تستحوذ الأمراض الصحية الناتجة عن سوء تنظيم التغذية على اهتمامٍ كبيرٍ من قبل الصحافة العربية والعالمية، ولكننا قليلاً ما نجد من يتحدث عن العلاقة الوثيقة التي تربط نظام الغذاء عند الفرد بصحته النفسية وشعوره بالسعادة.
وفي الحقيقة فإن الغذاء يعتبر من الأمور التي تؤثر وتتأثر بمزاج الفرد، إذ يرتبط أسلوب تناول الطعام لدى الإنسان بعدد من الجوانب النفسية. وفي هذا المجال تقول الدكتورة منى الصوّاف، استشارية الطب النفسي ورئيسة وحدة الأمراض النفسية في مستشفى الملك فهد في جدة، إنّ هنالك علاقة مباشرة بين الطعام وبعض الأمراض النفسية. فالاكتئاب مثلاً يرتبط بشكل مباشر بكمية الطعام التي يتناولها المريض، فإما أن يفقد المريض الشهية الأمر الذي يجعله يعاني على المدى الطويل من الهزال والنحافة الشديدة (anorexia nervosa)، أو أن يميل إلى الشراهة المرضية، وهذا يؤدي إلى زيادة كبيرة في الوزن (bulimia nervosa).
وتؤكّد الدكتورة الصواف أنّه بعكس الاعتقاد الشائع فإنّ هذه الأمراض التي ترافق حالات الاكتئاب ليست محصورة بالمجتمعات الغربية فحسب، بل إنها ّبدأت تنتشر في مجتمعاتنا العربية والمسلمة، وتذكر على سبيل المثال دراسة أجراها البروفسور عبد الله السبيعي، استشاري الطب النفسي والأستاذ المحاضر في جامعة الملك سعود، وتشير هذه الدراسة إلى أنّ فقدان الشهية والشراهة المرضية المتعلّقين بتدهور الحالة النفسية (nervosa anorexia and bulimia) متفشيان في صفوف طالبات المرحلة الثانوية في المملكة. وتفيد الدكتورة الصواف أيضاً بأنّ نوعية المأكولات التي يتناولها الإنسان تساهم إلى حدٍّ كبير في تحديد مزاجه. وتنصح الجميع باعتماد نظامٍ غذائي متوازن، غير أنّها تشير إلى أنّ تناول البروتين والمواد الدهنية ليلاً قد يؤدي إلى نومٍ مضطربٍ تشوبه الكوابيس كما يولد مزاجاً معكّراً في الصباح التالي. وتضيف شارحة أنّ البروتين والمواد الدهنية تحرم الدماغ من الاستفادة من مادة السيروتونين (serotonin)، وهي الهرمونات المسؤولة عن صفاء المزاج والشعور بالسعادة. وأمّا الكربوهيدرات، وهي عبارة عن النشويات الموجودة بكمية كبيرة في الخبز والمعجنات والبطاطس بالإضافة إلى السكريات الموجودة بوجهٍ خاص في المأكولات والمشروبات التي تحتوي على السكر، فهي تساعد الدماغ على الاستفادة من مادة السيروتونين (serotonin) وتساهم بالتالي في المحافظة على مزاج معتدل خلال ساعات النوم ولدى الاستيقاظ في ساعات الصباح الأولى. وتشير الدكتورة الصوّاف إلى أنّ الغذاء في مجتمعاتنا يستخدم كأسلوب اجتماعي، إذ أنه يستخدم لتنمية العلاقات الاجتماعية بين الأفراد على سبيل المثال، إضافة إلى كونه نظاما للثواب والعقاب عند تربية الأطفال، كأن تكافئ الأم طفلها بقطعة حلوى إذا أحسن التصرف والعكس صحيح.
وتوضح الدكتورة الصوّاف أيضاً أن المرأة الحامل التي تمر بفترة الوحم تعاني من عارض له منشأ نفسي يرتبط ببعض التأثيرات الخارجية التي لها علاقة بعادات الطعام السلوكية.
وبشكل عام، ترى الدكتورة الصوّاف أن بعض الأساليب المرتبطة بعادات تقديم الطعام وطريقة تناوله في مجتمعاتنا، هي التي تحكم الكمية التي يتناولها كل فرد والتي قد ينتج عنها عدم التوازن.
ويؤكد المختصون أن خلو الجسم من الأمراض البدنية والنفسية يعني الاهتمام بالغذاء الصحي المتوازن ذي التأثير النوعي أكثر مما هو تأثير كمي. ويعتبر هذا التأثير النوعي بمثابة عوامل رئيسية منشطة للعوامل البيوكيميائية التي تدخل داخل خلايا الجسم في كل وقت وعلى مختلف المستويات العضوية الحية، سواء كانت هضمية أو عضلية أو دماغية أو دورانية.
وكي يكون الغذاء صحياً ومتوازناً يجب أن يحتوي على جميع العناصر الغذائية التي يحتاجها الجسم مثل المواد البروتينية والدهنية والسكرية عن طريق الأطعمة والمشروبات المتنوعة. كما لا يمكن هنا ان نغفل أهمية السوائل بأنواعها لصحة الجسم، فهي مواد سهلة الهضم ويمكن أن تزوّد الجسم باحتياجاته المختلفة من العناصر الغذائية الضرورية مثل الفيتامينات والمعادن والطاقة الحرارية. كما أن السوائل مفيدة في حال الطقس الحار الذي تتمتع به بلادنا لفترات طويلة من العام.
ويؤكد المختصون أيضاً على أهمية اللياقة البدنية التي يستحب أن يقوم بها الانسان بشكل منتظم ومدروس لتحقيق نتائج ايجابية ملحوظة، مع المراجعة المستمرة لطبيب العائلة، مما يضمن التوازن ويحقق بذلك أول عنصر من عناصر الصحة العامة