الدكتور أحمد زويل عالم مصرى كبير اكتشف اكتشافاً مهماً فى الطبيعة وحصل على جائزة نوبل. واستمر فى أبحاثه العلمية مع طاقم متميز فى معهد «كالتك» وهى كلية للتكنولوجيا المتقدمة فى ولاية كاليفورنيا، وقد اخترع حديثاً الميكروسكوب رباعى الأبعاد الذى يرى الجزيئات الصغيرة فى ثلاثية الأبعاد بالإضافة إلى البعد الرابع وهو حركة هذه الجزيئات الصغيرة، ومتوقع أن تكون لهذا الاكتشاف الجبار آثار عظيمة على الإنسانية.
هذا العالم العظيم حضر إلى مصر محاضراً وداعياً للعلم والتقدم منذ أكثر من عشر سنوات، وفور حصوله على جائزة نوبل وضع مشروعاً لتقدم مصر فى العلوم الطبيعية الأساسية من كيمياء وطبيعة ورياضيات وبيولوجيا على أن يُنشأ له مبنى ضخم خصصت له الدولة أرضاً فى مدينة ٦ أكتوبر، وكانت التكلفة المبدئية حوالى مليار جنيه وفور البدء فى تنفيذ المشروع كان يسهل جمع التبرعات والهبات لإكمال المشروع الذى كان سوف يحقق لمصر طفرة علمية إلى الأمام قد تكون عاملاً مهماً فى إصلاح الاقتصاد.
فى ذلك الوقت كان مفيد شهاب وزيراً للتعليم العالى ولم يكن يهتم بمشروع علمى مستقل، فتم وضع حجر الأساس فى عهده ولم يحدث أى شىء إيجابى غير الخطب الرنانة والتسويف المستمر، ويبدو أن وزراء التعليم وبعض النافذين أقنعوا القيادة العليا بعدم أهمية المشروع لمستقبل مصر ربما بدعوى عدم جدوى صرف الأموال على المشروع، وربما لأسباب أخرى،
وقيل إن المشكلة هى التمويل، وتوالى وزراء التعليم بعد ذلك ولم يهتموا بالأمر ولم تهتم الدولة بأجملها بالمشروع لعدم اقتناعها بالعلم وإلا لما خفضت الدولة ميزانية التعليم بأكمله بما فى ذلك التعليم العالى والتعليم الأساسى كله إلى ٣.٤% من ميزانية الدولة بعد تخفيض تدريجى وصل إلى ٤٠% من الميزانية فى سنوات قليلة،
وهو دليل على أن كلامهم بأن التعليم قاطرة المستقبل كلام لا يقصدونه وإنما هو للاستهلاك المحلى، ومن المعروف أن تخفيض ميزانية التعليم كان تلبية لاحتياجات وزارة الداخلية، وكان واضحاً أن الأمن المركزى هو الأهم، والتعليم ليست له مكانة ولا أهمية فى تفكير الدولة.
ولكن ما دخل سوزان تميم بهذا الأمر؟ كانت سوزان تميم مطربة لبنانية ربع معروفة، وكانت تتمتع بجمال وجاذبية وعاشت فى مصر فترة ثم ذهبت إلى لندن ومنها إلى دبى حيث قُتلت فى شقتها الفاخرة، ولاتزال القضية التى تم فيها نقض الحكم بالإعدام على المتهمين مستمرة فى محكمة جنايات القاهرة.
ما تم صرفه على السيدة سوزان تميم أثناء حياتها وبعد مقتلها من أرقام فلكية أمر يفوق الخيال ويدخل فى ذلك الأموال التى وُضعت فى حساباتها هى وعائلتها ثم الهدايا التى تقدر بالملايين بدون حساب، والشقق التمليك فى كل أنحاء العالم المختلفة من لندن إلى بيروت والقاهرة ودبى، أما بعد مقتلها فالمصاريف قد تضاعفت بما فى ذلك تكاليف الدفاع والشهود والطب الشرعى، وأرقام أخرى فلكية كتعويضات للأسرة.
كل هذه الأموال، التى تم دفعها بالدولارات بالتأكيد، تتعدى أكثر من مليار دولار أى أكثر من ٦ مليارات جنيه، وهذه الأموال أكبر من دخل قناة السويس، وتقارب تحويلات ملايين المصريين من بلد عربى، وكانت قادرة على إنشاء مشروع زويل وإنهائه وتجهيزه وتفعيله لمدة عدة سنوات.
هذه الأموال ليست أموال رجل الأعمال وإنما هى أموال الشعب المصرى الغلبان، وهذه الأموال فى معظمها هى نتاج فساد نظام الحكم المصرى الذى استطاع عن طريق الفساد والاحتكار أن يصنع مليارديرات كباراً يصرفون أموال المصريين الفقراء على سوزان تميم وغيرها.
الدولة التى قضت على العلم ومستقبل مصر وشبابها فى محاولة للحاق بركب التقدم لم توافق على إعطاء الأموال إلى أمل مصر وإنما أعطتها ببساطة شديدة لرجال الأعمال على هيئة أراض مجانية وتسهيلات خيالية تفوق كل وصف، وبعضهم الوزراء الذين كُتب عنهم أحداث فساد ورشوة تغطى مجلدات ولم يحدث لهم شىء، بل تم منح بعضهم أوسمة.
ونواب مهمون رشوا القضاء بأموال طائلة ليوفروا أموالاً رهيبة من دخل الدولة المصرية المنهكة. كل هذه الأموال صُرفت على سوزان تميم قبل وبعد مماتها، وبالتأكيد مازالت تُصرف على غيرها أو على فساد من نوع آخر، وكل ذلك من أموال مصر.
باختصار شديد الدولة ضالعة فى فساد بعض - وليس كل - رجال الأعمال، والجميع يعرف رجال الأعمال الرأسماليين البنائين الوطنيين، والجميع يعرف رجال الأعمال الهباشين الذين يأكلون اللحم الحى للوطن بمشاركة بعض رجال الدولة ذوى النفوذ. القضية واضحة، عَالِم كبير يقدم مشروعاً كان أملاً لنا لو بدأ منذ أكثر من عشر سنوات فُيرفض ويلقى الإهمال والنسيان، ويتم إعطاء مشروع آخر يهتم به رئيس الوزراء قطعة الأرض المخصصة لمشروع زويل.
ومن ناحية أخرى يتم صرف مليارات الدولارات من أموال الشعب فى فضائح كبرى يراها الشعب تحدث أمامه فى محكمة الجنايات، وفى تصرف بعض الوزراء الفاسدين، وفى بعض المحتكرين القابضين على زمارة رقبة مصر. وفى النهاية قررت الدولة أن صيانة العلم ورعايته ليست سياستها وفضلت أن تدعم سياسة «هِزّ يا وِزّ».
قوم يا مصرى.. مصر دايماً بتناديك.