بتـــــاريخ : 7/21/2010 11:38:27 PM
الفــــــــئة
  • اســــــــلاميات
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1392 0


    هويّتي

    الناقل : SunSet | العمر :37 | الكاتب الأصلى : نور الجندلي | المصدر : saaid.net

    كلمات مفتاحية  :


    في يومٍ غادرتهُ الشمسُ إلى خلف السّحابِ الأسود ، هاجرتُ وأسرتي إليهم ..
    نحملُ أحزان الغربةِ ، ونخفي في حقائبنا حفنةً من ترابِ الوطن ، كي نقبّلها بصمتٍ ونبللها بدموعٍ كلّما لفّنا الحنين ..
    أتيتهم طفلةً تحملُ بسمتها النّقيّة ، كبرعمِ زهر ، أصافحهم بودّ ، وأنقشُ الفرح على وجوههم ، أعيشُ معهم بوئامٍ كأيّ فتاة غربيّة .. فأنا واحدةٌ منهم ، ولدتُ هنا في أرضهم ، فكانت لي وطناً آخر غير ذلك الوطنٌ المولود في قلبي ، ذلك الوطن الشامخ الواسع الذي أحمله معي أينما رحلتُ ، وأرمقُ خارطته بزهوٍ وأنا أهتف :
    -إنها من أجمل اللوحات التي علّقتها في غرفتي !
    كم جمعتني بهم من ذكرياتٍ على مقاعدِ الدراسة ، وكم كانَ يثني عليّ أساتذتي ويلفّني إعجابٌ لا تخفيه عيون التلاميذ ، يتحوّلُ إلى سيل أسئلةٍ لا تنتهي بعدَ الدروس ، أجيبُ عليها بكلّ حبِّ ، فقد أوصتني أمّي وقالت :
    - يا حنين لا تبخلي ، فأنت الكريمة بنتُ الكرم !
    ثمّ أستأذنُ بلطفٍ وأمضي ، غريبة أنا في شوارعِ مدينتي ، وطني هناك ، وفي دفء بيتي ،أعودُ مثقلة بصمتٍ ، ألقي التحيّة وأختفي في غرفتي ، أدفنُ وجهي في وسادتي ، وأمطرها دموعاً كلّما زارتني أشواقي العربيّة ، لمئذنةٍ في مدينتي ، لتسبيحٍ بصوتِ جدّتي ، لسربِ حمامٍ يحلّق عالياً ثمّ يعود .. وهل أعود ؟ آه .. ما أقسى غربتي !
    لم أدرك أن الأيام مضتْ سريعاً ، وأني كبرتُ فما عدت طفلة ، حتى رأيته بين يدي أمّي تمسكه بحرصٍ ثم تغطّي به شعري ، وتبكي أمي وهي تتمتم :
    - هويّتكِ هنا يا حبيبتي ، وعنوانك ، احرصي على جمالكِ لا يضيع !
    وأبكي أنا بكاء الفرح ! فقد تحققت أمنيتي بأن أرتديه ، كان حلماً يراودني ، وكم جرّبته خلسةً بعيداً عن ناظري أمّي ، وكم دعوتُ الله أن أحظى به .
    أنا الآن به ياسمينةً حقيقيّة ، أو زهرة نسرين ..
    قد أختلفُ به عن قريناتي ، ولكنهنّ سيتقبّلن ..
    خطواتي إلى المدرسة تسابقني ، ولكنّ شعور الخوفِ يعصفُ بقلبي الصغير ..
    لقد حدثَ ما لم أتوقعه ! ليتني لم آتِ اليوم إلى هنا !
    أصواتهم الحاقدة تلاحقني ..
    - حنين أنت قبيحة
    - ستتحوّلين إلى كسولة غبيّة ..
    - منظركِ مضحكٌ بهذا الشيء ، لم لا تنزعيه وننتهي من هذه القضيّة !
    دموعي ترجمت لأمّي كلّ ما وددتُ قوله .. فنظرت إليّ بعمقٍ وقالت :
    - أتحبين يا حنين أن تنزعيه ؟ لكِ ما تريدين !
    لم أكن لحظة عودتي من المدرسة أحمل كمّ المشاعر التي داهمتني عند سؤال أمّي ..
    صحيح أني قد وضعت حجابي لساعاتٍ ، لكنني حلّقت به بعيداً جداً إلى حيثُ لم أتوقع !
    شعرتُ بهِ أنني عابدة حقيقيّة ، تحملُ كلّ معانٍ للطهر والصفاء والنقاء ، وأنّه كان حارسي الذي يحميني من عيونٍ جائعة ، فيحتويني ..
    كان دفئاً غامراً يأسرني ، وهو عنواني ، عنوان المرأة المسلمة الذي أضعته منذ ولدتُ وحتى هذه اللحظة في كلّ النساء اللواتي عرفتُ ماعدا أمّي !
    لمّا ارتديتُه تعمّق الإسلامُ في داخلي ، واستشعرتٌ رضا الله تعالى عنّي ..
    فهل أترك كنزي هذا وأضعفُ أمام كلماتٍ حاقدة ..
    أمضيتُ ليلةً عصيبة في التفكير ..
    لكنني استيقظتُ نشيطة ، دخلتُ المدرسة بحجابي وابتسامتي ، أجبتُ بفرحٍ على أسئلة المتطفّلين والمتطفّلات ، وفرضتُ احترامي من جديد في هذا المكان ..
    وكان الإسلامُ ضيفاً جديداً يزور القلوب ،
    وسأعملُ حتماً كي يسكنها !

     

    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()