الليل سواد وظلام ، وظلمة وقتام ، وفيه تخفى الأشياء ، ويتلاشى الضياء { وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون } ، فيه يستتر الناس {ومن هو مستخفً بالليل وسارً بالنهار } ، فيه يسكنون وفي النهار يعملون { ومن رحمته أن جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون } .
هذا هو المشاهد المعروف فأي أنوار في الليل وأي ضياء في الظلام ؟ إنه ليل العبادة ، إنها ليالي التهجد والزيادة تزدان بالأنوار ، وتسطع كالنهار ، ونحن نستقبل العشر الأواخر من رمضان يجدر بنا أن نتأمل في أنوار الليل.
هذه ليالي القرآن وهو نور وأي نور قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين { ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء } .
ويدوي به القراء فيسمعون أهل الأرض والسماء ، يتلى في المحاريب ، ويرتل في البيوت ، فمن مفتتح سورة ومن مختتم أخرى ، ومن بادئ بالفاتحة ومن خاتم بالناس ، ومن بالٍ خاشع ومن متذلل خاشع ، فإذا النور تشرق به القلوب ، وتبصر به الأبصار ، وفي العشر التهجد والصلاة ، وما أدراك ما الصلاة ؟ ( الصلاة نور والصدقة وبرهان ) ، فمنهم قائم ومنهم جالس أو من راكع ومن ساجد ، وهي ليالي الاعتكاف فيها الخلوة مع الله ، والتفرغ للذكر والمناجاة ، وهذا مصدر نور عظيم { الله نور السموات والأرض } .
وقد قيل للحسن : ما بال أهل الليل على وجوههم نور ؟ قال : خلوا إلى ربهم فألبسهم من نوره .
وهو ليل الاقتداء بخاتم الرسل والأنبياء في اعتكافه وجده واجتهاده ، وهو الذي شع النور ونشر الضياء.
{ إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً * وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً } ، وفيها ليلة القدر { تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم } ، والملائكة مخلوقات نورانية ، فلله كم في هذه الليالي من أنوار ، تتحول بها الظلماء إلى الضياء ، فتستنير القلوب ، وتستضئ الأبصار