الإنسان .. حيوان!!
يؤمن البعض بالحـكمة الصينية القديمة التى تقول؛ "لا أري .. لا أسمع.. لا أتكلم". نفس هذه الحـكمة تقول بها الأمثلة الشعبية المحـلية حـيث نجد ما يشابهها فى القول الشعبى المعروف؛ "سكتم .. بكتم" وهو خير وصف لحـالة السكوت الكلى عن الكلام.. وبالتالى عن الفعل، وهو الأمر الذى نجده أكثر انطباقاً علي مجتمعاتنا العربية المعاصرة التى خاطبها أحـد شعرائنا الفطاحـل بحـكمة ذهبت هى الأخري لتصبح مثلاً حـياً يحـتذى به كثير منا حـين قال لا فض فوه؛ "يا قوم لا تتكلموا.. إن الكلام محـرم"، "نامو ولا تستيقظوا .. ما عاش إلا النوَّم". وهناك كثير من الأقوال والأشعار والحـكم الشعبية المحـلية والعالمية التى تدور فى نفس الدائرة، غير أن الحـكمة الصينية نقلها كثير من الفنانين التشكيليين علي هيئة ثلاثة قرود يجلسون القرفصاء إلي جانب بعضهم البعض؛ يضع القرد الأول يديه علي عينيه، ويضع القرد الثانى يديه علي أذنيه، بينما يضع القرد الثالث كلتا يديه علي فمه بشكل يعكس معني ومغذي هذه الحـكمة خير تمثيل. وبغض النظر عن المعانى التى قد تحـملها هذه الحـكمة "القرودية" الشائعة، وهى تحـمل فى طياتها معانٍ كثيرة؛ فإن تمثيلها بقرود ثلاثة قد يشير بطرف خفى إلي تهمة تلصق دوماً بالحـيوانات علي وجه الإطلاق، وبالقرود علي وجه الخصوص، وهى حـب التقليد. فكثير من الحـيوانات تتهم بتقليد الإنسان فى حـركاته وسكناته بينما تأتى الأمثولة الثلاثية، فى رأيى، لتقول بعكس ما هو شائع حـيث تشير إلي أن الإنسان هنا هو المقلد الأكبر لغيره من الكائنات. وصفة التقليد هذه هى التى قادته إلي كثير من الاكتشافات والاختراعات الحـديثة. فمحـاولة تقليد الإنسان للطير فى عليائه قادته إلي اختراع الطائرة. وقد جاء هذا الاختراع بعد محـاولات عديدة من أفراد حـاولوا تقليد الطيور فى سيطرتهم علي الأجواء حـين عمدوا إلي تركيب ريش فى أذرعتهم وذيول فى "مؤخرتهم" ثم القذف بأنفسهم من أعلي جبل حـالمين فى أن ما يحـملونه من ريش فى أجسامهم سيحـملهم فى الهواء. ولعل أشهر هؤلاء هو العربى "عباس بن فرناس". ورغم انتهاء مثل تلك المحـاولات بمآسى أودت بحـياة من قام بها إلا أنها تؤرخ كأولي محـاولات الإنسان للطيران. وهناك الكثير من المخترعات الأخري المشابهة لعل ما أذكره منها هو الغواصة التى حـاول الإنسان فيها محـاكاة المخلوقات البحـرية التى ميزها الله بقدرة علي البقاء تحـت الماء وغيرها من المخترعات التى يدركها القارئ الكريم.
وهناك بعض النشاطات أو الأنشطة (يختلف اللغويون حـول صحـة أحـدها وهى جمع كلمة نشاط) التى يقوم بها الإنسان التى هى أقرب، فى رأيى، إلي الممارسات الحـيوانية منها إلي الأنشطة البشرية. ومن يشاهد برنامج "عالم الحـيوان" وهو أحـد البرامج المفضلة للتلفزيون السعودى الذى ربما يحـاول أن يوصل إلينا رسالة معينة ترسخ تلك القرابة الوثيقة بيننا وبين جيراننا القاطنين فى الغابات وأقفاص حـدائق الحـيوانات العالمية؛ من يشاهد ذلك البرنامج سيتضح له أوجه الشبه الكبيرة بيننا وبينهم. ففى عالم الرياضة، علي سبيل المثال، نجد أن رياضة الملاكمة قد تكون مأخوذة عن حـيوان "الكانجرو" وربما تكون أستراليا موطن ذلك الحـيوان؛ هى من ابتدعت هذه الرياضة. ومن مجال الرقص الغربى قديمه وحـديثه تقليد كربونى للقرود. بل إن بعض تصرفات الإنسـان نفسها يطلق عليها البعض أوصافاً حـيوانية.. فهذا مشيته كالغراب وآخر كالنعامة، بينما توصف قوة أحـدهم كالثور أو جبنه بالفأر، أو تلونه بالحـرباء. وهكذا يظل الإنسان يقلد الحـيوان فى كل شيء منذ بدء الخليقة حـتي وقتنا الحـاضر. غير أن الإنسان اجتاز رفيق دربه الطويل فى ملكة التفنن فى إيقاع الأذي والظلم علي أخيه الإنسان.. بينما فشل تماماً فى أن يقلد الحـيوان فى الحـب والتسامح.
alsowayegh@yahoo.com
abazbaz@hotmail.com
Riyadh fax. (01) 470-3429