هذه الآية تُعدِّد أنواع نِعَم الله على إبراهيم عليه السلام جزاء على قيامه بالذَّبِّ عن دلائل التوحيد فالمقصود بالآية بيان كرامة إبراهيم عليه السلام بحسب الأولاد وبحسب الآباء ، وليس مقصود الآية ترتيب الأنبياء بحسب الزمان ؛ لأن الواو لا تقتضى الترتيب ، فهي لِمُطلق الجمع فتعطف الشيء على مُصاحبه ، وعلى سابقه ، وعلى لاحقه ، كما هو من مقررات اللغة العربية التي هي لغة القرآن .
الحكمة من عدم ترتيب أسماء الأنبياء ترتيبا تاريخيا في الآية :
" لعل الحكمة التي دعت إلى هذا الترتيب هي أن الله تعالى خصَّ كل طائفة من طوائف الأنبياء عليهم السلام بنوع من الكرامة والفضل ، فذكر أولاً نوحًا وإبراهيم وإسحاق ويعقوب ؛ لأنهم أصول الأنبياء وإليهم ترجع أنسابهم جميعًا .
ثم ذكر بعد النبوة من خُصَّ بالملك والقدرة والسلطان ، وقد أعطى الله داود وسليمان من ذلك حظًّا وافرًا .
ثم من المراتب الصَّبر عند نزول البلاء والْمِحن والشدائد ، وقد خَصَّ الله بهذه أيوب عليه السلام .
ثم عطف على هاتين المرتبتين مَنْ جمع بينهما ، وهو يوسف عليه السلام ؛ فإنه صبر على البلاء والشدة إلى أن أعطاه الله مُلْك مصر مع النُّبوة .
ثم من المراتب المعتبرة في تفضيل الأنبياء عليهم السلام كثرة المعجزات وقوة البراهين ، وقد خصَّ الله تعالى موسى وهارون من ذلك بالحظ الوافر .
ثم من المراتب المعتبرة الزهد في الدنيا والإعراض عنها ، وقد خصّ الله بذلك زكريا ويحيى وعيسى وإلياس - عليهم السلام - ولهذا السبب وصفهم بأنهم من الصالحين .
ثم ذكر الله بعد هؤلاء الأنبياء مَنْ لم يبق له أتباع ولا شريعة ، وهم : إسماعيل ، واليسع ، ويونس ، ولوط ". (1)
وأما القول بأن الآية لم تذكر إسماعيل بعد إسحاق -عليهما السلام- مباشرة بل تأخر ذِكْره عنه ، والمعلوم أنهما ابنا سيدنا إبراهيم عليه السلام ، وفي عَصْرٍ واحد؟
الجواب : المقصود بالذكر هنا أنبياء بني إسرائيل وهم بِأَسْرِهم أولاد إسحاق ويعقوب ، أمَّا إسماعيل فإنه لم يَخْرج من صُلْبِه أحدٌ من الأنبياء إلا محمدًا صلى الله عليه وسلم .
الهوامش:
---------------------------
(1) تفسير الخازن ، المسمى : لباب التأويل في معاني التنزيل (2/156) بتصرف.
|