في ظل تزايد الشكوى من نزلات البرد والانفلونزا مع كل شتاء واللجوء إلى المضادات الحيوية في كل الأحوال، حذرت دراسة دوائية من خطورة تجاهل التأثيرات المتبادلة بين البكتيريا الحميدة بالأمعاء والمضادات الحيوية وارتباط ذلك بتقدير جرعاتها، الأمر الذي يؤدي إلى حدوث حالات تسمم للمريض، كذلك الحال بالنسبة الى جرعات اقراص منع الحمل، مما يؤدي كذلك الى حدوث الحمل وحالات نزيف بدرجات متفاوتة، وتقول استاذة العلوم الصيدلانية بجامعة اسيوط الدكتورة تهاني حسن لـ «الشرق الاوسط»: «انه عند تعاطي المضادات الحيوية عموما، تتأثر هذه البكتيريا الحميدة الموجودة طبيعيا في الأمعاء، ويقل عددها وينقص نشاطها، وانه عند التوقف عن تعاطي المضاد الحيوي تبدأ هذه البكتيريا في استعادة نشاطها وحيويتها وتتكاثر ويزيد عددها مرة اخرى، لكن هذه البكتيريا تؤثر في بعض الاحيان في بعض الأدوية المعطاة عن طريق الفم، فتقلل من تركيزها بنسبة ما، وهنا يجب حساب جرعة الدواء آخذين في الاعتبار تلك النسبة التي تفقد من الدواء نتيجة مفعول هذه البكتيريا الحميدة».. متسائلة: «ماذا لو تأثرت هذه البكتيريا من جراء تعاطي المضاد الحيوي؟».. وتجيب: «سيقل عددها وينقص نشاطها، وبالتالي يصبح تأثيرها على الدواء الآخر المتعاطى ضعيفا»، الأمر الذي يؤدي الى زيادة تركيز هذا الدواء الآخر عن المعتاد، خاصة اذا لم يؤخذ في الاعتبار مدى تأثير هذه النسبة الى مستويات تفوق الجرعة المقننة مما يؤدي الى تعرض المرضى الى حالات تسمم قد تدخلهم في دوامات اختلاطات خطيرة». وتذكر الباحثة المصرية ان هذه المشكلة تصبح اشد تعقيدا اذا كان العقار الآخر من الادوية شديدة السمية التي لها جرعات صغيرة، حيث ان اي تراكم يكون محسوسا، ونضرب على ذلك الذي يستعمل في علاج امراض القلب. وتقول إن عقار «الديجوكسين» تتراوح الجرعة منه بين 1 و2 ملليغرام وهي جرعة صغيرة جدا، تتأثر سلبا بالبكتيريا الحميدة، وانه في حالة نقص هذه البكتيريا في عددها يزيد تركيز الديجوكسين بشكل فجائي في حالة المريض، ويحدث حالات تسمم بهذا العقار، مشيرة الى انه في هذه الحالة يجب تعديل الجرعة بالنقصان بعد التعاطي او اثناء تعاطي المضاد الحيوي لتلافي هذه المشكلة.
وتوضح الدكتورة تهاني أن لتأثير هذه البكتيريا الحميدة الموجودة بالأمعاء الدقيقة قصة اخرى مع مستحضرات اقراص منع الحمل التي تؤخذ بالفم، فهذه البكتيريا تؤدي دورا مهما في مفعول هذه الاقراص التي هي عبارة عن هورمونات انثوية بتركيزات متفاوتة، مؤكدة انه بعد امتصاص هذه الهورمونات ووصولها الى الكبد تمهيداً لإخراجها من الجسم، تمر خلال الدورة الدموية البابية فتصل مرة اخرى للأمعاء، فيبدأ من هنا.. من الأمعاء الدقيقة دور البكتيريا الحميدة التي تؤثر في تركيبه وتفك من ارتباطه ببعض المركبات الاخرى لتعيده الى صورته الاولى قبل استقلاب الهورمون فيتم امتصاصه من جديد، وهكذا يعيد الهورمون دورته مرة اخرى، ويطيل ذلك من فترة بقاء الهورمون في الدم بتركيز عال ويعطي مفعولا افضل، ويكون تأثيره في منع الحمل اكبر.
وتتساءل: كيف يكون الأمر لو ان هذه البكتيريا الحميدة التي تسبب هذه الدورة الداخلية للهورمون فتطيل عمره وتزيد تأثيره داخل الجسم قد ضعفت بتأثير تعاطي المضاد الحيوي فلم تقم بدورها كما يجب؟، مجيبة بأنه في هذه الحالة يتم اخراج الهورمون من الجسم بمعدل اسرع فيقل تركيزه في الدم، ويقل مفعوله المانع للحمل، فيحدث الحمل غير المرغوب به، أو على الأقل تحدث درجات متفاوتة من النزيف للمرأة الحامل