يحكي هذا المريض قصته فيقول: في بداية زواجي كنت طالبا في الجامعة وكانت زوجتي تعمل ممرضة لدى طبيب مشهور وكان يعطي مرتبا شحيحا للعاملين معه بالرغم من أنهم محترفون!. وكنا نشعر بالرهبة منه لدرجة أننا لا نعبر عن مشاعرنا المهمة أو نخبره بما نريد. وفي خلال السنتين التي عملت فيها معه لم تتلق قرشا واحدا عن الوقت الإضافي في عملها معه. أما أنا فمنذ سنوات عديدة تلاشت مهابة الأطباء لدى. وبدأت أرى الأطباء كبشر، ولأنني مستمر في احترام من يقوم منهم بعمل جيد ويهتم بمرضاه توقفت عن معارضتهم، والآن فأنا أقلل لحد ما في طلب المعلومات والعلاج الذي استحقه منهم.
في شهر يوليو سنة 1993 أشار اختبار الدم الخاص بإفرازات البروستاتا النوعية الخاصة بي على وجود احتمالية وجود سرطان بالبروستاتا؛ فذهبت لطبيب استشاري في المسالك البولية والذي فحصني بجهاز الموجات فوق الصوتية، وأنا على سرير الكشف أظهرت الصورة الموجودة على شاشة الجهاز شيئا على شكل حبة "الفول السوداني" في منتصف البروستاتا فأخبرني الطبيب أنه ورم، وقال أنه يريد عمل تحليل أنسجة لهذا الورم وأن يأخذ عشر عينات بالمجسات الإبرية ليفحص غدة البروستاتا بأكملها، "وبما أننا متواجدون هنا فقد نقوم بهذا العمل الآن".
فوافقت وعندما انتهى من عمله قال لي عد يوم الأربعاء لتكون نتائج التحاليل قد ظهرت كان ذلك يوم السبت صباحا وكنت أنا وزوجتي وأبنائنا الثلاثة ذاهبين في عطلة لمدة أسبوعين في مكان يبعد خمس ساعات عن عيادة الطبيب فأخبرته بذلك، وطلبت منه أن يتصل بي هناك يوم الأربعاء لكنه لم يكن يرغب في ذلك!.
قال الطبيب: من عادتي عدم كشف نتائج تحاليل الأنسجة عبر الهاتف.
أنا: قد لا يكون ذلك هو تصرفك الطبيعي، ولكني أريدك أن تستثنيني من ذلك فأنا لا أريد أن أقضي يوماً من عطلتي في المواصلات ذهابا وإيابا.
الطبيب: لا أحب كشف النتائج عبر الهاتف خاصة عندما يكون هناك احتمال في نتائج سيئة.
أنا: أتفهم ممانعتك ولكن سواء كانت النتائج حسنة أم سيئة فأنا أريدك أن تتصل بي يوم الأربعاء أو الخميس.
الطبيب: لماذا لا ترتب مقابلتي حالما ترجع من أجازتك؟
أنا: لا، لا أريد أن أقلق بخصوص نتائج تلك العينات لمدة أسبوعين، أريدك أن تتصل بي تكرمت.
الطبيب: لن تصل النتائج حتى يوم الأربعاء حيث سأكون في غرفة العمليات.
أنا: أريدك أن تتصل بي بعد أن تنتهي من عملياتك، يوم الخميس القادم مثلاً.
الطبيب: أستطيع عمل ذلك.
أنا: شكرا لك، واسمح لي أن أعطيك رقم الهاتف في مكان إجازتي.
لقد اتصل بي ذلك الطبيب بالفعل يوم الخميس التالي في فترة مبكرة من بعد الظهر، و قال أنا متأسف أن أخبرك أن النتائج ليست جيدة كما كنت آمل، فشعرت بطعنة في معدتي!، فسأل هل تتذكر الورم الذي رأيناه على شاشة جهاز الموجات فوق الصوتية؟ فقلت نعم.
فاسترسل قائلا لا توجد مشكلة إنه ورم حميد عبارة عن كيس نسيجي متقيح، فشعرت بالهدوء للحظة، واستمر قائلا التقط مجسين من المجسات الإبرية ورم سرطاني أسفل الجانب الخلفي من غدة البروستاتا، وشعرت بالقلق ثانية، وقلت له ليست هذه هي النتائج التي كنت أريد أن أعرفها!.
فقال: صدقني ولا أنا!.
واتفقنا على أن أقابله عندما أرجع للمنزل لكي نتكلم عن الخيارات المطروحة أمامي ثم شكرته على اتصاله، وبعد أن وضعت سماعة الهاتف وقفت أنا وزوجتي بعض الوقت ونحن نرتجف بعض الشيء وغير قادرين على الكلام وأعيننا مليئة بالدموع، وبعدها قضينا أسبوعا مع الأولاد نتباحث فيما قال الطبيب، إنها تجربة كانت ستفوتنا لو لم أكن مصرا على فرضي الصحيح لإرادتي على ذلك الطبيب في الاتصال بي يوم الخميس!.
بعد ذلك بشهرين قام هذا الطبيب باستئصال البروستاتا وأظهرت نتائج الفحوصات، أن العملية أدت مهمتها بنجاح.
عندما أتحدث عن الإصرار فأنا لا أعني توبيخ من لا يتجاوبون مع أسئلتك أنا أقول: "عندما تسأل عن شيء معقول فمن الواجب عليك تجاه نفسك ألا تقبل الرفض على إنه هو: "الإجابة على سؤالك من أول مرة"؛ وذلك يتطلب منك البقاء مُركِّزاً على ما تريد، وأن تعكس لهم رأيك فيما تقول (وما يشعرون به)، وأن تكرر طلباتك "المعقولة" كلما لزم الأمر، ذلك بالطبع عندما نكرر على الآخرين ما نريد منهم؛ فهذا لا يعني أنهم سيعطونه لك ولكن سيعرفون شخصيتك على الأقل.
لن تضطر إلى الاستمرار في التساؤل عما إذا كنت ستحصل على ما تريد إذا طلبت ذلك أم لا، وبالإضافة لذلك ستستخدم هذا الرفض كنقطة انطلاق ومحاولة للانشغال باهتماماتك، وهذا في حد ذاته علامة على النضوج، وينضم إلى ذلك تعلم التعامل بطريقة مثمرة مع خيبة الأمل والإحباط، كل هذه الفوائد، والتي تجنيها من فرض إرادتك بطريقة صحيحة، هم وسائل في الرحلة تجاه النضوج، وهم أيضا دليل على أنك قد وصلت لهدفك إلى حد ما. وللأمانة يجب أن يُقال باستمرار: "إن الإصرار الصحيح على فرض إرادتك قد يسبب لك الإزعاج في حياتك".
طفل يفرض رأيه بصورة صحيحة
في عام 2002 كان لدى أحد زملائي مؤتمر صيفي في مونتريال بكندا، واتفق أن تذهب معه زوجته، وقد قررا أن يتركا طفلهما ذا الأربعة أعوام عند جده وجدته في مصر، وذلك بعد أن رحبا بتركه لديهما في الإسكندرية لمدة أسبوع (فهما متعلقان به جدا ولا يرونه كل عام إلا لأسابيع قليلة)، وطبعا لاقى هذا الولد الصغير من صنوف التدليل مع جديه ما لم يكن يحلم به، ولأن دور الأب البديل قد أسند إلى جده فقد قرر أن يكون نموذجا له في سلوك فرض الإرادة، (لم يحس جده ذلك عندما كانت أمه طفلة!، ولكن الجد قد طور مهاراته بمرور الوقت، وهو دارس سابق لعلم النفس والاجتماع).
وبمجرد أن بدأ هذا الطفل يعي كان جده يقول له جملا مثل: حان وقت العشاء أريدك أن تجمع ألعابك، وأريدك أن تسمع كلام جدتك، وكان هذا الولد يتجاوب أحيانا، وكان جده دائما ما يصفه للآخرين بأنه أكثر الأولاد الصغيرة روعة في العالم بأسره، وبالذات من قبيل قوة شخصيته!.
عندما كان عند جديه في ذلك الأسبوع، وفي صباح أحد الأيام (وهو وقت ليس بالمبكر، حوالي العاشرة صباحاً، حيث يكون فيه جده مُجهداً وشبه نائم بعد سهر طول الليل ثم صلاة الفجر)، فتح الحفيد باب الحجرة وقال "جدو": أريدك أن تأتي في الصالة لتصلح لي السيارة التي أحضرتها لي نانا (جدته) أمس، فقال أود ذلك يا بني ولكن بعد نصف ساعة، فاستدار الطفل وغادر الغرفة، وقال لجدته في الصالة: "بعد نصف ساعة قولي لي علشان أصحي جدو"، وأخذ يسأل جدته بالفعل حتى مر نصف ساعة، وعندئذ دخل على جده الغرفة مرة ثانية وجذبه من كمه وقال: "استيقظ يا جدو، أنهض ونفذ وعدك!، عيب اللي يخلف وعده!، قم وصلح لي السيارة كما وعدتني!".
ثم اتجه إلى رأس جده و قبله و هو يحدق في عينيه توسلا أن ينهض جده من فراشه مسرعا، ولم يجد الجد المسكين بُداً من النهوض من سريره، والتوجه فورا إلى الصالة لإصلاح سيارة حفيده المعطوبة، فمن الصعب على نفسية الجد أن يأخذ درسا آخر في أهمية الوفاء بالوعد ولو هو مجهد وتعبان، وممن؟! من حفيده!!.
والآن وأنا أستمع لتلك القصة من زميلي فكرت في نفسي قائلا: لقد أحسن والداه وجده تعليمه دواء فرض الإصرار بصورة صحيحة ولطيفة ولبقة على الآخرين، واللذان كثيرا ما ذاقا منه، وبالذات إذا وعداه بعمل شيء ما له في المستقبل، فعلى هذين الوالدين أن يكونا حادا الذاكرة في تنفيذ هذا الشيء وفي الموعد المُحدد له، وإلا سيكونان فاقدين للمصداقية ومضيعان للوعد والعهد مع هذا الطفل المؤكد لذاته، وهو ما لا يرغبان فيه أبداً، لقد أصبح لدى هذا الطفل الآن القدرة على أن يقول لوالديه بصراحة: "إن خلف الوعد والعهد من الصفات السيئة!".
أطلب من الآخرين أن يقولوا ما يريدونه منك
يعاني بعض الأشخاص المهذبين من مشكلة خاصة في التعبير عن رغباتهم إذا رأوا أن الآخرين يرهبونهم، والأفضل أن يشجعوا الآخرين على التحدث بصراحة إليهم، ويمكنهم أن يقولوا لهم: مشاعركم تهمنا مع التأكيد لهم أنك ستهتم بمطالبهم، ثم استمع لهم بذهن وعقل مفتوح، نعم قد يطلبون أشياء لا تريد أن تعطيها لهم، أو أنهم ليس لهم الحق في المطالبة بها، ولكن إذا رأيت أن مطالبهم غير سليمة أو غير مشروعة أو تعتقد أنها غير عادلة أو زائدة عن الحد يمكنك أن تقول لهم: أنا آسف أنتم تطلبون كثيرا مني وأنا لن أعطيها لكم، فحتى عندما تخذلهم فأنت تستطيع أن تعبر عن أنك تقدر صراحتهم في إخبارك بما يريدون، وفي أي وقت تشعر أنهم يجدون صعوبة في التعبير عن رغباتهم، فيمكنك القول أعرف أنه ليس من السهل عليكم أن تعبروا عن طلباتكم، ولكنني أقدر ذلك جدا منكم حتى وإن لم أستطع أن أحققها لكم!.
طلبك من القريبين منك أن يعبروا عن إراداتهم له إيجابيات كثيرة
الأولى إنه يشجعهم على جعل كلماتهم تعبر عن رغباتهم الحقيقة وتجعل صحبتهم لكم أكثر تحررا ومتعة وبدرجة كبيرة، وهي أيضا تستطيع إضفاء جو الاحترام والثقة فيما بينكم، وهذا يجعل الصداقة أكثر ثراءً فيما بينكم، وبإمكانها أيضا تذكيرك بحاجتك المستمرة لعدم فرض إرادتك على الآخرين، وإذا حررهم ذلك ليكونوا ذوي إرادة؛ فإن سلوكهم يمكن أن يزوده بقدوة، أو بتعبير آخر فإن تقديرك لحاجتهم لقول ما يريدون بصورة صادقة يمكن أن يفيدك.
لديك الآن طرقاً لتقول ما تريد
من الممكن أنك تقول لنفسك الآن لا أريد أن أكتب احتياجاتي الأساسية، ورغباتي المشروعة أكثر من ذلك أريد أن أبدأ في التعبير عما أريد، ولكن بالطبع لازلت تواجه مواقف اجتماعية كانت تجعلك عفيف اللسان فيما مضى، وقد تأخذ بعض الوقت لتتقن مهارات خاصة بفرض إرادتك، ولكنك ستنجح إذا ما تمرنت بتأني وعلى الأقل تستطيع أن تبدأ:
- عندما تريد شيئا من أحد يمكنك أن تخبره بصراحة وبجمل إيجابية وغير متزمتة: " أحب منك أن.............."
- عندما تجد نفسك خائفا من فرض إرادتك على الآخرين يمكنك تعريف خوفك هذا لمن يهمه الأمر:"أنا خائف أن تعتقد أنني لحوح، ولكن الواقع هو............ ".
- إذا لم تكن متأكدا من حقك الذي تتوقعه من الآخرين يمكنك الاستفسار عن المعلومات: "عفوا هل تستطيع أن تخبرني ماذا كنت تقدم".
- عندما يقاوم أحد الأشخاص ولا يريد إعطاءك ما تريد و ما تستحق يمكنك أن تنقب عن حقك وتدفعه لذلك " أعلم أنك تقاومني، ولكنني أريد......".
- عندما يشعر الآخرون بالرهبة منك يمكنك تشجيعهم ليقولوا بصراحة ما يريدون: "أريدكم أن تخبروني بما تريدون، ولا أريدكم أن تشعروا بالخوف مني".
سيجعلك التمرين على تلك الخطوات أكثر إدراكا حينما لا تقول ما تريد فقط، ولكن سوف يساعدك أيضا على تطوير أسلوبك لفرض إرادتك في بعض المواقف، قد تجد نفسك مستمراً في الخوف من التعبير عن رغباتك، ولكن سيقل حدوث ذلك الخوف بالتمرين يوما بعد يوم، بالإضافة لذلك ستزداد قدرتك بالتدريج بسهولة في فرض إرادتك على الآخرين بصورة مناسبة وصحيحة مع الأيام، وستكون علاقاتك مُرضِية أكثر من ذي قبل.
لا تنسى الحكم والأقوال المأثورة التالية فقيمتها من ذهب
العيشُ يوماً واحداً كالأسد، أفضلُ من العيشِ مائةَ يومٍ كالنعجة.
الطريقُ قصيرٌ بين الخوف والبُغض.
في الملّماتِ الصِّعابِ تظهرُ الشجاعةُ الكبرى.
الشجاعةُ تقودُ إلى النّجوم، والخوفُ يقود إلى الموت.
الوثوقُ بشجاعتكَ أفضلُ منَ الوثوقِ بمالكَ.
نُباحُ الكلبِ ليسَ دليل شجاعة بل خَوف.
كل كلبٍ شجاعٌ أمامَ بابِ بيته.
الهجومُ بجسارةٍ نِصفُ الانتصار.
البطولةُ هي انتصارُ النّفسِ على الجسد