الأرق .. ووسائل معالجته
أن نذهب إلى السرير للنوم، شيء.. وأن ننام آنذاك فيه حقيقة، شيء آخر. وأن ننام على السرير، شيء.. وأن نكون في ذلك النوم مرتاحين، شيء آخر. وأن ننام مرتاحين على السرير، وبالليل، شيء.. وأن نستيقظ ونحن نشعر بالنشاط والراحة بعد النوم، وطوال النهار، شيء آخر. وأن ننام مرتاحين ونشعر بالنشاط بعد الاستيقاظ من النوم، شيء.. وأن نُحقق لأجسامنا وانفسنا الفوائد الصحية التي يمدنا النوم الصحي بها، شيء آخر. الأمر لا فلسفة فيه ولا تعقيد، ذلك أن ذهاب أحدنا إلى سريره بالليل لا يعني أنه سينجح في الخلود إلى النوم لا محالة، بل ثمة من يُعاني من حالات الأرق، بشقيه الحاد والمزمن.
ودخول أحدنا في «نوم» من أي نوعية، لا يعني تلقائياً أن نومه سيكون مُريحاً لنفسه ولجسمه، بل ثمة من يُعاني من تقلبات النوم والاستيقاظ، خاصة في ساعات الصباح الأولى، أو من حالات «تشنجات الأطراف السفلية أثناء النوم». والاستغراق في «نوم»، قد يحسبه أحدنا عميقاً ومريحاً طوال الليل، ليس نتيجته بالضرورة، بعد الاستيقاظ، الشعور العارم بالراحة والنشاط طوال النهار، بل هناك منْ يُعانون من اضطرابات في التنفس بشكل دوري وطوال النوم الذي يحسبون أنهم مُستغرقون فيه بكل عمق، بينما الواقع الجسدي خلاف ذلك.
والنوم لعدد غير كاف من الساعات، وفي خارج وقت الليل، هو مما أثبتت الدراسات الطبية آثاره السلبية على الصحة. وتحديداً ارتفاع الإصابات بمرض السكري وضغط الدم والسمنة وأمراض الشرايين القلبية وغيرها.
«حل شكلي» للأرق
اضطرابات النوم مجال طبي واسع، ويشهد تقدماً قلما نلحظ له مثيلاً في جوانب شتى من الطب. وتعرف الباحثون والأطباء على ملامح لصورة، لم تكتمل بعد تفاصيلها، عن اضطرابات النوم، يُعطينا انطباعاً طبياً حقيقياً بأننا لا نزال نجهل الكثير عن النوم الصحي وتأثيراته على روح الإنسان وجسده. لكن دعونا نقتصر في العرض على الحديث عن صعوبات الخلود إلى النوم.
والأرق Insomnia أحد حالات اضطرابات النوم. وهو حالة يواجه المرء فيها صعوبة إما في الدخول إلى النوم، أو البقاء فيه، أو في كليهما. ولذا نجد منْ يُعاني حتى ينام، وآخر تبدأ معاناته بعد النجاح في الدخول إلى النوم، حيث نراه يستيقظ في ساعات الصباح الأولى ولا يستطيع العودة إلى النوم. وثمة من يُواجه صعوبة في كل من الدخول إلى النوم والاستمرار فيه. والنتيجة النهائية لكل مظاهر الأرق هي نوعية رديئة من النوم، لا تُعطي حيوية ونشاطاً خلال ساعات الاستيقاظ. وبالجملة، يُعاني من الأرق حوالي 25% من كبار السن، و10% من بقية الناس في الأعمار الأقل.
وكديدن البشر عادة، ننجح في اختراع حلول شكلية تُغطي عنّا المعاناة من المشكلة وتُخدرها، لكننا لا نُزيلها ونُعالجها بطريقة سليمة. ولذا نجد أن المواد والأدوية المنومة sleeping pills هي من أقدم ما نجح طب الحضارات السابقة والحالية في اختراعها، كي يسهل على متناوليها الخلود إلى النوم والاستغراق فيه.
واختراعها وإنتاجها بلا شك جهد طبي مهم، ولها دواعيها في حاجة البعض إليها خلال أوقات معينة، إلا أن الملاحظ أن اللجوء إليها كـ «حل مؤقت»، أصبح لدى غالبية منْ يُعانون من صعوبات في الخلود إلى النوم «حلاً دائما» و«حلاً وحيداً»، وذلك بدلاً من بذل المحاولات الجادة لوضع حلول عملية وغير دوائية لمشاكل صعوبة الدخول إلى النوم. ولذا نشهد إسرافاً في إنتاج الحبوب المنومة، وتفننا في تحضير أنواع سريعة التأثير وقصيرة أمد المفعول.
ولكن أخطر ما نشهده هو تهافت الكثيرين للحصول عليها، وبالأخص دونما مراجعة للأطباء المختصين بمعالجة حالات الأرق. وعلى الرغم من كل الضوابط الصارمة، إلى حد ما، في وصفها والحصول عليها، إلا أن الحبوب المنومة لا تزال تجد طريقها سهلاً إلى أفواه الكثيرين! ولكن قبل الإجابة على سؤال: لماذا يتردد الأطباء في وصف الحبوب المنومة، بأنواعها القديمة أو الحديثة المطورة، لمن يُريدها للنوم؟ علينا مراجعة ما هو الأرق وأنواعه وأسبابه، كي نفهم جانباً من دواعي استخدام الحبوب المنومة من الناحية الصحية، وما هي تأثيراتها السلبية حين الاستخدام العشوائي لها.
أرق مزمن وآخر عابر
وفق ما تشير إليه نشرات المؤسسة القومية للصحة بالولايات المتحدة، والهيئات الطبية التابعة لها والمعنية بطب النوم، فإن هناك نوعين من الأرق، وهما ابتدائي وثانوي، وذلك من ناحية وجود السبب أو عدمه.
و«الأرق الابتدائي» Primary insomnia ، هو ما يُصيب الشخص بصعوبات في النوم غير ناجمة بشكل مباشر عن أي حالات مرضية يُعاني منها المرء، أو أي مشاكل.
أما «الأرق الثانوي» Secondary insomnia، فهو صعوبة النوم التي يواجهها منْ يُعاني بالأصل من اضطرابات مرضية، كالربو أو الاكتئاب أو التهابات المفاصل أو مشاكل المعدة أو أورام سرطانية، أو يُعاني من أمراض وحالات تتسبب في الشعور بالألم، ما يُعيق خلوده إلى النوم. أو كنتيجة لتناول أدوية طبية معينة، أو الإفراط في استهلاك مواد ضارة، كالكحول وغيره.
وتشير المصادر الطبية إلى أن حوالي 80% من حالات الأرق هي من نوع «الأرق الثانوي». ومن أشهر الحالات المرضية تلك أمراض القلب أو الرئة، أو وجود حالات من الألم في المفاصل أو غيرها، أو الاكتئاب، أو القلق، أو تناول الكحول.
أما من ناحية تقسيم أنواع الأرق بحسب طول مدة المعاناة منه، فإن ثمة ثلاثة أنواع من الأرق، وهي «الأرق العابر» Transient insomnia، و«الأرق الحاد» Acute insomnia، و«الأرق المزمن»Chronic insomnia.
والأرق العابر يستمر لبضعة أيام أو أسابيع. ولكن ليس كل ليلة، لدى منْ هم بالأصل لا يُعانون من أي اضطرابات في النوم. وغالباً ما يكون نتيجة للمعاناة من اضطرابات مرضية عابرة، أو تغير في ظروف النوم المعتادة من الضجيج وشدة الضوء، أو كتفاعل مع التوترات، وإجهاد ظروف غير معتادة في أحداث الحياة اليومية. وقد لا يستمر الأرق بزوال السبب في ظهوره، وقد يزول ويظهر، ويُصنف حينئذ كأرق عابر متقطع intermittent insomnia.
والأرق الحاد، هو حالة تتواصل المعاناة فيها من صعوبة الدخول إلى النوم أو الاستمرار فيه أو عدم الحصول على نوم منعش، لمدة تصل إلى شهر. وغالباً ما يكون نتيجة للإصابة بأحد الأمراض أو بسبب التعرض لمؤثرات في جانب الراحة النفسية.
والمهم طبياً هو تعريف حالة «الأرق المزمن». وهي التي تتميز بصعوبات في النوم، خلال أكثر من 3 أيام في كل أسبوع، لمدة تتجاوز شهرا أو أكثر. وعلينا تذكر أن وصف «حاد» و«مزمن»، هو تصنيف طبي للأمراض المختلفة. والمقصود منه بالدرجة الأولى الإشارة إلى «مدة المعاناة». ولا علاقة لهما بشدة أو قوة المرض.
علاج الأرق
وفي حالات الأرق العابر، يمكن تناول جرعة أو جرعتين من الحبوب المنومة ذات المفعول القصير الأمد. وهو ما تشير إليه صراحة المصادر الطبية حول ضرورة الاقتصار على يوم أو يومين من تناول تلك الحبوب بالليل، وقبيل النوم مباشرة.
وما تشير إليه المصادر الطبية، هو أن حالات «الأرق الحاد» لا تحتاج إلى معالجة دوائية، أي بتناول الحبوب المنومة. وهذه الحالات المؤقتة من الأرق، ومن النوعية المتوسطة الشدة، في الغالب يُمكن الوقاية منها، كما يُمكن معالجتها، بإزالة الأسباب المؤدية إليه وبالممارسة الصحيحة لعادات صحية جيدة للنوم good sleep habits.
لكن حينما يتعدى ويتجاوز تأثيرها فترة الليل، بمعنى أن يتأثر أداء المرء ويقظته الذهنية وتركيزه العقلي ونشاطه البدني، خلال فترة النهار، فإن الطبيب ربما يلجأ إلى وصف نوعيات من الحبوب المنومة ولفترة قصيرة لا تتجاوز بضع ليال.
والنوعيات المقصودة، هي تلك السريعة في بدء جلب النوم، والقصيرة في استمرار تأثيرها في الجسم. أي التي تبدأ في العمل خلال نصف ساعة، حينما تُؤخذ في السرير وقبيل النوم مباشرة، ولا يتجاوز مفعولها الثماني ساعات في الغالب. وتُفضل الإرشادات الطبية أن يتم تناول هذه الحبوب بصفة متقطعة، أي ليس في كل ليلة. وتحديداً أن لا يتناولها المرء بصفة يومية متواصلة لمدة تزيد على 7 أيام.
ولهذه الحالات أيضاً، يُنصح بعدم اللجوء إلى تناول الأدوية المنومة التي تُصرف دونما حاجة إلى وصفة طبية over-the-counter، والمتوفرة بهيئات مختلفة. والسبب أنها أدوية ليست متخصصة في الأصل بمعالجة الأرق، بل غالباً هي أدوية متوجهة لمعالجة الحساسية أو الاحتقان ولكنها ذات تأثيرات جانبية تتسبب في النعاس. ونوعية النوم التي تُعطيه هي نوعية رديئة وغير مُريحة. كما أنها لا تلبث مع الوقت أن تفقد فاعلية تأثيرها على الجسم في جانب جلب النوم.
وتُشير المصادر الطبية المعنية بصحة النوم، إلى أن معالجة حالات «الأرق المزمن» تتطلب أولاً معالجة وإزالة الأسباب الجسدية أو النفسية أو الاجتماعية أو الدوائية أو البيئية، التي قد تكون وراء ظهور تلك الحالات من «الأرق المزمن». وإذا ما استمرت حالة الأرق على الرغم من ذلك، فإن العلاج السلوكي behavioral therapy قد يُجدي. وهو علاج يعتمد تصحيح السلوكيات التي تتسبب في سوء حالة النوم. كما قد تُجدي وسائل تمارين الاسترخاء relaxation exercises والعلاج بالحد من اللجوء إلى النوم sleep restriction therapy أو غيرها.
أنواع الحبوب المنومة
وعلى أرفف الصيدليات توجد أربعة أنواع رئيسية للحبوب المستخدمة في جلب النوم. النوع الأول، مجموعة «بينزودايازيبين» benzodiazepine. والنوع الثاني، مجموعة «زدْ» Z drugs. والنوع الثالث، مجموعة «مُضادات الهيستامين» anti-histamines. والنوع الرابع، هرمون «ميلاتونين» Melatonin.
«بينزودايازيبين»
وهي مجموعة تضم العديد من الأدوية ذات التأثير المنوم hypnotic والمُنعّسsedative والمُزيل للقلقanxiolytic. وتختلف التأثيرات تلك باختلاف النوع واختلاف كمية الجرعة من أحدها.
وتعمل هذه الأدوية على مستقبلات receptors معينة في الخلايا العصبية، تُدعى مُستقبلات «بينزودايازيبين». وهي نوعية من المُستقبلات المرتبطة بنوعية مُستقبلات «غابا» GABA receptors. وأهمية ذكر طريقة عملها على المُستقبلات في الخلايا العصبية، الإشارة بوضوح إلى أنها تلتصق بالخلايا العصبية وتعمل من خلال ذلك في إحداث النُعاس أو النوم أو إزالة القلق.
ولذا فإن زوال تأثيرها المنوم عن الجسم، يبقي شيئاً من الاضطرابات في الجهاز العصبي، وهو ما يظهر على هيئة النعاس drowsiness و«الدوخة» light-headedness خلال ما بعد الاستيقاظ من النوم. وقد تتشعب مشكلة ما بعد تناولها، حال استمرار استخدامها يومياً لفترة تتجاوز 3 أسابيع. لتصل الأمور إلى حد «الاعتماد» dependence البدني والنفسي على ضرورة وجودها في الجسم، وبالتالي حصول أعراض سيئة نتيجة التوقف المفاجئ عن تناولها، أو ما يُسمى بـ«أعراض الانسحاب» withdrawal، مثل الأرق وتدني شهية الأكل والرعشة وطنين الأذن والتشويش الذهني ونوبات التشنج وغيرها من الاضطرابات النفسية. ولذا فإن استخدام وصف «الاعتماد» هو طريقة ألطف من قول «الإدمان».
وإلا فإن الأمرين سواء من ناحية الضرر النفسي والبدني لما نتحدث عنه. وحال تناولها لفترة تتجاوز 3 أسابيع، فإن التوقف عن تناولها لا يكون فجأة، بل يتطلب الأمر التدرج في ذلك، وفق الإشراف الطبي.
وثمة جانب مهم، يحتاج إلى توضيح بسيط، وهو تأثير تناول أحد أدوية هذه المجموعة في قيادة السيارة. وهذه الأدوية تُصيب بالاضطراب قدرات الذهن في الحكم على الأشياء، كما تزيد من سرعة التفاعل مع عنصر «الوقت». وهما ما يجعل من الصعب على المرء قيادة السيارة أو استخدام أي أجهزة تتطلب حضوراً ذهنياً. ولهذه النوعية من الأدوية «تأثير متخلف» hangover ومتبق في الصباح، أي للجرعة التي تم تناولها بالليل.
وهو ما يترك استمرار شعور المرء بالنعاس وتدني الحدة والقوة والذكاء في القدرات الذهنية. وفي كل دول العالم، لا يتوفر الحصول على أي من أنواعها إلا بوصفة طبية. ومن أنواعها السريعة المفعول في جلب النوم، أي خلال نصف ساعة، ويستمر مفعولها لحوالي 8 ساعات، نوع «تيمازيبام» temazepam و«لورميتازيبام» lormetazepam و«لوبرازولام» loprazolam. وثمة أنواع أطول من ناحية مدة المفعول، مثل «نيترازيبام» nitrazepam و«فليرازيبام» flurazepam. ويُعتبر الفاليوم، «ديازيبام» diazepam، من الأنواع ذات المفعول البطيء من ناحية سرعة بدء العمل، وذات المفعول الطويل الأمد.
وعموم أدوية هذه المجموعة، يجب الحذر من تناولها حال وجود اضطرابات في عمل الجهاز التنفسي وضعف العضلات والضعف في عمل الكلى وعمل الكبد، إضافة إلى الحمل والرضاعة.
أدوية «زد»
وسميت «أدوية زدْ» لأنها مجموعة من الأدوية التي تبدأ بحرف «Z» باللغة الانجليزية. وهي «زاليبلون» ZALEPLON و«زولبيديم» ZOLPIDEM و«زوبيكلون» ZOPICLONE. وهي مجموعة من الأدوية المختلفة التركيب عن أدوية مجموعة «بينزودايازيبين». إلا أنها تعمل على نفس تلك المُستقبلات في الخلايا العصبية. وكل الادوية الثلاثة لا يُنصح مطلقاً بتناولها لفترات طويلة، بل لأقل من أسبوع في حال تناولها بشكل متواصل يومياً. وثمة مؤشرات علمية على حصول حالة «الاعتماد» لدى البعض، حال طول فترة تناولها. ودواعي الحذر من تناولها شبيهة بتلك في مجموعة «بينزودايازيبين». وبالرغم من أن أدوية نوع «زولبيديم» و«زوبيكلون» لها مفعول زمني قصير.
ومن أمثلة «زولبيديم» دواء «ستيلنوكس» STILNOX ودواء «أمبين» Ambien. ومن أمثلة «زوبيكلون» دواء «زيموفان» ZIMOVANE . ومقدار «نصف العمر» لكمية هذين العقارين في الدم تصل إلى 150 دقيقة، أي أنهما ذا مفعول متوسط. ويتركان أثراً من النعاس في صبيحة اليوم التالي. إلا أن المهم هو مفعول نوع «زاليبلون»، لأنه الأشد قصراً من بين أدوية مجموعة «زد» أو أدوية مجموعة «بينزودايازيبين». ولذا فإن بالإمكان تناول حبة منه حتى في الساعات الأولى للصباح دون أن تترك أثراً واضحاً على درجة وعي الشخص في الصباح. والسبب أن مقدار «نصف العمر» لكمية عقار «زاليبلون» في الدم لا تتجاوز 60 دقيقة. ومن أمثلة نوع «زاليبلون» دواء «سيستا» SIESTA، و«سوناتا» SONATA.
«مضادات الهيستامين»
وهي أدوية تستخدم في معالجة حالات الحساسية، إلا أن لها تأثيرات جانبية تتمثل في النعاس والنوم. وهذه التأثيرات الجانبية تُغري البعض لاستخدام «مُضادات الهيستامين» كحبوب منومة. وكثيرة هي أنواع الأدوية المنومة التي تحتوي على تلك المواد المُعالجة بالأصل للحساسية. وتتوفر في الصيدليات وغيرها، ويتم الحصول عليها دونما الحاجة إلى وصفة طبية.
وإشكاليات استخدامها لجلب النوم كثيرة، أهمها أنها تفقد مفعولها على النوم بعد تناولها باستمرار لبضعة أيام. وأنها تتسبب في أعراض الآثار المتخلفة، أو «هانغ أوفر»، في صباح اليوم التالي، كالنعاس. كما أنها قد تتسبب في تأثيرات ارتدادية، مثل حصول حالة الأرق الارتدادي rebound insomnia!.
ولهذه الأسباب وغيرها، لا ترى الهيئات الصحية العالمية في بريطانيا والولايات المتحدة وغيرهما، المعنية بالنوم ومعالجة اضطراباته، صحة النصيحة باللجوء إلى «مضادات الهيستامين» لعلاج الأرق. وصرحت الأكاديمية الأميركية لطب النوم، عام 2006 خلال مراجعتها لتأثيرات استخدام هذه النوعية من الأدوية لعلاج الأرق، بالقول إن الأدلة العلمية لا تتوفر لدعم استخدامها كوسيلة لعلاج الأرق.
وأمثلتها كثيرة، مثل «باندول نايت» و«تايلينول بي أم» وغيرهما.
«ميلاتونين»
وينتج الجسم هرمون ميلاتونين لبناء تكرار يومي circadian rhythms في عمل الساعة البيولوجية للجسم في الدماغ. ولأن البدء في الشعور بالنعاس، من بعد مغيب الشمس وزوال ضوء النهار، يعتمد في الحالات الطبيعية على انتاج هذا الهرمون، فإن مما هو مُقترح طبياً أن يتم استخدام حبوب تحتوي على هذا الهرمون في معالجة حالات الأرق. ولكن، وباختصار شديد، لا تُوجد نتائج مُشجعة على جدوى استخدام حبوب ميلاتونين لعلاج الأرق. بل ثمة مؤشرات جادة على تأثيرات عكسية وسلبية على نوم الإنسان بتناول الحبوب تلك. ومؤشرات أخرى على آثار سلبية لدى النساء، وبعض الرجال، في الوظائف الجنسية والخصوبة.
وثمة أحد الأدوية المنومة، ويُدعى «روزيريم» Rozerem، الذي تم تصميمه للعمل على المناطق الدماغية التي يعمل هرمون ميلاتونين عليها بالأصل، وخاصة مراكز النوم في الدماغ. والميزة الأهم في هذا العلاج هو ندرة حصول آثار جانبية لاستخدامه، ولا يُسبب التوقف عن تناوله بتلك التأثيرات المتخلفة للـ«هانغ أوفر».
وبالرغم من مدح بعض المصادر الطبية له، إلا أن إدارة الغذاء والدواء الأميركية لا تزال تضعه ضمن قائمة الأدوية المنومة ذات التأثيرات غير المعتادة على سلوكيات متناوليه.
أسباب تردد الأطباء في وصف الحبوب المنومة
الحبوب المنومة «المثالية»، والتي يطمح الأطباء إلى توفيرها للمعانين من الأرق، هي ما يُمكنها أن تعطي مُتناولها نوماً مريحاً وطبيعياً، ولا تتسبب بأي مشاكل أو تداعيات صحية. ولكن للأسف لا توجد هذه الأدوية، وبهذه الصفات، حتى اليوم.
ونسيان طعم النوم الطبيعي هو السبب الذي لا يراه الكثيرون وراء لجوئهم إلى تناول الحبوب المنومة واعتمادهم عليها كحل وحيد لمشكلة الأرق. ونتيجة لذلك النسيان والحرمان، استبدلوا نوماً جديداً ومُصطنعاً بالنوم الطبيعي الفطري. وما يجعل من الصعب على الأطباء وصف الحبوب المنومة بسهولة لأي إنسان، أمور عدة، أهمها أن نوعية النوم الذي ينتج عن تناول ما هو متوفر من حبوب منومة، تختلف عن تلك النوعية الطبيعية من النوم.
والنوم ليس غيبوبة عن الوعي، بل هو مرحلة حياتية يومية ينشط الجسم فيها. وبكلام أكثر وضوحاً، تتم في النوم عمليات كيميائية حيوية وأنشطة في أعضاء شتى من الجسم. وليس المقصود فقط نشاط الجهاز العصبي وعمل أجزاء الدماغ على ترتيب البيت الداخلي فيه، بل هي الغدد الصماء والكبد وغيرهما. وإلا لماذا يُفرز هرمون النمو كدفقات خلال النوم، ولماذا ترتفع الإصابات بالسكري والسمنة لدى منْ ينامون ساعات قليلة وفي خارج وقت الليل، وغير هذا من الأسئلة.
والنوم كما هو معلوم ذو مراحل خمسة، تتكرر عدة مرات خلال الليلة الواحدة. منها ما هو سطحي ومنها ما هو عميق،ومنها ما له علاقة بالأحلام، ومنها ما لا علاقة له بها. والحبوب المنومة، كما يقول الدكتور دونا أراند، المدير الإكلينيكي لمركز كيترنغ لاضطرابات النوم في أوهايو، تُغير في «أسلوب بناء النوم» «sleep architecture». وتحديداً يُشير إلى تأثير الحبوب المنومة على تقصير مراحل معينة من النوم، وخاصة المرحلة الثالثة والرابعة، وهما الأهم في مراحل النوم من ناحية العمق والراحة.
هذا من جانب، ومن جانب اخر هناك تلك «التأثيرات الجانبية» side effects و «التأثيرات المتخلفة» hangover effects عن استعمالها، والتي تظهر في مرحلة ما بعد استخدامها للنوم، مثل النعاس، الذي يُعيق عن مهارة ودقة القيام بالمهام، كقيادة السيارة أو تشغيل الآلات أو الاستيعاب في التعليم أو غيرها من الأنشطة الوظيفية أو العملية. ولكن قبل الصباح، هناك في الليل ذاك التشويش الذهني والارتباك وثقل الحركة الذي يغلب على متناول الحبوب المنومة. وهو ما قد يتسبب بحالات السقوط أو التعثر أو اختلال التوازن، وخاصة لدى كبار السن. وثمة دراسات طبية أكدت ارتفاع معدل الإصابات بكسور الورك لدى متناولي تلك الحبوب المنومة.
وحينما يتم تناول الحبوب المنومة بشكل يومي، فإن الجسم سيتعود عليها، وبالتالي تفقد فاعليتها وتأثيرها في جلب النوم. ولذا يُلاحظ الأطباء لجوء هؤلاء الأشخاص إلى زيادة كمية الجرعة، أو إلى تغيير نوعية الدواء المنوم.
والأمر ليس خفياً، بل تشير المصادر الطبية إلى أن الاستخدام المتواصل بشكل يومي لفترة تتراوح ما بين 3 إلى 14 يوما، يؤدي بالجسم إلى حالة التعود على تلك النوعية والكمية من العقار المنوم. وإذا ما أضفنا إلى ما تقدم أن حالة من الاعتماد، الإدمان dependent) (addicted، النفسي والبدني، تنشأ جراء تناول أنواع «بينزودايازيبين» وأنواع «أدوية زدْ». وهو ما يتبعه ارتفاع احتمالات المعاناة من حالات تأثيرات الانسحاب على الجسم نتيجة للتوقف المفاجئ عن الاستمرار في تناولها.
هذه بعض من الأسباب التي تجعل من الصعب على الأطباء تسهيل وتوفير تلك الحبوب «كيفما اتفق» و«متى شاء» و«متى ما اشتهى».