الاقتصاد والعمل المدني عنوان هذا العرض، وما سأحاوله في الوقت المتاح هو تبيان وجه الترافد بينهما في المسعى الوطني لأجل تحقيق تنمية إنسانية شاملة، ضمن مناخ وطني متوائم مستقر. وما قد يفوتني ذكره - وأحسب أن يكون منه كثير - فأرجو أن أستدركه، أو بعضه، في الحوار ما بعد العرض.
لألاحظ ابتداء أن الاقتصاد في صميمه عمل مدني، وهو أيضا يمكن أن يكون ممكنا ومنميا لأصناف عديدة من العمل المدني. هو نشاط متعدد الأبعاد، متنوع المجالات، متطورالمناهج والوسائل.
بتعبير آخر، الاقتصاد نشاط أم: بمعنى أنه حراك إنساني دائب يستوعب كافة نشاطات الناس بمختلف مهاراتهم ومبادراتهم وإبداعاتهم، الفردية منها والجماعية، فلنكاد لا نرى سعيا بشريا في أيما مجال حياتي إلا ويحدوه أو يداخله حافز اقتصادي. ذلك أن بالاقتصاد يرتبط وثيقا أمر المعاش، من خلاله تيسر الأرزاق، تسد الحاجات، تحقق المقاصد.
من بعد ذلك، بالاقتصاد الناجح توفر استحقاقات إنسانية حيوية، كالصحة والتعليم والتكافل الاجتماعي وسائر ضرورات الحياة. أيضا، بالاقتصاد الناجح يوطد الاستقرار الوطني، ينظم الشأن السياسي، تبنى للأوطان قدرات الدفاع، وتنمى فيها قابليات التقدم المعرفي.
الاقتصاد، إذن، مولد الثروة، منمي القوة، صائن الاستقرار ورافع شأن الأمم في تدافعها الحضاري. آية ذلك: عندما نريد أن نقيم شأن أيما دولة في العالم المعاصر ننظر لناتجها المحلي الإجمالي: أي لحجم ما ينتجه قاطنوها، مواطنون ووافدون، سنويا، من سلع وخدمات منجزة. في الحاضر، مثلا، يرصد العالم حثيثا معدل النمو الاقتصادي لكل من الصين والهند من خلال تصاعد الناتج المحلي الإجمالي لكل منهما بمعدل متفوق، مع توقع استمرار ذلك في المستقبل المنظور. بذلك، يزداد التوقع العالمي بتبوء هاتين الدولتين موقعا متصدرا بين الدول منتصف هذا القرن، أو على الأرجح قبل ذلك، وبهذا الترقب نرى دولا تبادر منذ اليوم إلى تأمين مستقبل علاقاتها مع هاتين العملاقتين الآسيويتين في إطار تعاوني مريح.
بالمنطق نفسه، لكن في نسق سلبي، عندما نريد أن نقيم شأن العالم العربي من خلال وضعه الاقتصادي، نصدم بواقع يقول أن ناتجنا المحلي الإجمالي – ناتج اثنتين وعشرين دولة بتعداد يزيد على ثلاثمائة مليون فرد، ورغم الدخول النفطية الخيالية لبعض دولنا – هو دون الناتج المحلي الإجمالي لدولة أروبية واحدة، مثلا، اسبانيا، التي تعدادها أربعون مليونا، وهي بعد ذلك، اقتصاديا، ليست إلا دولة وسطا بين جاراتها الأوروبيات.
ما النموذج الاقتصادي الأمثل في عالم اليوم؟ مع مطلع القرن المنصرم برز مذهبان رئيسان نظّر لكل منهما أصحابه ونظمت وفق مقررات كل منهما اقتصاداتَها دولُ متخاصمة أيديولوجيا في الشرق والغرب. في الشرق ساد المذهب الاشتراكي ذو المرجعية الماركسية الزاعمة تفوق الاشتراكية على الرأسمالية، أكان في تحقيق زيادة الانتاج أو تطبيق عدالة التوزيع. في الغرب ساد النظام الرأسمالي ذو المرجعية الموصولة بآدم سميث وكتابه "ثروة الأمم،"، الزاعمة خلاف ذلك. من أهم عناصر الاشتراكية كان إلغاء الملكية الفردية، اعتماد التخطيط المركزي، وفرض هيمنة الدولة على كافة الفعاليات الاقتصادية. من أهم عناصر الرأسمالية، في المقابل، كان الإدارة اللامركزية، إطلاق التنافس، وترك القرارات الاقتصادية في جلها بأيدي أصحاب الأعمال الحرة.
مع نهاية الثمانينات، بعد سبعين عاما من الثورة الشيوعية في روسيا، تفكك الاتحاد السوفيتي، المعقل الاشتراكي الأول، وبتفككه تفكك الاقتصاد الاشتراكي وخرجت منه أوروبا قاطبة إلى اقتصاد السوق المتكون حديثا وتدريجيا من تزويج بين عناصر رأسمالية وأخرى اشتراكية. كذا المعقل الاشتراكي الآخر، الصين: هي أيضا بعد عقود من تطبيقات اشتراكية صارمة، تحولت إلى نظام السوق. فلسفة هيجل الديلكتيكية (1770-1831) القائلة بفكرة تولد نقيضها ثم من جدليتهما تتولد فكرة وسط تجد أوضح تحقيق لها في منشأ اقتصاد السوق كمذهب وسط بين الرأسمالية والاشتراكية.
ما أحبط الاشتراكية كان تقييدها الحريات، تعطيلها الحافز الفردي، وإلغاؤها العمل المدني. في المقابل، ما أحبط الرأسمالية كان إطلاقها العنان لأصحاب المال في جني أرباح فاحشة على حساب استحقاقات العدالة الاجتماعية. ما أمكن تبلور اقتصاد السوق كان الوعي بضرورة إيجاد نهج وسط: نهج أكثر توازنا، أكثر إنصافا، وأكثر إمكانا من تحقيق تنمية إنسانية شاملة، في مناخ وطني متوائم مستقر.
هنا نلمس علاقة التلازم بين الاقتصاد الناجح والعمل المدني. فحيث عطل العمل المدني طويلا وعزل الاقتصاد عنه باستيلاء الدولة على مجمل النشاط الاقتصادي، كما حصل في الاتحاد السوفياتي، تراجع الاقتصاد حتى قارب الانهيار. تصحيح ذلك حدا بآخر رئيس سوفياتي - ميخائيل غوربشيف - أن يتبنى ال بيريسترويكا perestroika، أو إعادة البناء - restructuring - في اتجاه اقتصاد السوق. لكن الأمور فلتت من يده عندما تسرع في الوقت نفسه (1985-86) في الانفتاح السياسي الإعلامي على الغرب من بعد انغلاق مديد، وهو التوجه الذي سمي ب جلاسنوست glasnost والذي عجل سقوط الاتحاد السوفياتي ككيان اشتراكي جامع رائد.
في الغرب حصل التنبه في وقت أبكر للحاجة إلى ترشيد الاقتصاد الرأسمالي بربطه بالعمل المدني، لذا سووي في العشرينات من القرن الماضي وضع المرأة بالرجل في الحقوق السياسية والمدنية، وتباعا سوويت حقوق جميع المواطنين. وعلى امتداد القرن العشرين ترك المجال مفتوحا أمام هيئات المجتمع المدني غير الربحية لتنهض وتنشط، في الغالب بدعم من المؤسسات الربحية في القطاع الخاص. نتيجة ذلك، مع تنامي الاقتصاد الربحي، تنامت الأعمال المدنية الخيرية كرافد مكمل للبناء الاقتصادي الوطني، متخذة أشكالا متعددة، كالتبرع بمكتبات ومبان للجامعات، إقامة أجنحة في المستشفيات، إنشاء معاهد علمية، تنظيم هيئات للإغاثة والإعاشة، وتكوين جمعيات فكرية وأخرى أدبية ذات مقاصد اجتماعية تثقيفية متعددة.
اليوم لا يفوت الزائرين للعالم الغربي ملاحظة انتشار هذه المعالم الخيرية وسط مختلف مرافق الحياة وهي تحمل أسماء من تبرعوا بها أو أسماء من أراد المتبرعون تخليد ذكراهم بمثل هذه التبرعات. كما شرعت تشريعات عمالية مرشَدة، وأخرى حامية للمستهلكين من استغلال وغبن، وأخرى رقابية حازمة ضد الاحتيال والاحتكار، بحيث طوعت هذه التشريعاتُ مجتمعةً الرأسماليةَ لاستحقاقات اقتصاد السوق. وما كان كل ذلك ليحدث لولا التحدي الضاغط على النظام الرأسمالي، الآتي من المنافس الاشتراكي.
اقتصاد السوق، إذن، هو ما يعمل جل العالم به اليوم، وإن كان مع تفاوت بين دولة وأخرى في موازنة العوامل المحفزة للنمو الاقتصادي مقابل عوامل تأمين عدالة التوزيع. مع ذلك، النموذج المثالي المنشود للاقتصاد الوطني عالميا اليوم هو ذلك الذي يحقق نموا مطردا في الإنتاج مقترنا بتحقيق أوفي موازين العدالة في التوزيع. بمعنى آخر، الاقتصاد الأمثل اليوم هو ذلك الجامع بين شحذ الحافز الفردي من جانب وتأكيد الواجب الاجتماعي من الجانب الآخر، بين إطلاق الطموح الشخصي من جانب، وإحكام الانضباط الخلقي من الجانب الآخر، بين إتاحة فرص تحقيق المصالح الخاصة من جانب، ومراعاة استحقاقات المصلحة العامة من الجانب الآخر – وذلك في عموم المعاملات الجارية في الحراك الاقتصادي، دونما ضرر أو ضرار.
"لا ضرر ولا ضرار" قاعدة فقهية تعني أن المعاملات بين الناس ينبغي أن تخلو من تضرر أو إضرار بالآخر: بمعنى أن لا يكون ربح طرف في معاملة ما حكماً خسارةَ طرف مقابل. ذلك أن المعاملات الأعمَ نفعا بين الناس والأجدى في خدمة الاقتصاد الوطني ككل هي تلك التي يكسب منها جميع الفرقاء، وإن أتى الكسب بمقادير متفاوتة بينهم. من وجه آخر، لا يمكن تصور مصلحة حقيقية لأي مواطن في أيما معاملة تتنافى معطياتها مع استحقاقات الصالح العام. ذلك أن في التحليل الأخير لا يكون للمرء مكسب حقيقي في معاملة فيها خسارة أو غبن لمجتمعه. بتغييب إدراك هذا الترابط العضوي بين المصلحة الخاصة والصالح العام نخاطر بالانزلاق إلى التوهم أن بإمكاننا تحقيق عيش كريم في واحة مترفة وسط محيط فقير. حري بنا أن لا ننزلق إلى مثل هذا الوهم، أن لا نغفل عن حقيقة أن لا انفصام في الجوهر بين المصلحة الخاصة والصالح العام.
كما أسلفت، في الحراك الوطني، وفق نموذج اقتصاد السوق، مساحة للعمل التجاري الربحي ومساحة للعمل التطوعي غير الربحي، وكلاهما عمل اقتصادي مدني، لكون كل منهما صابا عائده في الناتج المحلي الإجمالي في المؤدى الأخير. العمل التجاري يمارس من قبل أفراد ومؤسسات يحدوهم عامل الربح. العمل الخيري يؤدى من أفراد ومؤسسات في إطار تطوع مدفوع بحافز الإسهام في أمور يهتم لها المتطوعون. في غالب الحال نرى نفس الأفراد والمؤسسات ناشطين في الحقلين، بل في غالب الحال أيضا نرى استطاعة الإسهام الخيري نتاجا مرادفا للنجاح في الحقل التجاري. هذه ظاهرة صحية وبقدر ما تنمو في المجتمعات وتشيع تساعد في تعزيز الوئام الوطني والتلاحم الاجتماعي، وفي تطوير نوعية الحياة العامة طردا للأحسن. من وجه آخر، بما أن كلا النشاطين الربحي وغير الربحي يصبان نتاجهما في الاقتصاد الوطني، فإن من كليهما تلقائيا ينتج عائد حميد لصالح الأخر، الأمر الذي ينبغي أن يدرك جيدا من الجهتين فيساعد على إنماء تفاعل إيجابي بينهما أكثر فأكثر.
بقي أن نتعرف بإيجاز على طبيعة هيئات المجتمع المدني ونشاطاتها التطوعية في معظم مجتمعات هذا العصر. هي عرفت ابتداء، ولا تزال تعرف مرارا، بالهيئات غير الحكومية. هذه تسمية وردت أصلا في ميثاق الأمم المتحدة عام 1945 حيث نصت المادة 71 على دور استشاري لهيئات لا هي حكومية ولا هي أعضاء في الأمم المتحدة، كونها تنشط خارج الأطر الرسمية وتعمل باجتهاد مستقل. أما تعريف "هيئة دولية غير حكومية" فقد ورد في قرار منظمة إكوسوك عام 1950 بمعنى أيما هيئة دولية غير مؤسسة بمعاهدة دولية. جدير بالذكر هنا أيضا تعريف الأمين العام للأمم المتحدة السابق، السيد كوفي عنان، لدور هيئات المجتمع المدني أنه ليس دورا تابعا للحكومات أو ملحقا بالمنظمات الدولية، بل هو دور شريك في بناء السلام العالمي والوفاق الوطني وفي دفع جهود التنمية، مثمنا جذرية هذا الدور في صياغة خبرة إنسانية موحدة مستقبلا، بقوله: إن هيئات المجتمع المدني بدأت تمهد الطريق نحو مجتمع مدني عالمي.
في جميع الأحوال هيئات المجتمع المدني هيئات غير ربحية، تحقق معظم تمويلها من رسوم العضوية، من بيع سلع وخدمات عملية واستشارية، من إقامة مناسبات لجمع التبرعات، ومن هبات خاصة تدر عليها من أشخاص أو مؤسسات مناصرين لما تقوم به من نشاطات. ومع أنها في بعض الحالات أيضا تتلقى منحا من حكومات وطنية ترى في نشاطات هذه الهيئات ما يتسق مع اهتماماتها ويترادف مع توجهاتها بشكل عام، إلا أن ذلك يجري وفق تعامل مهني بحت لا يمس استقلالية الهيئات المدنية. كذا الأمر بالنسبة لمنظمات دولية تثمن عمل هذه الهيئات فتقدم لها منحا مقابل إنجاز مشاريع محددة. أما من حيث وضعها القانوني، فهيئات المجتمع المدني في الشرع الدولي لا تتمتع بصفة كيانات قانونية كالتي تمتع بها الدول التي هي تنشأ فيها وتنشط.
من جانب آخر، تنقسم هيئات المجتمع المدني إلى هيئات وطنية وأخرى دولية. تقرير للأمم المتحدة عام 1995 قدر عدد الهيئات الدولية بتسع وعشرين ألف هيئة، وهي اليوم لا شك أكثر بكثير من ذلك. أما على الصعيد الوطني فالأعداد أكبر: في الولايات المتحدة وحدها هي تعد بعدة ملايين، بمثل ذلك تعد في الهند، كما وأن أعدادها آخذة في التكاثر طردا في سائر الدول. إجمالا، لا يخلو بلد من هيئات غير حكومية تعنى بمختلف شؤون العصر. أبرز إنجازاتها سحلت حتى الآن في مجالات الإغاثة والتنمية والبيئة، إلا أن عملها في مجالات الإصلاح السياسي، حقوق الإنسان، المساواة بين الذكور والإناث، ودعم السلام والتعايش والتعاون عن طريق الحوار قد تنشط بشكل ملحوظ في العقود الأخيرة.
في تبرير الحاجة لوجود هيئات المجتمع المدني تساق الحجة أن مشكلات هذا العصر آخذة في التشعب والتعقيد باطراد، لذا معالجاتها تتطلب حراكا اجتهاديا موسعا ومعمقا على الصعيد الوطني ككل. مثل هذا الاجتهاد الموسع والمعمق لا ينبغي أن يركن لنظر الحكومات وحدها، بل أن يردف بإسهامات هيئات المجتمع المدني، من كل هيئة في مجال تركيزها، لكي ينتج عن ذلك اجتهاد وطني أوفى وأرشد.
أخيرا، في مجال التحاور بين هيئات المجتمع المدني والحكومات مهم جدا بناء بواعث ثقة متبادلة، بل وإلفة شخصية بين المتحاورين. ينجز هذا باتباع منهاج حواري ودي منضبط ومنظم، ومن منطلق الإحساس بمسؤولية وطنية مشتركة في صيانة الوفاق الوطني وخدمة الصالح العام. مهم أيضا اختيار أشخاص مناسبين للتحاور ممن يتحلون برحابة الصدر، عرض النظر، وكفاية المعرفة بأمور وإمكانات هذا العصر. مهم أيضا تجنب التطرف في الموقف والتشنج في الخطاب، وعدم الاستخفاف باهتمامات الطرف الآخر ووجهات نظره.
تجاه هيئات المجتمع المدني، الممثلة للشق غير الربحي ضمن الاقتصاد الوطني ككل، لا القطاعات التجارية ولا الحكومات ينبغي أن تنظر بتحفظ أو ارتياب. ذلك أن هيئات المجتمع المدني لا تنصب نفسها خصما لهذه أو تلك، ولا تتصرف كمنافس لأيهما، وهي بالتأكيد لا تعرض نفسها كبديل عن الحكومات في تقرير الشأن الوطني وإدارته. ذلك أنها لا تمتلك شرعية التمثيل ولا أهلية التفرير والتدبير. دورها بالأحرى هو المشاركة في العمل الوطني بوسائل البحث والتثقيف وتبيان الخيارات وتقديم المشورة. حتى حيث هي تنتقد أو تعترض، فذلك من رؤية موضوعية تنشد تصويب الاجتهاد الوطني وبلورة سياسات أرجح وحلول أوفق للقضايا الوطنية والإنسانية، كل هيئة من رصيد ما تمتلك من معرفة وخبرة في مجالها الخاص.
ما يشفع لنشاطاطها ويولد قبولا شعبيا عبر العالم لها في أداء هذا الدور الحيوي كونها مؤسسات غير ربحية تعمل بمعزل عن دوافع مصلحية شخصية، وكونها تعمل بشفافية تجعل جميع معاملاتها مكشوفة للتمحيص وعرضة للمساءلة في أي وقت، أكان من قبل المواطنين أو الحكومات. في المؤدى الأخير، طالما أن الهدف الوطني هو النهوض بتنمية إنسانية جامعة، فالأمثل وضوحا أن تترافد في تحقيقها، تحت إشراف حكومي مقنن، نشاطات المؤسسات الربحية وأعمال الهيئات غير الربحية في نسق متعاضد.
ختاما، لعلي أتوقف قليلا عند مصطلح الاقتصاد. هو لفظ قراني ترد مشتقاته في عدة مواقع، عموم دلالتها انتهاج مسلك معتدل في الحياة. على أن أدق دلالات هذا اللفظ قرآنيا تتبين لي في الآية الكريمة: ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا، فمنهم ظالم لنفسه، ومنهم مقتصد، ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله، ذلك هو الفضل الكبير. الظالم لنفسه، مع وفور استطاعته، ممتنع عن عمل الخير. المقتصد عامل للخير، لكن دون سعة إمكاناته. والأفضل منه فضلا كبيرا السابق بالخيرات. دعوة القرآن الكريم لنا وضوحا هي أن نزكي نشاطنا الاقتصادي بالسباق بالخيرات، وهو الوجه الذي تعكس جانبا منه هيئات المجتمع المدني العاملة على أساس تطوعي غير ربحي. في عبارة السباق بالخيرات أيضا معنى يجدر أن نلتفت له، وهو: أن لا ننتظر حتى نسأل، بل أن نبادر، أن نسبق، حيثما تظهر أمامنا حاجة، فردية أو جماعية، تستحق الوفاء، أو حيثما نتوقع نشوء حاجة. وضع الله بركم في مواضعه، وحباكم توفيقا به في جميع الأمور