في كثير من الأحيان لا يناسب وقت نوم المراهقين نوم بقية أفراد العائلة. فالكثير من المراهقين في سن 15-20 سنة (وقد تستمر المشكلة عند البعض حتى سن الثلاثين) يفضلون السهر في الليل حتى ساعات متأخرة ويجدون بعد ذلك صعوبة في الاستيقاظ في الصباح مما يسبب لهم العديد من المشاكل في تحصيلهم العلمي أو في عملهم إن كانوا يعملون. وفي العادة يوصف هؤلاء الشباب بالخمول والكسل في حين أن هذه المشكلة لها سببا عضويا خارج عن إرادة هؤلاء المراهقين في الكثير من الحالات. ولا تخلو عيادتي من زيارة أو زيارتين كل أسبوع لشباب يعانون من هذه المشكلة. لذلك سنتعرض في هذا المقال لهذه المشكلة التي تصيب المراهقين وطرق حلها حتى ينسجم نومهم مع نوم الآخرين. وتعرف هذه المشكلة بمتلازمة تأخر مرحلة النوم (Delayed Sleep Phase Syndrome) وفيها تكون جودة النوم طبيعية ولكن الخلل يكون في توقيت النوم.
ما هي الساعة الحيوية؟
قبل البدء في شرح المشكلة لابد من تعريف الساعة الحيوية في الجسم. فكل إنسان لديه ما يعرف بالساعة الحيوية التي تنظم وقت النوم ووقت الشعور بالجوع والتغيرات في مستوى الهرمونات ودرجة الحرارة في الجسم. وتعرف التغيرات الحيوية والنفسية التي تتبع دورة الساعة الحيوية في 24 ساعة بالإيقاع اليومي. ففي الطفولة وقبل وصول مرحلة المراهقة تقود الساعة الحيوية الأطفال للنوم في الساعة 8-9 مساء. ولكن مع دخول سن البلوغ ودخول مرحلة المراهقة تتغير هذه العملية عند البعض فلا يشعرون بالنوم حتى الساعة الحادية عشر مساء أو بعد ذلك. كما أن رغبة البعض في البقاء مستيقظا ليلا للمذاكرة أو لمجرد السهر مع الأقارب والأصدقاء يزيد المشكلة أو يسبب ظهورها بشكل واضح. ويمكن بشكل آخر تعريف الساعة الحيوية بأنها قدرة الجسم على التحول من النوم في ساعاتمعينة (عادة بالليل) إلى الاستيقاظ والنشاط في ساعات أخرى (عادة وقت النهار). وتتحكم عدة عوامل خارجية أهمها الضوء والضجيج في المحافظة على انضباط الإيقاعاليومي للجسم أو ساعاته الحيوية، ويصاحب ذلك تغير في عدد كبير من وظائف الجسم التيقد تكون أنشط بالنهار منها بالليل. ويزداد إفراز هرمون النوم (الميلاتونين) بالليلويقل بالنهار ولكن عند المصابين بهذا الاضطراب تنعكس الآية. و التعرض للضوء يخفض مستوى هرمون النوم في الدم. حيث أن هرمون النوم يفرز من الغدة الصنوبرية في المخ وهي مرتبطة بعصب النظر لذلك التعرض للضوء الشديد ينقص إفراز الهرمون. على هذا الأساس قامت فكرة ما يعرف بالعلاج بالضوء كما سنناقش لاحقا.
تأثيرات المشكلة:
وقد أظهرت الأبحاث أن الشباب في سن المراهقة يحتاجون إلى حوالي 9 ساعات من النوم يوميا للمحافظة على درجة جيدة من التركيز والاستيقاظ ولكن الواقع مختلف تماما حيث أظهرت مسح أجري في الولايات المتحدة أن أكثر من ربع المراهقين في الواقع ينامون ما معدله 6.5 ساعة يوميا حيث يعتبر المراهقون أن المذاكرة أو قضاء وقت مع الأصدقاء أو اللعب على العاب الفيديو حتى ساعات متأخرة أهم من النوم المبكر. ما سبق يسبب نقص حاد في النوم وفي حال استمرار المشكلة يتحول نقص النوم إلى مزمن مما ينعكس على المراهق بشكل سيء حيث أن نقص النوم يسبب نقص التركيز ومن ثم التحصيل العلمي، ويسبب كذلك تعكر المزاج والاضطرابات السلوكية كما أنه يتسبب في حوادث السيارات. وفي بعض الحالات كما أشاهد في العيادة قد يهدد هذا الاضطراب مستقبل الشاب أو الفتاة حيث انه قد يؤثر على تحصيلهم العلمي بشكل كبير ويحد من طموحاتهم التعليمية أو نجاحهم واستمراريتهم في أعمالهم.
وبسبب هذا الاضطراب لا يحصل الكثير من المصابين على نوم كاف خلال أيام الأسبوع لذلك يعوضون نقص النوم في عطلة نهاية الأسبوع بالنوم حتى ساعة متأخرة من النهار مما يزيد المشكلة حيث ان الساعة الحيوية في جسم المصاب تفضل النوم حتى ساعة متأخرة من النهار والاستيقاظ بالليل وهذا يدخل المصاب في حلقة مفرغة. ويجبر بعض الاباء أبناءهم المصابين على الذهاب إلى غرفة النوم مبكرا ولكن هذا لا يحل المشلكة حيث يبقى المصاب مستيقظا في فراشه لساعات طويلة بدون القدرة على النوم.
كيف يمكن مساعدة المصاب؟
في البداية أود التأكيد أن لهذا الاضطراب علاج ناجع في كثير من الحالات ولديَ الكثير من الشباب الذين استجابوا للعلاج ولكن نجاح العلاج يتطلب ثلاثة أمور: 1. الالتزام التام بنظام العلاج، 2. العزيمة القوية لدى المصاب، 3. تعاون الأهل والأصدقاء مع المصاب.
· العلاج بالضوء: كما ذكرنا سابقا فإن الضوء هو العامل الأساس في تحديد الساعة الحيوية في الجسم. لذلك يطلب من المصاب التعرض لضوء قوي عند الاستيقاظ لمدة ساعة كل يوم وهذا لا يعني البقاء تحت الشمس ولكن الجلوس إلى جانب نافذة قريبة من شروق الشمس أو استخدام ضوء صناعي قوي يتعبر أساس العلاج وهذا مدعوم بأبحاث علمية كثيرة. يمكن للمصاب الاستفادة من وقته بالمذاكرة أو القراءة خلال التعرض للضوء. في المقابل ننصح المصابين بأن تكون الإضاءة خافتة ومريحة قبل وقت النوم بساعة أو ساعتين.
· الالتزام بمواعيد النوم والاستيقاظ: وهذا أصعب ما يوجهنا في علاج المصابين. حيث من المهم الالتزام بمواعيد نوم واستيقاظ ثابتة ونحن نجد أن بعض المصابين يلتزم بالنظام خلال أيام الأسبوع ولكنه يعود للسهر في عطلة نهاية الأسبوع بسبب الالتزامات الاجتماعية أو الرغبة في السهر وقضاء وقت ممتع مع الأصدقاء مما يسبب فشل البرنامج العلاجي.
· تعديل السلوكيات: من المهم ان يلتزم المصاب روتين ثابت من حيث مواعيد الأكل والرياضة. كما يجب الاسترخاء قبل وقت النوم بساعة أو ساعتين والحد من الأنشطة التي تنشِط وتثير المخ قبل النوم بساعة مثل العمل على الكمبيوتر أو الحديث في الهاتف أو ألعاب الفيديو. كما يجب إبعاد جهاز التلفزيون من غرفة المصاب.
· الغفوات النهارية: يعوض الكثير من المصابين نقص نوم الليل بغفوات طويلة في النهار وهذا يزيد المشكلة ويسبب عدم القدرة على النوم بالليل. إن كان ولا بد من الغفوة فيجب أن لا تزيد عن نصف ساعة وهذا يتطلب عزيمة المصاب وتعاون الأهل.
· المنبهات: يجب عدم الإكثار من المنبهات بجميع أنواعها وعدم تناول أي منها بعد الظهر لأن مفعولها قد يستمر حتى الليل ويسبب عدم القدرة على النوم بالليل.
· تعديل وقت النوم: من الصعوبات التي تواجه المصاب كيفية تعديل وقت النوم في بداية العلاج. ونحن نعلم أنه لا يمكن إجبار المصاب على النوم مبكرا عند بدء العلاج حيث أن التاثير يحتاج لبعض الوقت. لذلك ننصح أهل المصاب في بداية العلاج بأن يتركوا لإبنهم الحرية بأن ينام ليلا عند شعوره بالنوم ولكن لا بد من إيقاظه صباحا في وقت ثابت بغض النظر عن عدد ساعات النوم وبعد ذلك محاولة تقديم وقت النوم ليليا من 10-15 دقيقة كل ليلة حتى يصبح وقت النوم مناسب لالتزامات المصاب النهارية بحيث يحصل على عدد ساعات نوم كافية ومن ثم النتظام في الأمور العلاجية التي ذكرت أعلاه للمحافظة على انتظام مواعيد النوم والاستيقاظ.
أسال الله لكم السلامة.