المصريون في دولة الإمارات العربية يعانون من قلق مضاعف هذه الأيام.
هم قلقون على ما يجري في مصر، التي يتابعون أخبارها من خلال وسائل الإعلام، التي أقنعتهم بأن البلطجية والسلفيين يسيطرون على الشارع، وأن السلطة بين حائرة وغائبة.
هم قلقون أيضا على أوضاعهم في البلد الذي نزحوا إليه، بعدما لاحت في أفق علاقاته مع مصر سحابات رمادية. سربت إليهم شعورا بعدم الاستقرار.
التقيت أعدادا منهم في دبي خلال انعقاد منتدى الإعلام العربى، واختصر بعضهم مشكلتهم في أنهم لم يعودوا مطمئنين إلى العودة إلى مصر، ولم يعودوا مطمئنين إلى الاستمرار في وظائفهم بدولة الإمارات.
وحين قلت إن الصورة التي في أذهانهم عن مصر مبالغ فيها. لأنهم يعيشون في مبالغات وسائل الإعلام بأكثر مما يعيشون واقع البلد، حينئذ قال أكثر من واحد إن الواقع الذي يحيط بهم يكرس القلق ولا يبدده.
طلبت إيضاحا فقيل لي إن تأشيرات الدخول الجديدة أوقفت، وإن تجديد إقامات العاملين أصبح يواجه صعوبات أدت إلى تعثر إنجازها، وإن قرارات صدرت بترحيل البعض كما أنهيت عقود آخرين، بينهم أستاذ جامعي أمضى في البلد 14 عاما.
سألت عما إذا كان ذلك مقصورا على المصريين دون غيرهم، فجاءت الإجابة بالنفي، إذ قيل لي إن هذا التوجس من العمالة العربية شمل أبناء الدول التي شهدت ثورات خلال الأشهر الأخيرة، من تونس إلى سوريا، إلا أن حظوظ المصريين من هذه العقبات أكبر.
أحد المخضرمين عرض الموضوع بشكل آخر، وذهب بجذور المشكلة إلى أجواء أحداث سبتمبر 2001. حين تبين أن اثنين من أبناء الإمارات كانا ضمن المجموعة الانتحارية التي قامت بنسف برجى مركز التجارة العالمى. وهو ما نبه السلطات والأجهزة الأمنية إلى وجود بذور للتطرف والإرهاب هددت الاستقرار في المنطقة، مما جعلها تفتح أعينها جيدا على ما يجري داخل دولة الإمارات، التي كانت معبرا للذاهبين والعائدين من باكستان وأفغانستان. وقد أسهم ذلك في ترجيح كفة السياسة الأمنية بما استصحبته من إجراءات شملت مجالات متعددة، كان الإعلام من بينها.
اقتضت تلك السياسة متابعة أنشطة الوافدين، فضلا عن المواطنين العاديين بطبيعة الحال. وكان إنهاء إقامات العشرات من الدعاة وخطباء المساجد من ثمار تلك المتابعة.
وفي وقت لاحق تم إبعاد عشرات من الشيعة اللبنانيين بحجة انتمائهم إلى حزب الله. وحين انطلقت شرارات الثورات في العالم العربي تزايدت وتيرة الاحتياطات الأمنية. ولا أعرف ما إذا كانت هذه الخلفية لها علاقة أم لا بالتعاقد مع شركة «بلاك ووتر» المتخصصة في الشئون الأمنية ولها باعها الطويل في العراق وأفغانستان والعديد من دول أمريكا اللاتينية.
ولكن الشاهد أن ذلك العقد الذي بلغت قيمته نحو 530 مليون دولار أبرم وسط تلك الظروف الأخيرة، وبمقتضاه تمركز في أبوظبي 800 من مقاتلي الشركة الذين استجلبوا لأداء المهمة المنوطة بهم. أو هكذا ذكرت صحيفة نيويورك تايمز في 16/5 الحالي.
سألت عن السبب في ارتفاع وتيرة القلق بين المصريين بوجه أخص هذه الأيام، فقيل لي إن بعض أصحاب القرار في الدولة ليسوا سعداء بالتطور الحاصل في مصر لعدة أسباب هي:
أنهم كانوا على علاقة شخصية مع الرئيس السابق وساءهم ما جرى له.
وأنهم لم يستريحوا للتصريحات التي صدرت عن وزير الخارجية نبيل العربي التي تحدث فيها عن تطبيع العلاقات مع إيران.
وقال إن مصر تريد أن تحتفظ بعلاقات دبلوماسية مع طهران مماثلة لتلك القائمة بين طهران ودول الخليج ذاتها.
السبب الثالث أن أحد رجال الأعمال الإماراتيين مطلوب للتحقيق في إحدى قضايا الفساد المالي التي يباشرها النائب العام المصري.
في مقابل ذلك، قيل لي إنه لا توجد تعليمات بتعطيل معاملات المصريين. وكل الذي حدث أن تلك المعاملات كانت تعرض على الأجهزة الأمنية المصرية، ولم يعد لهذه الأجهزة وجود بعد الانهيار الذي حدث في وزارة الداخلية، وأدى إلى إلغاء جهاز أمن الدولة. إذ كان لمصر في الإمارات نحو 1500 ضابط من الجهاز، وهؤلاء لم يعد لهم وجود هناك.
وكان من نتائج غياب تلك المراجع الأمنية أن معاملات المصريين أصبحت تعرض على القاهرة، مما أدى إلى التأخير الشديد في إنجازها.
اللافت للنظر أن ثمة صمتا رسميا على الموضوع، فتح الأبواب لإشاعة البلبلة والقلق، وسمح بدرجات متفاوتة من إساءة الظن. ولو أن حقائقه أعلنت بوضوح وشفافية لاستراح الجميع، ولعادت علاقات مصر ودولة الإمارات إلى صفائها المعهود، حيث كان البلدان «يدا واحدة»، كما يقول الهتاف الذي انطلق من ميدان التحرير ذات يوم.
..................