القاهرة: هاجم سياسيون وخبراء مصريون، النظام الحاكم واتهموه بالتقصير في إدارة الشأن الإفريقي مما أدى إلى ما وصفوه بـ "كارثة النيل"، والتي أدت إلى نشوب أزمة حادة بين دول منابع النيل السبع ودولتي المصب "مصر والسودان" ، الأمر الذي بات يشكل تهديدا كبيرا للأمن المائي المصري.
وقالوا خلال ندوة نظمتها الجمعية العلمية لمهندسي الاتصالات بالقاهرة الأربعاء الماضي إن سياسات النظام المصري أدت إلى فقدان بلادهم لمكانتها العربية والإقليمية بسبب ما وصفوها بالتصرفات غير المدروسة مع الفلسطينيين، مما أدى إلى عزلها عربياً وسحب الثقة منها إقليمياً، مشيرين إلى أن تحرك الحكومة يأتي بعد وقوع الكارثة في غياب أساليب علمية لإدارة الأزمات.
وفي كلمته أمام الندوة، قال نايل الشافعي المحاضر في معهد ماساتشوستس بالولايات المتحدة: "إن مصر لابد أن تستخدم نفس الأساليب الماكرة التي تستخدما أمريكا لخدمة مصالحها، وهي إشعال "الفتن العرقية" بين شعوب هذه الدول لإلهائها واستنزاف طاقاتها عن طريق استغلال الأقليات المسلمة في بعض هذه الدول التي يمر النهر بداخلها في تأجيج الحروب الدينية والقبلية، ثم تتدخل مصر بالوساطة، وبالتالي تفرض سيطرتها من جديد.
واضاف: "إن البادئ أظلم، وإن دول حوض النيل هي البادئة بتهديد الأمن المائي لمصر، مؤكداً أن هذه الطريقة هي كروت الضغط الحقيقية التي يجب على مصر استغلالها إذا كان لدى قيادتها الحالية جزء من الحكمة والوعي السياسي".
بدوره، حذَّرَ الدكتور محمد أسامة استشاري الموارد المائية من كون مصر في طريقها إلى مجاعة حقيقية إن لم تسيطر على الموقف الحالي وتمنع دول حوض النيل من التوقيع على الاتفاقية بأي شكل، مشدداً على ضرورة ضخ الاستثمارات المصرية بقوة في البناء الاقتصادي لهذه الدول.
وأضاف أن أزمة الماء آتية بصرف النظر عن إطارها السياسي، لافتا إلى أن هناك أسبابا جغرافية في منطقة حوض النيل، منها التصحر وقلة المياه في بعض الدول، مما حدا بهذه الدول إلى البحث عن بديل يساعدها بصرف النظر عن انتماءاته السياسية سواء كان لصالح العرب أم ضدهم.
وأشار إلى أنه خلال 28 عاما تمثلت الزيارات المصرية على المستوى الرئاسي في زيارة واحدة لكل دولة من دول حوض النيل، بالإضافة إلى 3 زيارات على مستوى الوزراء، و3 رسائل سلَّمها السفراء لقادة هذه الدول، وقال إن هذا الوجود الدبلوماسي المصري لا يليق بحجم أهمية هذه الدول للأمن المائي المصري باستثناء السودان وإثيوبيا، حيث مثلت إثيوبيا 4 زيارات رئاسية، في حين مثلت السودان 9 زيارات مع إهمال بقية الدول، وكان هذا هو السبب الرئيسي في قلة ثقة هذه الشعوب في القيادة المصرية.
وذهب الدكتور أحمد هلال أستاذ المياه بمعهد البحوث والدراسات الإفريقية المصري إلى أن الوجود الاستثماري الصيني والعربي في إفريقيا جاء على حساب الوجود المصري، مما أضرَّ بمصالح القاهرة.
واعتبر أن بعض الدول العربية لم تراع الأخوة مع مصر ولم تنسق معها في هذا الشأن، مشيرا إلى أن تقصير مصر أسفر عن طلب هذه الدول الرقابة الدولية على مياه النيل لتفعيل نظم إدارة المياه بين دول الحوض، مما نتج عنه توقيع الاتفاقية الإطارية الجديدة.
من جانبه، قال الدكتور عبدالله الأشعل مساعد وزير الخارجية الأسبق، إن الوجود الدبلوماسي المصري في إفريقيا تدهور بعد فترة حكم الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، مشيرا إلى أن عبد الناصر كان صديقاً لدول حوض النيل خاصة وإفريقيا عامة، وكان له دور بارز في مساعدة هذه الشعوب في الحصول على الاستقلال عن دول الاستعمار الأوروبي.
وأضاف: "أما الآن فإن هذه الدول لا تعرف عن مصر سوى عبدالناصر حيث تقلصت البعثات الدبلوماسية المصرية بشكل كبير، مما حدا بهذه الدول إلى البحث عن بديل، وكان البديل هو إسرائيل، مؤكداً أن الأزمة المائية الحالية ذات علاقة مزدوجة "سياسية اقتصادية"، حيث استغلت إسرائيل الضعف الاقتصادي لهذه الدول كمبرر لوجودها على الأراضي الإفريقية من خلال مشروعات استثمارية، وبالتالي كانت مياه النيل أكبر هذه الاستثمارات.
تمرد إثيوبي
وكانت اثيوبيا واوغندا ورواندا وتنزانيا، ثم كينيا، وقعت في الرابع عشر من مايو/ايار الماضي اتفاقا جديدا حول تقاسم مياه نهر النيل على الرغم من مقاطعة مصر والسودان، مما اثار غضب القاهرة التي اعلنت ان الاتفاق غير ملزم لها.
وبعد ساعات من توقيع الاتفاق، أعلنت إثيوبيا عن افتتاح أكبر سد مائي على بحيرة "تانا"، والتي تعتبر أحد أهم موارد نهر النيل، وذلك في سابقة خطيرة تؤشر إلى نية دول منابع النيل في تصعيد مواقفها ضد مصر.
ويقع سد "بليز" فى ولاية أمهرة الواقعة على بعد 500 كيلو من العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، و تكلف 500 مليون دولار، وقالت اثيوبيا أنه سيولد المزيد من الطاقة الكهرومائية باستخدام الموارد المائية لبحيرة تانا، لافتة إلى أنها المرة الأولى التى تستغل فيها إثيوبيا نهر النيل، والذى تشاركها فيه ثماني دول أفريقية.
وحذر خبراء مصريون في مجال المياه من خطورة إنشاء مثل هذه السدود علي حصة مصر من مياه النيل، واصفين إنشاءها بالسابقة الخطيرة التي ستدفع دول حوض النيل الأخري إلي أن تحذو حذو إثيوبيا وتقوم بإنشاء السدود دون الرجوع إلي مصر.
وأوضحوا أن هناك من سيخرج ويقول إن هذه السدود مخصصة فقط لتوليد الكهرباء، والرد علي هؤلاء هو أنه ليست هناك مشروعات لتوليد الكهرباء وأخري للمشروعات الزراعية، فكل السدود هي لتخزين المياه وبالتالي فإن تخزين المياه سيؤثر بالسلب في حصة مصر من مياه النيل. وأشاروا إلي أن إثيوبيا لديها خطة معلنة تستهدف إنشاء 40 سداً لتوفير ما يقرب من 7 مليارات متر مكعب سنوياً.
وأكد خبراء مصريون في شئون المياه، أن إثيوبيا كانت ولا زالت، تقود تياراً يرفض التوقيع على أي اتفاق بشأن مياه النيل، لافتين إلى أنها تستند إلى أن نحو 85% تقريباً من مياه النيل تأتي من أراضيها ولذلك فهي ترفض على الدوام التعاون والاتفاق مع مصر تحديداً وتصر على أن تحضر أية اجتماعات أو مشاورات لدول الحوض بصفة مراقب".
"مصر في خطر"
وكان خبراء مصريون في مجال المياه، أكدوا أن الدول التي وقعت علي الاتفاقية الإطارية، هي الأخطر علي حصة مصر من مياه النيل، مرجعبن ذلك إلي أن إثيوبيا تتحكم وحدها فيما يقرب من 85% من حصة مصر من مياه النيل، في حين تتحكم كل من أوغندا وتنزانيا في بحيرة فيكتوريا التي تسهم بما يقرب من 15% من حصة مصر من المياه؛ حيث تصب أغلب الفروع والمجاري في بحيرة فيكتوريا عبر كل من أوغندا وتنزانيا، أما خطورة رواندا فتأتي في أنها ترفع شعار "بيع المياه لمن يدفع أكثر".
وقالوا : "إن بوروندي والكونغو لا تتحكمان في نهر النيل، أما كينيا فهي أقل الدول تحكماً، وأوضحوا أن الضرر من توقيع هذه الاتفاقية سيقع علي مصر بشكل أساسي، مشيراً إلي أن آثاره قد تظهر بعد 50 عاماً، خاصة أن إثيوبيا تتوسع في إقامة السدود والمشروعات المائية بها، وهذ ا الأمر يعد خصماً من حصة مصر السنوية من مياه النيل".
وأشاروا الي أن التوقيع المنفرد لدول المنابع علي الاتفاقية الإطارية سيؤدي إلي تناقص حصة مصر من مياه النيل، مضيفين أنه لا يمكن التنبؤ بنسبة هذا التناقص في الوقت الحالي، لكن نقصان متر مكعب واحد من المياه ليس في صالح مصر.
"الشريف يستبعد اندلاع حرب"
كان رئيس مجلس الشورى المصري، صفوت الشريف، استبعد في وقت سابق أن تدير بلاده آلتها العسكرية تجاه دول منابع النيل على خلفية الأزمة المثارة حالياً، التي وقّع خلالها بعض تلك الدول على اتفاقية جديدة لتوزيع حصص مياه النهر بينها.
ووصف الشريف من يرددون ذلك بأنهم "يملكون قصوراً في الفهم وغباء فكرياً وسياسياً قد يكون مقصوداً"، مؤكداً أن "قضية مياه النيل ليست قضية صراع حياة أو موت، كما يحب البعض أن يصورها". وطالب الشريف وسائل الإعلام بأن ترفع يدها ولا تندفع الي ما ينشر في بعض صحف دول المنبع.
وشدد الشريف في حوار لقناة "روسيا اليوم"، على أن "مياه النيل لن تنحسر عن مصر أبداً، لأنها ليست في صراع أو عداء مع أحد"، وأن "الإرادة السياسية موجودة للتوافق مع كل دول حوض النيل التي تتمتع بعلاقات تاريخية مع مصر منذ دعمها لحركات التحرر في القارة الإفريقية".
ونقلت صحيفة "الاهرام" المصرية عان خبير الشئون الافريقية والمصرية في مؤسسة مؤسسة العلوم والسياسة الالمانية في برلين "شتيفان رول" : إن الخلاف الرئيسي هو بين مصر واثيوبيا حيث تصل لمصر85% من مياه النيل عبر النيل الازرق في الهضبة الاثيوبية, وترغب اديس ابابا منذ عام1990 في الاستفادة من هذه الميزة الجيوستراتيجية اقتصاديا في بناء سدود للتوسع في مشروعات الري وتوليد الطاقة إلا ان الخطر يكمن في ان تصبح اثيوبيا في وضع يسمح لها بالتحكم في كمية المياه التي تصل الي مصر وهو وضع سوف تعمل مصر علي منعه بأي وسيلة.