بتـــــاريخ : 5/22/2010 11:40:49 PM
الفــــــــئة
  • الأخبـــــــــــار
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1323 0


    مصر بين سكة السلامة وسكة الندامة

    الناقل : elmasry | العمر :42 | الكاتب الأصلى : د. طارق عباس | المصدر : www.almasry-alyoum.com

    كلمات مفتاحية  :
    مصر سكة السلامة سكة الندامة

    هناك دائماً فرس واحد للرهان فى مصر، ينزل وحده ميدان المعركة الانتخابية، ليس لأنه الأسرع أو الأشجع أو الأقوى أو الأضخم، وإنما لكونه نشأ وتربى وترعرع فى حظيرة الحزب الوطنى، ويتباهى أصحاب هذا الفرس بصهيله رغم عجزه عن الحركة، وإصابته بأنيميا الشك والخوف، ويصرون على أن يدفعوا به لمعارك وهمية، ظاهرها انتصارات لكنها فى واقع الأمر انكسارات، لأنها خلقت من الوهم، وبقيت فى الوهم، وروجت للوهم، ولا بطولة لمن يقف وحده فى الميدان،

    وكل معركة محسومة النتائج ليست حرباً، ولا فائدة ممن يدور حول نفسه فى دائرة مفرغة نتيجتها المؤكدة فقدان التوازن، فليس من المعقول أن ينكح الرجل نفسه، فينجب، وليس من المعقول أن ينافس الحزب الوطنى نفسه، فيشعر بطعم النجاح، أو يكلم نفسه فيصدقه الناس، فالحياة وجهان، والاختلاف بينهما هو قانون الوجود، والحياة الحقيقية فى التنافر والتجاذب، فى الاتفاق والاختلاف، فى النور والظلمة، وهو ما فشل الحزب الوطنى فى إدراكه،

    وإصراره على السير فى اتجاه واحد يتمثل فى احتكار إرادة الناس وتزييفها للانفراد بالسلطة، هو المسؤول الأول عما آلت إليه أوضاع البلاد الكارثية حالياً، فغياب المنافسة الحقيقية عن ميدان المعركة الانتخابية أفرغها من قيمتها ومعناها، وسمح لحفنة ممن يعرفون من أين تؤكل الكتف، الترشح باسم دوائرهم دون أن تنتخبهم دوائرهم، والنجاح الافتراضى تحت مظلة الانتخابات فى عدم وجود انتخابات، ثم الجلوس تحت قبة البرلمان كممثلين لا يعرفهم الناس، ولا يعرفون هم شيئاً عن الناس،

    وبالتالى انحصرت أدوارهم فيما يعنيهم، وذابت إرادتهم فى إرادة السلطة التنفيذية، حتى أصبحوا كياناً غير موجود بالفعل، لكنه موجود بالقوة لإضفاء الشرعية على القوانين التى تخدم الحكومة الاستبدادية، وما تقتضيه موجبات الولاء والطاعة.

    من هنا كبرت المشكلات الصغيرة، وتفاقمت وتأزمت حتى استعصت على الحل، واتخذت القرارات الخاطئة، ووهبت شركات القطاع العام بثلث ثمنها، وغيبت الكفاءات وقطعت همزة الوصل بين من فى يدهم الأمر ومن فوضوا لله الأمر،

    وما يزيد النفس حسرة وألماً أن يتوهم المرء ثم يستعذب العيش فى الوهم، أن يتحدث رجال الحزب الوطنى عن نزاهة الانتخابات وشفافيتها رغم علمهم بكونها بعيدة كل البعد عما يدعون، ومع ذلك يواصلون العزف على هذه النغمة النشاز، يعيدونها ويزيدونها وينسجون منها مواويل يتصورونها حكماً فى زمن اغتيل فيه الحكماء مع سبق الإصرار والترصد، ولا أعرف كيف يمكن لمن لم يصدق مع نفسه أن يطالب الناس بتصديقه؟!

    كيف يمكن لمن زور الانتخابات مرة ومرتين وثلاثاً وعشراً أن يستغفر فجأة من ذنب تزويره العظيم وذنب مذابحه الآثمة للديمقراطية، ويتحول لإمام يدعو الناس إلى الاختلاف حرصاً على الاتفاق والتعددية من أجل سلامة النسيج الاجتماعى وضمان مشاركة أكبر قدر فى العملية السياسية؟! وأى أمارة تلك التى ستبرهن على أن انتخابات الشورى القادمة ستكون مختلفة عن سابقتها عام ٢٠٠٧م؟!

    هل توقفت عادة اعتقال الإخوان قبيل الانتخابات؟! هل منع التدخل الأمنى فى إدارة تفاصيل العملية الانتخابية؟! هل ألغى قانون الطوارئ؟! هل أعيد الإشراف القضائى لضمان نزاهة الانتخابات؟! هل سمح باستخدام بطاقة الرقم القومى؟! هل تم تعديل الجداول الانتخابية المحملة بأسماء الموتى أكثر من الأحياء؟! هل هيمن غير الحزب الوطنى على جميع الدوائر الانتخابية؟!

    هل اتفق على قبول رقابة دولية ومشاركة الجاليات المصرية فى الخارج؟! هل تغير شىء ينذر بأى جديد قادم غير ما اعتدناه وألفناه وارتضيناه وتكيفنا مع ركوده وشذوذه؟! بالطبع لم يحدث أى شىء، ولم يتغير أى شىء، سوى مرور ثلاث سنوات فصلت بين انتخابات الشورى فى عام ٢٠٠٧م وانتخابات الشورى القادمة، تغير فيها العالم كله تقريباً، واستبدلت أنظمة بأنظمة، ورحلت أحزاب وجاءت أحزاب، وانتصرت أفكار وانحصرت أخرى، بينما بقيت مصر جامدة متسمرة فى مكانها أسيرة لآليات بالية جعلت من اختلاف الرأى مفسدة لكل قضايا الود،

    ووصول الرجل المناسب للمكان المناسب من الأساطير التى يستحيل حدوثها، وأتاحت الفرصة لمجموعة من أشباه الفرسان من أنصاف البشر، كى يتصارعوا على اعتلاء ظهر فرس الحزب الوطنى المنهك، لتفوح من هذا الصراع المشبوه رائحة كريهة، تخنق الأمنيات والأحلام فى القلوب وتزهدها فى التغيير، وتجبر المتطلعين لأن يكون لهم دور حقيقى فى المسرح السياسى على التفكير ألف مرة قبل النزول إلى ميدان المعركة الانتخابية.

    مصر عانت الكثير، ولم تعد قادرة على تحمل المزيد، وهى قاب قوسين أو أدنى من سكة السلامة أو سكة الندامة، فإذا حدث التغيير السلمى، وتزينت ربوع الوطن بأنوار الديمقراطية، وناب عن الناس من يمثلهم ولا يمثل عليهم وحلت مشكلاتهم تحت قبة البرلمان ودون تدخل الرئيس، فهذا يعنى أن مصرنا الغالية سوف تسير على سكة السلامة، أما الإصرار على الفتونة السياسية ووضع المرشحين المحصنين بأكليشيه الحزب الوطنى فقط، والتعامى عن مشكلات الناس والاستهتار بمشاعرهم والاكتفاء بالفرجة عليهم، وهم يفترشون الأرصفة بحثاً عن حقوقهم المشروعة، كلها أمور قد تحول الغضب المتناثر هنا وهناك إلى جحيم يحرق الأخضر واليابس،

    وهو ما يعنى أن مصر قد فرض عليها أن تسير على سكة الندامة، وبين سكة السلامة وسكة الندامة شعرة لم تقطع بعد، فهل من غيور على هذا البلد؟ هل من منقذ لسفينته قبل أن تغرق فى متاهة الفوضى؟ أليس من حق مصر أن تصبح نمراً أفريقياً بفضل الديمقراطية؟ أم كتب عليها أن تترك هكذا فأراً تتربص به المصائد من كل صوب وحدب؟

    يقول الشاعر الكبير فؤاد حجاج:

    يا اللى إنت نازل كل مادا لتحت، وارتحت للوضع المهين والبلادة، إزهأ بأا، بزيادة.

    كلمات مفتاحية  :
    مصر سكة السلامة سكة الندامة

    تعليقات الزوار ()