل وكيل وزارة، ومدير بشركة، وبينهم من يسكنون في الأحياء الراقية بالقاهرة”، ويأتون له خصيصــًا من أجل أن يقوم بكي ملابسهم بهذه المكواة العتيقة.
“زبائني هم أصدقائي وإخوتي، يأتون إلي بشنطة (حقيبة) كبيرة بها معظم ملابسهم، ثم يمرون علي في المحل بعد بضع أيام، فيجدون كل ملابسهم معدة وجاهزة”.. هكذا يصف صالح علاقته بزبائنه.
وأضاف: “لم أستطع تبديل هذه المكواة بأخرى حديثة، خوفا من فقدان زبائني، المكواة التى أعمل بها مختلفة، تزن 30 كيلوغراما، وأنا أقف عليها، فأستطيع مثلا أن أقوم بكي ملابس ثقيلة، يصعب لأي مكواة عادية حديثة كيها”.
وقال صالح: ” أنا أستطيع أن أعمل بمكواة يد حديثة، لكن المكوجية الجدد، لا يستطيعون أن يقفوا مثلي على مكواة القدم، هي مثل الشخص الأخرس (الأبكم)، لا تتحدث، وأنا أعرف كيف أتعامل معها، يمكنني أن أعرف مدى سخونتها الملائمة، وأعلم متى أتوقف عن استعمالها خوفا من حرق الملابس″.
وعن حياته الأسرية قال مكوجي القدم: “لدي 3 بنات وولد، وأعيش في شقة صغيرة بحي المطرية (شرقي القاهرة)، تعلمت المكواة في درب المهابيل بحي عابدين، وهو أحد الأحياء الشهيرة التي ورد ذكرها في روايات الأديب المصري صاحب نوبل نجيب محفوظ”.
وأضاف: “اشتغلت في محل مكواة رجل، بمقابل يومي، منذ 25 عاما، كثيرون كانوا يعملون بالمهنة بالأجر، وكل منهم يحصل على جنيه مصري واحد فى اليوم ( الدولار الآن يساوي 7 جنيهات)، في ذلك الوقت كان الجنيه له قيمته، لكني تركت المحل، وفتحت محلي هذا، والمحل الذي تعلمت فيه الحرفة تحول الآن إلى محل مكواة حديث، فصاحبه لم يجد شبابا صغيرا، كي يتعلموا منه المهنة”.
ومضى صالح قائلا: “أهل المنطقة يعرفونني جيدًا، وأحيانًا يأتي الأطفال في المنطقة، يلتقطون معي الصور، كون ما أفعله مميز ونادر، يمكننى أن أنتهي من كي قطعة الملابس في أقل من 5 دقائق، وقد تكون حصيلة عملي فى اليوم، أكثر من 120 قطعة مختلفة، وتختلف الأسعار حسب نوع القماش، ومدى سمكه، والمجهود المبذول فيه”.
سألنا صالح عن الفرن الموجود في المحل فقال: “يستخدم لتسخين المكواة،.. حداد صنعه لي”.
وبصوت خافت وحزين ختم عم سيد صالح حديثه قائلاً: “المهنة ستنقرض قريبــًا جدًا، ربما خلال 5 سنوات، متمنيــًا أن ينتهي من العمل من هذه المهنة في أقرب وقت ممكن، ويحصل على قسط من الراحة قبل الممات”.
يذكر أن الصينيين أول من ابتكروا مكواة الرجل، في القرن الرابع الميلادي ثم انتقلت الفكرة إلى أوروبا وظلت تتطور الفكرة، حتى وصلت إلى شكل المكواة الحديثة بالكهرباء، والتى ابتكرها الأمريكي هنري سيلي، عام 1882.