بتـــــاريخ : 11/9/2008 3:22:29 PM
الفــــــــئة
  • اســــــــلاميات
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 839 0


    هل أثنى القرآن على بولس؟

    الناقل : heba | العمر :42 | المصدر : www.dar-alifta.org

    كلمات مفتاحية  :

    هل أثنى القرآن على بولس؟
    الشبهة
    جاء في القرآن الكريم: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ * إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ * قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلا تَكْذِبُونَ} [يس 15:13] قال ابن كثير: "قال ابن جُرَيْج، عن وهب بن سليمان، عن شعيب الجبائي قال: كان اسم الرسولين الأولين: شمعون ويوحنا، واسم الثالث: بولص، وَقَالَهُ أَبُو الْعَالِيَة، وَزَعَمَ قَتَادَة أَنَّهُمْ كَانُوا رُسُل الْمَسِيح عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى أَهْل أَنْطَاكِيَّة". وقال الآلوسي: "والاثنان، قيل: يوحنا وبولس، وقال مقاتل: تومان وبولس". إذا كان هذا هو شأن بولس الرسول فكيف يقال بعد ذلك إن بولس قد حرف في الشريعة المسيحية، وهذا هو القرآن الكريم يشهد له بأنه من الرسل؟
     
    الرد عليها
    مركز الأبحاث الشرعية بدار الإفتاء المصرية
    أولاً: هناك فرق كبير بين القرآن الكريم ككتاب سماوي معصوم من وقوع الخلل والخطأ فيه, وبين كلام المفسرين؛ الذي هو جهد بشرى بذل أصحابه وسعهم في فهم مرامي القرآن الكريم في ضوء اللغة العربية والمرويات المنقولة وقواعد الفهم والاستنباط لكنه في النهاية عرضة للصواب والخطأ، ولنا أن نناقشه ونصوبه أو نخطئه باستخدام ذات الأدوات التي اعتمدها المفسرون واستندوا إليها في فهم كلام الله وتفسيره لا بمجرد الهوى والتشهي، فنُحَكِّم اللغة العربية التي هي لغة القرآن وبها نزل وبها يفهم، ونسبر المرويات فما كان منها لا يصلح للاستدلال به رددناه لضعفه وما كان صحيحًا قبلناه ما لم يتعارض ظاهره مع غيره، فإن حصل التعارض لجأنا إلى الجمع حينئذ فإن تعذر الجمع استخدمنا قواعد الترجيح، وذلك كله من خلال علوم الفهم والاستنباط كعلم أصول الفقه.
        أما كتاب الله عزَّ وجل فهو فوق الزمان والمكان والأشخاص والأقوال والنُظُم والأحداث، والمناسب لذلك أن يكون بيان المفسر شارحًا للقرآن، وليس حاكمًا عليه، وليس حادًّا لمجاله، والفرق بين هذين المستويين كبير.
        خاصة وأن بعض المفسرين لا يلتزم تمحيص ما ينقله من مرويات, بل إنه يجمع كل ما سمع، أو وقع تحت يده في تفسير الآية, غايته الجمع دون الانتخاب، والمفسرون لهم مناهج مختلفة في تصانيفهم، فمنهم من يقصد الجمع المجرد لغرض الحصر ومنهم من ينقد المرويات، ومنهم من يهتم ويبرز الناحية اللغوية والبلاغية، ومنهم من يبرز الناحية الفقهية، ومنهم من يلتفت في تفسيره للتناسب بين الآيات والسور، إلى غير ذلك من طرق التصنيف في التفسير.
        وأصحاب هذه الشبهة خلطوا بين القرآن الكريم ككتاب معصوم وبين كلام المفسرين، فأتوا بما حكاه بعض المفسرين، وساقوه على أنه من القرآن الكريم، وهذا خطأ منهجي كبير؛ لأن فيه خلطًا بين الشيء وغيره، فيه خلط بين القرآن الكريم كلام الله عز وجل الذي من صفاته الإعجاز والتحدي والتواتر والعصمة وكلام المفسرين الذي ليست له هذه القداسة ولا هذه الصفات.
    ثانيًا: ما ذكره أصحاب الشبهة ليس هو الوجه الوحيد في تفسير الآية الكريمة، بل هذا الوجه المذكور ضعيف، وأقوي منه ما ذكره الإمام ابن كثير وغيره من المفسرين: أن يكون المراد بالرسل رسل الله، وليس رسل المسيح، وهذا هو المتبادر من الآية الكريمة وظاهرها، وقد ذكر ابن كثير أدلة على ذلك.
        قال ابن كثير : "ومما يقوي كون الرسل هم رسل الله وليس رسل المسيح:
    أولاً: أن ظاهر القصة يدل على أن هؤلاء كانوا رسل الله عز وجل، لا من جهة المسيح، كما قال تعالى: {إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ} إلى أن قالوا: {رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ * وَمَا عَلَيْنَا إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ} [يس: 17]. ولو كان هؤلاء من الحواريين لقالوا عبارة تناسب أنهم من عند المسيح عليه السلام، والله أعلم.
        ثم لو كانوا رسل المسيح لما قالوا لهم: {مَا أَنْتُمْ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا} [يس:15] .
    الثاني: أن أهل أنطاكية آمنوا برسل المسيح إليهم، وكانوا أول مدينة آمنت بالمسيح؛ ولهذا كانت عند النصارى إحدى المدائن الأربعة اللاتي فيهن بتَاركة، وهن القدس، وأنطاكية، والإسكندرية، رومية، فإذا تقرر أن أنطاكية أول مدينة آمنت، فأهل هذه القرية قد ذكر الله تعالى أنهم كذبوا رسله، وأنه أهلكهم بصيحة واحدة أخمدتهم، فالله أعلم.
    الثالث: أن قصة أنطاكية مع الحواريين أصحاب المسيح بعد نزول التوراة، وقد ذكر أبو سعيد الخدري وغير واحد من السلف: أن الله تعالى بعد إنزاله التوراة لم يهلك أمة من الأمم عن آخرها بعذاب يبعثه عليهم، بل أمر المؤمنين بعد ذلك بقتال المشركين، ذكروه عند قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الأولَى} [القصص: 43] . فعلى هذا يتعين أن هذه القرية المذكورة في القرآن قرية أخرى غير أنطاكية، كما أطلق ذلك غير واحد من السلف أيضا. أو تكون أنطاكية إن كان لفظها محفوظا في هذه القصة مدينة أخرى غير هذه المشهورة المعروفة، فإن هذه لم يعرف أنها أهلكت لا في الملة النصرانية ولا قبل ذلك، والله سبحانه وتعالى أعلم" ([1]).  
    ثالثًا: على فرض التسليم بأن الرسل هم رسل المسيح بالفعل فليس بولس من رسل المسيح، بل أنه لم يره مطلقًا، وإنما آمن به بعد رفعه، هذا ما تؤكده مصادر النصارى أنفسهم وأخبار بولس قد امْتُلِئَ بها سفر الأعمال ([2]).

     
     
     
     
    الهوامش:
    ------------------------
    ([1]) تفسير القرآن العظيم (6/ 573)، وانظر اللباب في علوم الكتاب (13/ 223)
    ([2]) محاضرات في النصرانية ص 72

    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()