يعتبر العجز اللغوي احد المظاهر المرظية الرئيسية عند طفل التوحدي، هناك درجات متفاوتة لدى الطفل المصاب بالتوحد في المقدرة على النطق والتواصل وذلك تبعا للتطور الاجتماعي والفردي السلوكي لديه. وفي هذا الصدد يقول الدكتور عبدالرحمن غريب استشاري انف واذن وحنجرة بمستشفى نور التخصصي أن البعض قد يكون فاقدا للمقدرة على الكلام والتخاطب بدرجة كبيرة او كليا، ويصدر أصواتاً وصراخاً وتشنجات مختلفة، في حين قد يكون لدى البعض الآخر ذخيرة جيدة من الكلمات ولديهم مقدرة على الحديث في بعض المواضيع، ولكن الصعوبة تكمن في المقدرة على استخدام وتوظيف هذة اللغة. حيث غالبا لا تجد لهذا الكلام اي رابط او معنى محدد ومتصل، او ان يقوم بترديد آلـي وميكانيكي لآخر جملة او كلمة قام بسماعها.
ويظيف الدكتور أن معظم اطفال التوحد يفتقدون الى المقدرة على التواصل البصري والتفاعل او استخدام الحركة والايماء عند الكلام، هناك من يتكلم بنبرة عالية وحادة وهناك من يتكلم كالانسان الآلي، ولا تجد لديهم استجابة وتفاعلاً مع حديث الآخرين، وقد يصار الى تشخيص هذه المشكلة خطأ بأنها صعوبة في السمع.
قد تتطور المقدرة على النطق واللغة لدرجة معينة لدى الطفل التوحدي، ولكن غالبا ما تكون بشكل غير منتظم، فمثلا قد يستطيع قراءة بعض الكلمات او الجمل ولكن لا يتمكن من فهم محتواها، وقد يكون للبعض الآخر قدرة ملحوظة في الحساب والرياضيات والاعداد وقد يطور البعض موهبة موسيقية ملحوظة. ويمكن التأكيد في هذا المجال ان هناك تفاوتاً كبيراً في المقدرة والمواهب لدى الاطفال المتوحدين، ولكن القاسم المشترك هو ان هذه مقدرات معزولة ولا يستطيع الطفل من خلالها ان يكوّن علاقات اجتماعية طبيعية مع محيطه.
كـيف يتم علاج مشاكل النطق والتواصل لدى الطفل المتوحد؟
يقول الدكتور غريب أنه لم يتم التوصل الى الآن الى طريقة واسلوب علاجي فعال لمقاربة مشكلة النطق والتخاطب والتواصل مع الطفل المتوحد، ولكن هناك اتفاقاً شبه مؤكد بأن وضع برنامج تأهيلي خاص بكل طفل على حدة، بحيث يتناسب مع المهارات والامكانيات التي لديه، وبشرط ان يبدأ ذلك في مرحلة مبكرة من العمر وحال اكتشاف المشكلة، يمكن ان يشكل ذلك افضل مقاربة لتحسين اللغة والتخاطب، وعلى اساس الدمج بين برنامج تحسين اللغة والتخاطب مع برنامج تعديل السلوك والتواصل. ومن الضروري اشراك الأبوين وافراد الاسرة والمحيطين في بيئة الطفل في تلك العملية الطويلة والمستمرة والتي تهدف الى تأهيل الطفل في مختلف المراحل العمرية.
وغالبا ما يقوم المعالجون الاخصائيون في هذا المجال باستخدام طرق كثيرة لتحسين التواصل والتركيز، وذلك من خلال استخدام الصور والالعاب والموسيقى وبرامج الحاسوب وغيرها من الطرق التربوية التي تمت تجربتها في برامج تأهيل اطفال التوحد.
وإلى جانب اخصائي النطق، يقوم اخصائي المعالجة الوظيفية والمعالجون الطبيعيون بالعلاج بطريقة اللعب او التدريب واللعب مع الحيوانات، وركوب الخيل، الخ.. وذلك بهدف تعديل السلوك لدى الطفل التوحدي وتنمية مهارات التواصل والكلام لديه.
ويبين الدكتور ان هناك اطفال يستجيبون لبرنامج تعديل السلوك بشكل متفاوت، وآخرون يستجيبون للعلاج بالموسيقى او العلاج الحسي، وقد يستجيب البعض للعلاج الدوائي من اجل زيادة درجة التركيز لديهم، ولكن ليس هناك اجماع بين المتخصصين في هذا المجال على الاستخدام المستمر للادوية بسبب احتمال حدوث بعض الاعراض الجانبية، ولكن من المؤكد انه لم يتم الى اليوم اعتماد دواء محدد وفاعل بشكل موثوق لتحسين اداء الطفل التوحدي.
هناك بعض الاساليب العلاجية التي تعتمد على تطبيق حمية غذائية خاصة مع اضافة مجموعة من الفيتامينات والمعادن، ولكن يظل طفل التوحد موضوعاً جديداً ومحيراً لعلماء الطب النفسي والصحة العقـلية واخصائيي التخاطب والنمو والتطور الذهني والنـفسي، وسوف يستمر كموضوع حيوي للبحث والتجربة خصوصا بعد ظهور الارقام الأخيرة لنسبة حدوث الاصابة بين الاطفال وزيادتها بشكل مقـلق بحيث اصبحت ظاهرة اجتماعية مقـلقـة تستدعي تكاتف جهود الاسرة والمجتمع والدولة وكافة الاختصاصيين في الحقل الطبي والاجتماعي والأسري من اجل صياغة استراتيجيات حديثة لبرامج الاستيعاب والتأهيل لمرضى التوحد.