طبقا لتقديرات منظمة الغذاء و الزراعة (FAO)، فانه يوجد من سكان العالم ما يقارب من 800 مليون يعانون من نقص الغذاء و سوء التغذية او بمعنى آخر يعيشون حالة عدم الامن الغذائي، حيث ظهرت مشكلة العجز الغذائي في الدول النامية مع مطلع السبعينات و ذلك عندما اصبحت حكومات هذه الدول عاجزة عن توقير كثير من الاحتياجات الغذائية الاساسية لنسبة كبيرة من السكان، و ايا كانت الاسباب الحقيقية لهذه المشكلة فالمهم ان ما يقرب من ربع سكان العالم اصبح يواجه نقص في الغذاء او سوء التغذية، و هذه هي الحقيقة التي لا يمكن انكارها او التقليل من اهميتها و خطورة آثارها الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية، و مما يزيد الامر تعقيدا ان الحلول المفترضة، سواء على المستوى المحلي او على المستوى الدولي، كثيرة و متباينة، تختلف تبعا لاختلاف وجهات النظر في تشخيص المشكلة و تحديد اسبابها، فما هو تعريف هذه الازمة و ما هي الاسباب التي ادت الى ظهورها ؟
ماهية ازمة العجز الغذائي في الدول النامية.
مفهوم الامن الغذائي.
انتشر مفهوم الامن الغذائي بعد ظهور ازمة الغذاء في السنوات الاخيرة، ومنذ ذلك الوقت لازالت تضاف اليه تعديلات حتى يكون اكثر تعبيرا و شمولا لمضمون الامن والامان فيما يتعلق باهم احتياجات الانسان، و هي الاحتياجات الغذائية الضرورية، و ايا كانت التعريفات فالمهم ان مفهوم الامن الغذائي يحتوي الضمانت الثلاثة الآتية :
1- ان تكون نسبة كبيرة من الغذاء معتمدة على الانتاج المحلي و ليس على الخارج.
2- امكانية وصول كل الناس الى غذاء كاف و في كل وقت.
3- ان يكون في متناول كل فئات السكان.
و هناك تعريفات كثيرة اخرى منها "ان يكون لكل فرد من الغذاء ما يكفيه في اي وقت، و يكفي للحياة الصحية و ممارسة النشاط النتاجي و وفقا لهذا المفهوم فان الامن الغذائي يعتبر جزءا لا يتجزأ من المن الاجتماعي و الاقتصادي و الايتقرار السياسي لاي بلد، ايا كانت نظرياته الاقتصادية التي يستق منها سياسته، سوف تقاس كفاءته بقدر تقدمه في حل المشكلة الاقتصادية و منها تظهر خطورة المشكلة الغذائية و تتحدد ابعادها الحقيقية، فهي حاضرة و لا ينبغي ان تغيب في كل الخيارات و على كل المستويات، و نظرا لاهمية هذه المشكلة يجب ان تحتل الصدارة في كل الخيارات، اذن قضية الغذاء و مفهوم الامن الغذائي لا يمكن ان تنفصل اذن عن مشكلة التنمية الاقتصادية و الاجتماعية بابعادها المختلفة، ومن ثم لا يجب بحث حلول لها على مستوى سياسات "دعم الغذاء للطبقات الفقيرة" او تدبير تمويل لواردات الغذاء الاساسية من الخارج او الاحتفاظ "بمخزون استراتيجي".
الغذاء سلعة استراتيجية :"ثمن اجنماعي" و"ثمن سياسي" الغذاء بالاضافة الى كونه سلعة اقتصادية، مثل كل السلع الاخرى ينتج ليباع ثم يستهلك، و تتعدد له اثمان اقتصادية طبقا بظروف انتاجية و ظروف الطلب عليه، فانه من منظور "مفهوم الامن الغذائي" يعتبر سلعة استراتيجية تحكمها اعتبارات اخرى بالاضافة الى ظروف العرض و الطلب العادية، و هكذا يكون التركيز على مفهوم "استهلاك الغذاء" و ليس "الطلب على الغذاء"، و هنا تظهر اثمان مختلفة لاسهلاك الغذاء، كتحديد ثمن اجتماعي مصنف جدا مقابل استهلاك الغذاء، اقل بكثير من "الثمن الاقتصادي" الذي يناظر "مفهوم الطلب" عليه.
ان السلع الاستهلاكية الغذائية الضرورية باعتبارها منتجات استراتيجية لا يمكن الاستغناء عنها و يتعين توفيرها لمستهلكيها، من القادرين و غير القادرين على دفع اثمانها الاقتصادية، و الغذاء يمكن ان يكون له "ثمن سياسي" اذا تعذر على الدولة توفيره من الانتاج المحلي و اعتمدت بدرجة كبيرة على شرائه من الخارج، و المثال عن الثمن السياسي = مثل بيع القنح الامريكي في السنوات الاخيرة لفترة "الحرب الباردة" بين الدولتين، شأن الغذاء هنا شأن السلاح تماما، يمكن ان يباع بأثمان تفوق كثيرا اثمانه الاقتصادية، و كذلك نظرا لالضطرار العاجز عن توفيره من الانتاج المحلي و اللجوء الى الخارج و هنا يحظر الى الذهن مباشرة ذلك المبدأ المعروف "بمبدأ المزايا النسبية" او التكاليف النسبية، هذا المبدأ لا ينطبق هنا بالمرة على انتاج و تجارة مثل هذه السلع الاستراتيجية، و قد كان اصدار العربية السعودية على انتاج القمح محليا بتكلفة تزيد اضعاف تكلفة استيراده من الخارج، و هنا تفادي الاضرار الى دفع اثمان سياسية تفوق اثمانه الاقتصادية، في اي وقت من الاوقات.
التفسيرات المختلفة لظهور مشكلة الغذاء في الدول النامية.
- للعجز الغذائي تفسيرات كثيرة و متباينة و تختلف وجهات النظر في مجال الحلول المقترحة لعلاج هذه المشكلة المعقدة، و هذه التفسيرات على الرعم من تداخلها يمكن تصنيفها في ثلاث مجموعات رئيسية :
أ- اختلال التوازن بين موارد الغذاء و حجم السكان :
ان من اكثر الاسباب ترددا عند مناقشة المشكلة الغذائية هو ذلك الاختلال بين مساحة الرفعة الزراعية التي تمثل اهم الموارد للانتاج الزراعي، الغذائي و نمو السكان فيما يزداد سكان هذه البلاد بمعدلات مرتفعة تصل في متوسطها الى ما بين 3% (1977،1981) و 2.7%(1981،1985) نجد على عكس ثبات و تناقص الرفعة الزراعية و من الواضح تعاني منه كثير من الدول النامية. ان وجهة النظر في تفسير العجز الغذائي او المشكلة الغذائية في الدول النامية تطابق تماما وجهة النظر التي يتبناها التحليل "النيومالتسي" للمشكلة الغذائية فالمشكلة الاساسية طبقا لهذا التحليل تنشأ من الاختلاف بين معدلات النمو الديموغرافي و الانتاج الزراعي و طبقا لهذا التحليل فان العوامل الحاسمة في حل مشكلة الغذاء هي عوامل ذات طبيعة فنية بحتة و كذلك علاج المشكلة تبعا لتحليل "النيومالتسي"ياتي عن طريق تحديد النمو السكاني و استخدام الاساليب الفنية الحديثة في مجال الانتاج الزراعي.
ب-عجز اقتصاديات الدول النامية و ارتباطها بالاقتصاد العالمي :
- يرى فريق من الاقتصاديين و المتختصين ان زيادة الانتاج الزراعي لا يمثل حلا في حد ذاتها و ذلك لان ازمة سوء التغذية و نقص الغذاء في معظم الحالات و في معظم الناطق في الدول النامية لم تكن ناتجة في المقام الاول بسبب عدم كفاية الانتاج و خاصة الانتاج الزراعي ادى هذا كله الى نقص الانتاج الغذائي المتاح في الاسواق الداخلية و بالانواع من السلع الغذائية الضرورية للمستهلكين.
و تتفق وجهة النظر السابقة مع جوهر التحليل الراديكالي و طبقا لهذا المدخل في تشخيص المشكلة و علاجها فان كل نظام اجتماعي سوف يكون قادرا على انتاج ما يكفيه من غذاء اذا ما وضع تحت تصرفه ما يلزم من اراضي و ادوات زراعية و ايدي عاملة بالكميات الكافية و هكذا فان الغذاء تتركز طبقا لهذا الرأي في المناطق الفقيرة. و يرى هذا الفريق من اهم اسباب تدمير الزراعة الغذائية في الدول النامية هذا انتشار المزارع الحديثة التابعة لشركات الصناعية الزراعية لان الانتاج يوجه اساسا لاغراض التصدير و ذلك على حساب المزارع التقليدية، و لا شك فيه ان كل هذه الاوضاع التي تعرض لها الاناج الزراعي الغذائي في الدول النامية و حسب تعبير cavdo الفقراء قادرون بانفسهم على انتاج غذائهم بشرط ألا توضع امامهم العراقيل الداخلية و الدولية.
ج-التفسيرات المتعلقة بعجز السياسات الاقتصادية الداخلية :
- هذا المدخل لا يذكر دور العوامل الفنية و يركز على تراطمات السياسات الاقتصادية و خاصة السياسة الزراعية في كثير من الدول النامية، ان هذا التفسير يمثل اكثر التفسيرات اقترابا من واقع الدول النامية و ان كانت هناك بعض الجوانب الهامة في كل المدخلين السابقين لتحليل المشكلة الغذائية الا ان كل منهما قد بالغ الى حد ما في التركيز على فكرة اساسية لم يتخلى عنها و هذا التحليل اثر على القطاع الزراعي بصفة خاصة و على انتاج و تسويق المحاصيل الزراعية الغذائية مما ادى الى عدم ملاحقة معدل الزيادة في الانتاج الزراعيالغذائي لمعدلات الطلب على الغذاء و كذلك كانت السياسة السعرية دائما في صالح المنتجات غير الزراعية مما ترتب عليه اختلال كبير في معدل التبادل الداخلي بين القطاع الزراعي و القطاعات الاخرى و ادى الى اختلال الاسعار النسبية في غير صالح النتجات الزراعية و في غير صالح النتجات الزراعية الغذائية.
تمثل الفجوة الغذائية في الفرق بين ما يتاح من ساع غذائية من الانتاج المحلي و الاستهلاك الكلي للغذاء و تظهر نتيجة عجز معدلات النمو الانتاج المحلي للغذاء عن ملاحقة معدلات نمو استهلاك الغذاء.