بتـــــاريخ : 11/15/2008 8:45:10 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 919 0


    الدرس

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : جمال جنيد | المصدر : www.awu-dam.org

    كلمات مفتاحية  :
    قصة الدرس جمال جنيد

    أخيراً سأصبح معلمة أصيلة!.

    قالت لينا لأمها، وهي تكاد تطير من الفرح..‏

    قبلتها أمها... لم يكن لها في الدنيا غيرها. ثم رفعت الأم يديها إلى السماء تدعو لوحيدتها..‏

    -حضّري الغداء يا أمي.. سأحضّر درساً لن يعطيه أحد قبلي ولن يعطيه أحد بعدي..‏

    -الله يكون معك!..‏

    تقف لينا أمام طالباتها. زهرات من كل لون، تؤدي الدرس بثقة وفرح. تصول وتجول على المنصة، تستشف نظرة رضىً في عيني موجه المادة.. و....‏

    -مابك يا لينا!.... لِمَ لا تأكلين؟!.‏

    تأكل بضع لقيمات، ثم تطير إلى غرفتها كالفراشة..‏

    كتاب القراءة أمامها.. النص أمامها.. تتراقص الكلمات أمامها مثل شموع مضاءة في ليلة عيد الميلاد..‏

    عصفور في قفص، هرم وهو محبوس، وفجأة قرر صاحب العصفور أن يمنحه حريته...‏

    نظر العصفور إلى صاحبه وتساءل:‏

    -" لماذا أعطيتني حريتي وأنا عجوز.. ومنعتها عني وأنا عصفور صغير قوي الجناحين أتنقل من شجرة إلى أخرى؟!.. تضع لينا أهداف الدرس..‏

    تسطّر.. كل سطر بلون، ترسم. تكتب، تعتصر معلوماتها التربوية التي قرأتها والتي سمعتها...‏

    كأنها تركب الآن صهوة جواد أبيض، يسبح بها في سهل فسيح، ينتظرها سمير وسط السهل مرحباً، ضاحكاً، يتلقفها بيديه القويتين، وتشم رائحته المميزة...‏

    هذا الصيف موعد الزفاف..‏

    -العرس، بعد أن أصبح معلمة أصيلة!.‏

    ينظر سمير إليها. في نظرته عتب، وفي عينيه هيام..‏

    -أمري لله!.‏

    تدخل أمها..‏

    لم تنتبه إليها إلا حين وضعت كأس الشاي أمامها..‏

    -يكفيك سهراً يا لينا!.‏

    -هذا الدرس هو حياتي يا أمي!.‏

    حين تخرج أمها تغوص في حياة العصفور العجوز....‏

    غداً، تخرج من القفص، يصبح لها كيان خاص، غداً.. تفتح باب القفص، فتطل الشمس، يطل سمير في بذلة عرسه ماداً لها يديه..‏

    تفكر في كل كلمة تكتبها. تتمثل كلامها أمام تلميذاتها الصغيرات. ستتوقف في اللحظة المناسبة، وستسير حين يتوجب ذلك، ستضع لوحة أبرية هناك، وجيبية هنا، وقفصاً وصورة عصفور و....‏

    تستقرئ في وجوه تلميذاتها الفهم والتجاوب..‏

    تنظر إلى موجه المادة، ترى أباها يبتسم لها..‏

    تتنهد..‏

    مات أبوها وهي صغيرة، لم تعرف صورته إلا عبر غبار وغيوم..‏

    دائماً، تراه ينظر إليها بصمت وحنان، في منامها، وفي يقظتها، أحياناً...‏

    احتضنتها أمها.. ونذرت نفسها لها.. عملت خادمة في المنازل، وعملت في المعامل.. حتى كبرت ودخلت الوظيفة المؤقتة بعد الشهادة الثانوية..‏

    صوت المنبه يعلن منتصف الليل..‏

    تمسح غرفتها بنظرة سريعة.. الخزانة مغلقة!‏

    ماذا ستلبس غداً؟!... أجمل ثوب عندها.. وحذاءَها الجديد.‏

    لن تركب "الميكرو"، حتى لايدوس الناس على حذائها، ستأخذ سيارة أجرة، وتصل المدرسة في أبهى حلتها...‏

    تسمع دقات قلبها، أهو الخوف أم الفرح؟!..‏

    هكذا كان يدق قلبها قبل كل امتحان، وهكذا دق حين التقت سمير..‏

    عادت إلى مكانها بعد أن حددت الثوب والحذاء.. أنصتت..‏

    لابدَّ أن أمها الآن في سابع نومة...‏

    طنين سكوت الليل جعل لينا تقف متأملة يومها وغدها..‏

    راجعت مواد الدرس، والبطاقات الملونة، حاولت أن تزيد، لكن التعب غزا جسدها دفعة واحدة..‏

    أخبرها المنبه أن الساعة هي الثانية صباحاً..‏

    حينئذٍ، ربطت المنبه على السادسة صباحاً..‏

    وما إن وضعت رأسها على الوسادة حتى غرقت في بئر النوم..‏

    صباحاً..‏

    قامت لينا بالخطوات نفسها التي رسمتها البارحة..‏

    وصلت المدرسة، وكأنها تدخلها للمرة الأولى، الصف يرقص فرحاً، وجوه التلميذات ناضرة ناظرة..‏

    تدخل، ترتب لينا أشياءها، وتنتظر بفارغ الصبر قرع الباب لتستقبل الموجه، وتعطي درساً ناجحاً مائة في المائة..‏

    وفجأة..‏

    يُقرع الباب، تسرع دقات قلبها، وهي تخف نحو الباب بكامل أناقتها..‏

    تفتح الباب..‏

    تقف المديرة بوجهها الصارم..‏

    -أجّل الموجه حضوره!.‏

    -لماذا؟!...‏

    -لا أدري.. سيأتي في وقت آخر!..‏

    وتختفي المديرة في الردهة..‏

    تعود لينا، متراخية الأوصال.. تجلس على كرسيها منهكة، وتدخل قفص العصفور العجوز

    كلمات مفتاحية  :
    قصة الدرس جمال جنيد

    تعليقات الزوار ()