المهندس أمجد قاسم
واكب التقدم الصناعي والتكنولوجي انتشار مئات المركبات الكيماوية في شتى المنتجات الصناعية ، والتي أصبحنا نعتمد عليها بشكل كبير في حياتنا اليومية ، كالمنظفات الكيميائية والمعقمات ومستحضرات التجميل والمواد الحافظة والدهانات والمنتجات البلاستيكية وملطفات الجو ومبيدات الحشرات وغيرها الكثير من المنتجات والتي أصبحت عنوانا للحضارة والتقدم والرقي والرفاهية .
والكثير من هذه المنتجات الكيميائية التي أصبحنا نعتمد عليها بشكل كبير في حياتنا اليومية ، تحتوي على طائفة كبيرة من المركبات والعناصر الكيميائية ، التي قد يشكل بعضها خطرا حقيقيا على صحة وسلامة من يتعرض لها ، وخصوصا أن الكثير من هذه المركبات والعناصر تمتلك خواصا سمية وخواصا تراكمية تؤثر على أجهزة جسم الإنسان خلال فترات زمنية طويلة .
ومخاطر مثل هذه المركبات والعناصر الكيميائية السامة لا تقتصر على عضو محدد في جسم الإنسان ، بل تطال كافة أجهزة جسم الإنسان الحيوية ، إلا أن خصوصية وحساسية الكليتين في جسم الإنسان تجعلاهما في طليعة أجهزة الجسم التي قد تصاب بالتلف والدمار بحيث يصعب عندها إصلاح مثل هذا الضرر الخطير.
وتدخل هذه المركبات إلى الجسم بعدة طرق ، فقد يكون ذلك عن طريق الجهاز التنفسي بسبب استنشاق هواء ملوثا بهذه العناصر والمركبات أو قد يكون عن طريق الجلد في حال ملامستنا لمثل هذه المواد ، أيضا يمكن أن تصل هذه المركبات إلى داخل جسم الإنسان عن طريق طعامه وشرابه ، فيحدث حالة تسمم للإنسان المصاب وتظهر عليه أعراض مرضية خطيرة وذلك في حال تعرضه لجرعة عالية من هذه السموم ، وقد لا تظهر عليه أي أعراض في حال تعرضه لجرعات قليلة خلال فترة زمنية قد تكون قصيرة أو طويلة ، ولكن مع تقدم العمر فإن مثل هذه المركبات والتي يتم تخزين الكثير منها داخل جسم الإنسان ، فيحدث عندها ضعف حاد في جسم الإنسان وتجعله عرضة للمرض وتمهد الطريق أمام ظهور بعض الأمراض القاتلة .
إن معرفتنا الدقيقة بطبيعة المنتجات الصناعية التي نتداولها يوميا ، وقارئتنا لبطاقات التعريف المثبتة عليها واتخاذنا لبعض الإجراءات الوقائية البسيطة ، والتي قد تكون كفيلة بأن تجنبنا مخاطرها سواء على المدى الزمني القصير أو الطويل .
لقد بينت الدراسات الكيميائية الطبية أن جسم الإنسان يمتلك قدرة عجيبة على إصلاح الخلل الذي يعتريه نتيجة تعرضه لبعض السموم الكيميائية الخطيرة ، ولكن هذه القدرة الإصلاحية الذاتية لا يمكن لها أن تنجح في حال التعرض لجرعات عالية من هذه السموم أو في حال التعرض لبعض المركبات والعناصر الكيميائية الخطيرة للغاية ، وخصوصا أن الكثير من هذه المعالجة الكيميائية الذاتية تتم داخل الكليتين في الجسم ، وأن اكثر من يتضرر هم الأطفال بسبب حساسية الكلى لديهم وكذلك كبار السن حيث أن الكليتين لدى من هم فوق 35 سنة تشهد تراجعا وضمورا قد يصل إلى 30 % عما كان عليه الحال قبل ذلك السن .
ومن أهم واخطر هذه المركبات والعناصر الكيميائية نذكر ما يلي :-
حامض الأوكساليك Oxalic acid
يستخدم هذا الحامض في مواد التنظيف المنزلية ، كما يدخل في صناعة بعض مستحضرات التجميل كمراهم إزالة الكلف عن الوجه والجلد ، وبعض مواد التجميل الأخرى وخصوصا المواد المخصصة للعناية بالبشرة ، وينصح بتجنب استخدام المستحضرات أو المنتجات التي تحتوي عليه ، وقراءة الملصقات والنشرات المرافقة لتلك المواد والتي تبين التركيب الكيميائي لها .
عنصر الكادميوم
يستعمل هذا العنصر في صناعة إطارات السيارات ، كما يدخل في صناعة كل من مبيدات الحشرات والبلاستيك والدهانات وبعض مواد التنظيف ، ويشكل الكادميوم خطرا حقيقيا على صحة الإنسان عند التعرض لتراكيز عالية منه ، ويمكن اتباع الاحتياطات التالية :-
1. عدم استعمال الدهانات والأصباغ والسيراميك التي تحتوي على هذا العنصر.
2. تجنب استخدام أدوات المطبخ التي تحتوي على مركبات الكادميوم .
3. التوقف التام عن التدخين ، وتجنب استنشاق دخان السجائر حيث وجد أن عنصر الكادميوم يدخل في تركيب هذا الدخان الضار بصحة الأفراد .
4. الامتناع التام عن تناول الخضراوات التي تسقى بمياه الصرف الصحي المعالجة في المدن .
رابع كلوريد الكربون
هو عبارة عن سائل شفاف لا لون له ، ورائحته تشبه الايثر ، وقد استخدم رابع كلوريد الكربون سابقا كمذيب عضوي وفي صناعة بعض المنظفات المنزلية والدهانات والأصباغ ، وقد تم التوقف عن استخدامه خلال السنوات القليلة الماضية بعد أن تبين مدى خطورته وسميته على الإنسان ، وينصح هنا بإتلاف جميع تلك المنظفات المنزلية والدهانات التي يدخل في تكوينها هذا المركب وذلك عن طريق الطمر في أماكن نائية ومخصصة لتلك الغاية.
الكلوروفورم
مذيب عضوي شائع الاستعمال في كافة المختبرات العلمية ، ويتميز برائحة العطرية ومذاقه الحلو ، يدخل في صناعة بعض المستحضرات الطبية كشراب علاج السعال وبعض معاجين الأسنان والغراء ، كما يمكن أن يتكون أثناء عملية تعقيم مياه الشرب بالكلور ، ويمكن تفادي التعرض لهذا المركب عن طريق تهوية مياه الشرب المكلورة ، أو تسخينها قبل شربها ، حيث ينطلق ويتصاعد هذا المركب عند ارتفاع درجة حرارة المياه ، كما ينصح بتركيب مرشح كربوني ( فلتر) على صنابير مياه الشرب ومياه الطهي ، لإزالة هذا المركب وغيره من المركبات الكيميائية التي يمكن أن توجد في المياه المنزلية.
رباعي كلورو ايثلين
يستعمل هذا المركب كمزيل للصدأ وفي صناعة مواد التنظيف والدهانات ومواد تنظيف السجاد وفي صناعة مواد التنظيف الجاف Dry Cleaning ، حيث أثبت رباعي كلورو ايثيلين قدرة مميزة على إزالة البقع والأوساخ عن الملابس ، ويمكن اتباع بعض الاحتياطات البسيطة لتفادي التعرض له ، كتهوية الملابس التي يتم إحضارها من محلات التنظيف الجاف لست ساعات على الأقل ، وتكون هذه التهوية خارج المنزل ، أيضا يفضل عدم استعمال الأغطية والملاءات التي نظفت وعولجت بمواد التنظيف الجاف قبل انقضاء عدة أيام على تنظيفها مع التأكيد أيضا على تهويتها خارج المنزل.
ايثلين جليكول
يدخل هذا المركب بشكل رئيس في صناعة مياه تبريد محركات السيارات ( الروديتر) وفي سوائل مكابح السيارات وفي بعض مستحضرات التجميل النسائية ذات القوام الكريمي.
ويعتبر ايثلين جليكول من المركبات الخطيرة على صحة الإنسان وخصوصا على الكليتين ، لذلك ينبغي تجنب استعمال كافة المواد والمركبات والمستحضرات التي تحتوي عليه ، أيضا ينبغي غسيل الأيدي في حال ملامستها لسائل التبريد في السيارة ، مع التأكيد وبشكل قاطع على منع الأطفال من تذوق كافة مستحضرات التجميل ومواد التنظيف.
مركبات الديوكسين Dioxin
الديوكسين مصطلح يطلق على مجموعة كبيرة من المتناظرات الكيميائية Isomers والتي تتكون من حلقتي بنزين ترتبطان بذرتي أكسجين ويبلغ عددها حوالي 419 مركبا كيميائيا ، وتشتمل هذه العائلة على مجموعة كبيرة من المركبات مثل (PCDFS) و ( PCDDS ) (PCBS) و ( TCDD) ، وجميعها خطيرة وسامة وتمتلك فترة استقرار كبيرة قد تصل إلى أكثر من سبع سنوات .
وتتعدد مصادر هذه المركبات ، فهي تتشكل خلال العمليات الصناعية الكيميائية وخصوصا في صناعة المواد العضوية ، كذلك تتكون خلال حرق الغابات والنفايات الصلبة والفحم والوقود الأحفوري.
وتجدر الإشارة هنا ، أن تركيز هذه المركبات يزداد داخل المدن جراء تلوث الهواء بغازات وأبخرة عوادم السيارات كما لوحظ وجود تراكيز عالية من هذه المركبات في النباتات وثمارها التي تنمو بالقرب من المناطق الصناعية الملوثة وأيضا بالقرب من طرق النقل السريعة.
إن التعامل مع مثل هذه المركبات المدمرة لصحة الإنسان ، يتطلب أكبر درجات الوعي والانتباه ويكون ذلك من خلال مراقبة مستويات التلوث في المدن والمناطق الصناعية ، وتجنب رش الخضراوات والأشجار بالمواد الكيميائية التي تحتوي على أحد مركبات الديوكسين ، أيضا ينبغي عدم زرع المحاصيل الزراعية في المناطق التي تحرق فيها القمامة أو بالقرب من طرق النقل والمواصلات العامة ، أيضا يجب التأكد من خلو أعلاف الحيوانات من مركبات الديوكسين ، وينصح هنا بضرورة التخلص وإزالة الدهون الموجودة في اللحوم ، وطهي الطعام بشكل جيد.
إن تعاملنا اليومي الحذر مع كافة المركبات الكيميائية ، ومع كافة المنتجات الصناعية المختلفة ، سوف يجنبنا مخاطر التلوث الكيميائي وسوف يحمي أجسادنا وكافة أجهزة جسمنا من مخاطرها وشرورها المدمرة.
المراجع:
· المجلة العربية http://www.arabicmagazine.com
· مجلة الفيصل العلمية ، المجلد الأول ، العدد الثاني ، التسمم بالديوكسين خطر يهدد حياة الإنسان ، المهندس أمجد قاسم .
· Maltoni , C. and Setikoff , I.J 1988 Living in Chemical World .