بتـــــاريخ : 11/19/2008 8:30:11 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1291 0


    النوافذ المغلقة

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : مصطفى فاسي | المصدر : www.awu-dam.org

    كلمات مفتاحية  :

     

    كانوا مجموعة.. خمسين أو مائة أو أقل أو أكثر..‏

    القاعة مربعة الشكل، جدرانها مختفية وراء خزائن كبيرة مكدسة بالمجلدات الضخمة، كان الصمت يسود المكان تماماً، حتى الداخلون والخارجون لا يحدثون بأحذيتهم أي صوت، فأرض القاعة مفروشة بشكل ممتاز..

    بعضهم ينظر في كتاب وبعضهم يكتب شيئاً وبعضهم الآخر يتأمل، وهناك ربما من لم يكن يفعل شيئاً.. كانت أعين الجميع محمرة، وكانت النوافذ مغلقة تماماً، الكل في صمت، لا أحد يكلم الآخر، كانوا ينظرون بأعينهم، رفع أحدهم عينيه نظر إلى النافذة، ثم ألقى نظرة فاحصة على وجوه الآخرين، ثم سحب نظره إليها.. فعل آخر مثله ثم ثالث ثم عاشر.. تزداد الأعين احمراراً وتثقل الرؤوس أكثر، يقف أحدهم، ينظر إلى الآخرين ينظر إلى النافذة يتوجه إليها، يفتحها، يدور دورة ثم يعود إلى مكانه في صمت، يسود الجو بعض الانتعاش، يرفعون رؤوسهم جميعاً، يحسون بالضجيج يأتي من الشارع، ينظرون جهة الذي فتح النافذة، تعود نظراتهم إلى داخلهم، تمر لحظة، يرفع أحدهم رأسه، ينظر إلى الوجوه الأخرى في القاعة، يقف، يتجه نحو النافذة يغلقها ويعود إلى مكانه دون أن ينظر في وجه أحد..‏

    يعود الصمت إلى القاعة، كل أربعة يحيطون بطاولة وتنظر العيون بعضها في بعض، تخبئ وراء نظراتها حواراً لا ينتهي. ماذا لو تركت النافذة منذ البداية مغلقة، ألم يكن الأمر أفضل؟.. الهدوء ضروري لنا.. نعم الهدوء ضروري جداً في مثل هذه الأماكن.. ولكن والأوكسجين، أليس الأوكسجين ضرورياً أكثر.. من الضروري للإنسان أن يتنفس هواء نقياً.. آه لو أقوم وأغلق كل هذه النوافذ بالمسامير، نعم بالمسامير حتى لا تفتح مرة أخرى أبداً، أريدها أن تظل مغلقة إلى الأبد.. هكذا نرتاح من المشكلة نهائياً. ما هذا.. المفروض أن تفتح جميع النوافذ حتى يتجدد الهواء.. الضجيج وما يهمنا من الضجيج؟ الدنيا حركة.. العالم كله حركة.. إذا لم يُوجد الضجيج ولم توجد الحركة فمعنى ذلك أنه الموت.. الموت لا غير فلماذا يغلقون علينا النوافذ هكذا؟ هل نحن في سجن؟ حتى السجون تجعل لها النوافذ أحياناً..‏

    كانت العيون تدور في محاجرها لتنتقل من وجه إلى كتاب ومن كتاب إلى وجه إلى طاولة إلى نافذة إلى.. وكانت تزداد احمراراً، كان بعضهم يتثاءب في تثاقل يخرج بين الحين والآخر واحد ثم يعود.. يخرج في صمت ويعود في صمت.. الصمت دائماً إلا نحلة تحدث بأجنحتها صوتاً متميزاً واضحاً، لا بد أنها دخلت إلى القاعة عندما فتحت النافذة فظلت تصطدم بالزجاج كلما حاولت الخروج، وهي مع ذلك لم تمل من مواصلة المحاولة..‏

    النوافذ ما تزال مغلقة، يدخل واحد لم يكن من قبل في القاعة وقفته مستقيمة وشواربه ضخمة، ينظر في الوجوه، عيناه لم تكونا محمرتين، كانت نظرته ثاقبة، يصيح بصوت عال واضح وجهوري، تتجه إليه جميع الأنظار:‏

    -غير ممكن.. هذا غير ممكن.. مستحيل.. هل يمكنكم أن تتحملوا كل هذا..؟ يمسح القاعة بنظرة قوية، كانت هناك مكنسة ذات يد خشبية متينة حملها وهجم على النوافذ وبدأ يحطمها الواحدة بعد الأخرى...‏

    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()