لا أذكر أننى كتبت سطراً عن الوفد، منذ رحيل الباشا، كما أكتب اليوم.. ويتصور البعض خطأ، أن مقالاً واحداً كان يكفى للمشاركة فى عرس الديمقراطية.. ويتصور البعض خطأ، أن الكثير من الكتابة الآن قد يفسد السيد البدوى نفسه، ويخلق منه ديكتاتوراً.. ويتصور هؤلاء أنها مجرد انتخابات داخلية، أسفرت عن رئيس جديد، وانتهى الموضوع.. لا يعرف هؤلاء أنها كانت ثورة بيضاء، أعادت الروح من جديد إلى الوفديين خصوصاً، والمصريين عموماً.. نعم ثورة بيضاء بمعنى الكلمة!
هذه الثورة، وهذه الروح، هى التى جعلت الوفديين يعيدون النظر فى قصر البدراوى عاشور مرة أخرى.. فقد كنا نرى القصر مقبرة، ونرى الجريدة مقبرة، ونرى الأسوار حول القصر تشبه جوانتانامو.. حتى اختلط على البعض ما يحدث عندنا.. لا يدرى هل هو انتخاب رئيس أم حانوتى؟.. كان يساورنا هذا الشعور ونحن نتمزق.. لا أحد يصدق أن تقوم للوفد قائمة.. وربما كان هناك من يتابع الانتخابات من باب الفضول ليعرف: من هو الحانوتى القادم؟
السؤال كان قاسياً وربما صادماً، لكنه قد لا يكون بالغ الغرابة.. هكذا كان يرى الدكتور وحيد عبدالمجيد، وهكذا كنا نرى.. المكان مقبرة، والرئيس القادم مجرد حانوتى.. جاء عليه الدور ليشيع الوفد إلى مثواه الأخير، بعد أن أخذ الذين فى بولس حنا بالوفد إلى مشارف الموت، فسالت الدماء الطاهرة، واشتعلت الحرائق فى القصر العريق.. مرة بإطلاق الرصاص وزجاجات المولوتوف، وأخرى بجرجرة الوفد فى المحاكم، حتى تعب المحامون، وتعبت المحاكم ذاتها!
وشاء الله أن يبدل حالاً بعد حال، وشاء الله أن يظهر «البدوى».. وجاءت الانتخابات على رئاسة الوفد، لتنقلنا من اللحد إلى المجد.. وانتبه المصريون من جديد إلى الوفد، بعد معركة حضارية راقية، فسمعنا من يقول: الآن يشرفنى أن أنضم إلى الوفد، فانضم النائبان علاء عبدالمنعم ومصطفى الجندى.. وشهد لنا سياسيون وحقوقيون وفنانون، وقال رامى لكح إنه يفكر، وأصدر عصام فهمى بياناً يؤكد استعداده لفك عضويته المجمدة، ودبت الروح فى الجسد المريض!
ولا أظن أنها كانت صحوة موت، ولا حلاوة روح، ولا شدة غربال.. مطلوب فقط أن نستثمر هذه الحالة فى الشارع السياسى، ومطلوب أيضاً ضخ الدماء الجديدة فى شرايين الوفد، حزباً وصحيفة.. وتغليب روح الفريق على روح الفرد.. فالعمل الصحفى والعمل الحزبى، كلاهما يتسع للطاقات التى أهدرت فى حرب الاستنزاف بين القبائل... المهم أن يستلهم الجميع دروس الماضى القريب، ثم نرفع شعار أوباما، الذى حوّل الحلم إلى حقيقة بكلمة واحدة: «نعم نستطيع»!
تبقى نقطة أساسية وهى إلى أى حد نستطيع؟.. هل طموحنا أن نعود إلى المربع الذى تركنا فؤاد باشا عنده، أى نعود إلى ما قبل عام ٢٠٠٠، أو بدايات عصر الدكتور نعمان جمعة، أم نقفز إلى آفاق أكثر رحابة، تتناسب مع متغيرات العصر، وتواكب رغبة جارفة فى التغيير.. هل نفعل ذلك ونحن فى أحضان الحزب الوطنى، كما قال الدكتور حسن نافعة، أم ونحن لدينا مشروع للمستقبل، لا يجعلنا نركب مع الحزب الوطنى، وإنما نركب بدلاً منه وينزل!
ليس صحيحاً أننا يمكن أن نركب «سوا»، فالحزب الوطنى لا يسمح بشىء، ولا يمكن أن يسمح بأكثر من عشرة مقاعد، وهى حد الإعفاء من الضرائب.. كان هذا هو الأمل القديم عندنا، فيجب ألا يكون الآن.. حلمنا هو الأغلبية وتشكيل الوزارة.. وإن قال صديقى محمد شمروخ: اتركوا «البدوى» ولا تفتنوه، فقد تكون صدمة، لو تحملها المصريون، فربما لا يتحملها السيد البدوى نفسه!