الإسلام يعترف بالسحر , والقرآن الكريم أعترف بوجوده
قيل ( أنه كان يعيش في أوائل هذا القرن ساحر بالوجه القبلي وكان يطلب من أعيان الناس أن يلقوا خواتمهم في البحر فإذا فعلوا ذلك أعادها إليهم , وكان يأتي بعجائب أكثر من ذلك فلما مات أراد ابنه أن يزاول صنعته , فنهته أمه عن ذلك فلما سألها عن السبب فتحت له ( دولابا ) وأخرجت منه صنما وقالت له إن أباك كان يسجد لهذا الصنم لكي تساعده الشياطين على إظهار العجائب فلا تكفر كما كفر أبوك ) فالمسلم عليه أن يأخذ حذره ولا يمارس السحر حتى لا ينحرف عن طريق الإسلام و المسلمين
ولإثبات أن السحر حقيقة كغيره من الأشياء الثابتة هو ما رقى به النبي صلى الله عليه وسلم نفسه من السحر الذي سحره به ( لبيد بن أعصم ) وذكره الله في كتابه ( فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء و زوجه ) ,, وقد يتوهم البعض أن كون السحر حقيقة ثابتة , فأنه ينافي قضية التوحيد وإنكار التأثير لله وحده , والجواب على ذلك : أن اعتبار السحر حقيقة ثابتة لا يعني كونه مؤثرا بذاته بل هو كقولنا السم له مفعول حقيقي ثابت , وهذا كلام صحيح ,, ولكن يجب أن نثق أن التأثير في هذه الأمور الثابتة هو لله تعالى وبأذنه وقد قال الله تعالى في هذا عن السحر : (( وما هم بضارين به من أحد إلا بأذن الله )) ,, فقد نفى سبحانه عن السحر التأثير الذاتي ولكنه أثبت له في نفس الوقت مفعولا ونتيجة منوطة بأذنه عز وجل ,, ولكن من الواضح تماما أن السحر قد ذكر صراحة في القرآن الكريم وان له تأثيرات معلومة مثل : ( التفريق بين الزوجين , والأضرار بالناس ) وقد استند العلماء على صحة وجود السحر من بعض آيات القرآن الكريم ومنها :
(( فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء و زوجه ))
(( سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم ))
(( و ما هم بضارين به من أحد إلا بأذن الله ))
(( و من شر النفاثات في العقد ))
فمن الآية الأولى نستدل على أن السحر كلمة حقيقية واقعة لا جدال فيها و الدليل على ذلك أن السحرة كانوا يقومون بالتفريق بين المرء وزوجه ويوقعوا العداوة و البغضاء بينهم والآية الثانية دلت على حقيقة السحر أما الآية الثالثة فقد أثبتت شيئا هاما وهو أن السحر يسبب ضررا وآثارا سيئة على الناس ولكن كل هذا معلق بمشيئة الله سبحانه وتعالى و إرادته التي تعلو فوق كل إرادة والآية الرابعة تدل على الأثر العظيم للسحر الذي من الممكن أن يصيب الإنسان ولذلك فقد أمرنا الله تعالى بأن نتعوذ به سبحانه من شر السحرة الذين ينفثون في العقد فلو لم يكن للسحر حقيقة لما أمرنا جل جلاله بالتعوذ من السحر و النفاثات هن السواحر اللاتي ينفثن سحرهن في عقدهن الخيوط كذلك فقد جاء ذكر السحر على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحاديث عديدة فقد أخرج الشيخان وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( اجتنبوا السبع الموبقات ! قالوا : يا رسول الله وما هن ؟ قال : (( الشرك بالله و السحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم و التولي يوم الزحف و قذف المحصنات الغافلات المؤمنات )) ومن هذا الحديث الشريف نستدل على ذكره صلى الله عليه وسلم السحر ونهى عنه وعن العمل به وفي هذا ما يقطع الطريق على من يشككون في وجود السحر حقيقة ويعتبرونه لونا من الدجل والشعوذة ولكن السحر يختلف عن الشعوذة التي هي حيل وخداع وتضليل وهي تتم دون الإستعانة بالأشياء التي يستعملها السحرة وهي أقرب إلى أن تكون حركات تعتمد على المهارة والسرعة والخفة في عمل الأشياء وحيل وتمويه وخداع لبصر المشاهدين أما السحر فهو علم له كتب وطرق خاصة
حكم الســـحر و الســـحرة في الإســـلام
كما ذكرنا سابقا أن حكام أوربا كانوا يقتلون السحرة بعد تعذيبهم فأن الإسلام أباح قتلهم كما قال الأمام مالك :
( الساحر كافر , يقتل بالسحر ولا يستتاب ولا تقبل توبته بل يتحتم قتله كالزنديق )
ومعنى ذلك واضح فالساحر قطعا كافر إذ هو يستعين بالشياطين ويتوجه إليهم بالتعظيم والعبادة والخشوع والتذلل دون الله عز وجل وهذا وحده كفر والعياذ بالله , كما أن كل من مارس السحر ودعا بأسماء الشياطين ووضع التمائم والحروف التي تذكر أسماء الجن وعمل للحب والمكاره للأزواج فهو كافر لأنه يعمل من أجل الضرر لا للخير والمنفعة كما أن السحر يعتبر إحدى الكبائر إذا اعتقد الإنسان انه يؤثر بنفسه لا بإرادة الله عز وجل واعتقاد المريض بأن الساحر سيشفيه بسحره يجعله مذنبا ذنبا عظيما , قال الرسول صلى الله عليه وسلم ( ليس منا من تطير أو تطير له أو تكهن أو تكهن له أو سحر أو سحر له ) الحديث
وبهذا الحديث يعرفنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن من يعالج بالسحر ويذهب إلى السحرة فهو خارج عن الإسلام
وهناك من يفتي بجواز الذهاب إلى السحرة و حجتهم في هذا أنهم ينظرون إلى ذلك كمثل من استعان بقوة على قوة لينجو بنفسه من شره , وهذا تفكير خاطىء بلا دليل حيث أن الله تعالى قد شرع للناس من دينه وسنة نبيه وكتابه الكريم ما يدفعون به السحر قبل وقوعه . . وما يعالجون به أنفسهم منه إذا وقع فعلا
قال صلى الله عليه وسلم (( ثلاثة لا يدخلون الجنة : مدمن الخمر , وقاطع رحم , ومصدق بالسحر ))
وقال صلى الله عليه وسلم (( حد الساحر ضربه بالسيف ))
وقد صح أن حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها سحرتها جارية لها فأمرت بها فقتلت
وقال بجالة بن عبدة : كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه : أن اقتلوا كل ساحر و ساحرة
قال : فقتلنا ثلاث سواحر
وإذا تأملنا في تلك التشريعات وهذه الأحكام لوجدناها نابعة من حرص الإسلام على سلامة العقيدة في قلب المسلم وتعميق اتصاله بالله تعالى وتمهيد الطريق أمامه إلى هذا الإتصال حتى يعتمد عليه في كل أموره ولا يستعين بأحد سواه ولا يتوجه بالدعاء إلى غيره فلا أحد سوى الله تعالى يملك أي تأثير على قوانين الطبيعة التي أوجدها الله الخالق العظيم وسيرها بعلمه وقدرته فالنجوم والكواكب مثلا هي من مخلوقات الله تعالى وهي مسخرات بأمره تسير وفق إرادة الله وحده ولا يمكن أن تؤثر حركتها على الإنسان الذي خلقه الله تعالى واسكنه الأرض وقدر له رزقه وعمره , فلا يمكن إن ينتهي عمر إنسان ما بظهور كوكب ولا يزيد في رزق إنسان ولا ينقص عما قدره الله تعالى له , أما من يزعم غير ذلك ويدعي أنه يعلم الغيب عن طريق اتصاله بالكواكب أو بالجن و الشياطين ومن خلال ذلك يمكنه التأثير في قوانين الحياة فأنه يكون قد خالف شريعة الله تعالى وتجاوز الحدود التي وضعت له ووصل إلى درجة الكفر لأنه يعظم غير الله سبحانه ويستعين بمخلوقاته
أنـواع الســـحر في رأي بعض فقهاء المســـلمين
تناول بعض فقهاء المسلمين وكبار المفسرين موضوع السحر بالشرح و التحليل منذ فجر الإسلام ذاكرين الأنواع المختلفة من السحر ومدى صحته أو بطلان كل نوع من تلك الأنواع ومن هؤلاء العلماء القرطبي الذي قال : ( ومن السحر ما يكون بخفة اليد كالشعوذة ومنه ما يكون كلاما يحفظ ورقى من أسماء الله وقد يكون من عهود الشياطين , ويكون أدوية وأدخنة وغير ذلك )
أما الفخر الرازي فيذكر في تفسيره ثمانية أنواع للسحر :
الأول
سحر الكذابين و الكلدانيين الذين كانوا يعبدون الكواكب السبعة السيارة ( وكانت الكواكب المعروفة هي سبعة في هذا الوقت ) وكانوا يعتقدون أنها مدبرة العالم وأنها تأتي بالخير والشر , وهؤلاء هم الذين بعث الله تعالى إبراهيم الخليل عليه السلام ليبطل قولهم ويرد مذاهبهم
الثــــــــانـــي
فهو سحر أصحاب الأوهام والنفوس القوية , واستدل على أن للوهم تأثيرا قويا بأن الإنسان يمكنه السير على الجسر الموضوع على وجه الأرض ولكنه يفشل في السير عليه إذا كان ممدودا على نهر في الهواء , وقال أيضا : لأن النفوس خلقت مطيعة للأوهام فقد نهى الأطباء المصروع عن النظر إلى الأشياء القوية اللمعان أو الدوران . وهذا النوع تمثله تماما عملية الحسد والتي تنشأ عن قوة ذاتية في الحاسد , وقد أجمع العلماء على أن الإصابة بالعين حق واستدلوا على ذلك بما ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( العين حق ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين )) ,, وكلما كانت النفس قوية متمكنة كلما استغنى صاحبها عن الآلات و الأدوات التي تساعد في إتمام التأثير على الآخرين أما إذا كانت النفس ضعيفة فإنها تحتاج للإستعانة بالآلات و الأدوات
الــثــــالــــث
هو الإستعانة بالأرواح الأرضية وهم الجن , وهم قسمين : مؤمنون وكفار أي الشياطين , وقال : إن أصحاب التجارب شاهدوا أن الإتصال بهذه الأرواح الأرضية يحدث بأعمال سهلة قليلة من الرقى و الدخان ,, وهذا النوع هو المسمى بالعزائم و عمل التسخير
الرابــــــــــع
هو التخيلات و الأخذ بالعيون والشعوذة , ويبنى هذا النوع على خداع الناس عن طريق لفت أنظارهم إلى شيء معين يجعلهم الساحر يحدقون فيه وأثناء استغراقهم في ذلك يقوم بعمل شيء آخر في سرعة شديدة ويخرج على الناس بشيء لم يكونوا يتوقعونه قط , وهذا النوع من السحر يكاد ينطبق في أيامنا هذه على أعمال الحواة وعمليات التنويم المغناطيسي
الخــــــــامــــس
هو السحر القائم على تركيب الآلات الهندسية بطريقة خاصة مثلا عمل شكل يمثل فارسا على فرسه ويحمل بوقا في يده كلما مضت ساعة من النهار ضرب بالبوق من غير أن يمسه أحد , ومن الملاحظ أن إطلاق لفظ السحر على هذا النوع من الألعاب لم يعد مألوفا لدينا في الوقت الحالي الذي تقدم فيه العلم بصورة خطيرة جدا وصارت تلك الألعاب التي تصدر أصواتا معينة أو تأتي بحركات منتظمة دون أن يمسها أحد صارت شيئا عاديا وليس فيها وجه من وجوه الغرابة
الســـــادس
هو ما يتم فيه الإستعانة بخواطر الأدوية و المستحضرات الكيميائية
الســــــــابـع
هو التعليق للقلب . وهو أن يدعي الساحر أنه قد توصل إلى معرفة الإسم الأعظم وأن الجن يطيعونه وينقادون له في أكثر الأمور , وعندما يلقي الساحر هذا الكلام على أسماع مستمعين ضعفاء العقول والنفوس قليلي التمييز فأنهم يعتقدون أن كلام الساحر حق وتتعلق به قلوبهم ويحصل في نفوسهم نوع من الرعب والخوف , وعندما يحدث الخوف للإنسان يضعف إحساسه وإدراكه للأمور ويتمكن الساحر عندها من أن يفعل به ما يشاء ويوحي إليه بما يريده , وهذا النوع من السحر موجود في الوقت الحالي تحت اسم الإيحاء
الــثـــامــــن
هو السحر بالنميمة بين الناس للإيقاع بينهم حقدا وغلا من السحرة وذلك يتفق مع ما ذكر سابقا من نزعة الشر والحقد المتأصلة في نفوس السحرة وميلهم القوي إلى الإيقاع بين الناس والتفريق بينهم وذلك سيرا على تعليمات سيدهم ومرشدهم إبليس اللعين
هل يغيــر الســـحر من حقيقــة الأشـــياء
إن السحر لا يغير من حقيقة الإنسان المسحور كإنسان وكائن حي , أي أن الحر لا يمكن أن يحوله إلى عنصر آخر وأيضا الحيوانات أو الجمادات التي تتعرض للسحر لا تتغير حقيقتها وكل ما في الأمر هو حدوث تبدل رؤية الناس إلى المسحور أو العكس فتتبدل رؤية بصر المسحور إلى الآخرين وذلك حسب الغاية من السحر
فنجد أن المرأة المعمول لها سحر للإيقاع بينها وبين زوجها ترى زوجها عبدا أسود في نظرها ولا تطيق النظر إلى وجهه وتود لو تهرب منه , والعكس صحيح فإذا كانت هي المقصودة بالسحر فأن زوجها يراها بهذا السوء وذلك مع التأكيد بأن كلا منهما هو في حقيقته لم يتغير عن طبيعته وشكله ولكن كما أوضحنا فأن التأثير يكون في عين الرائي وذلك من فعل السحرة الذين يوقعون العداوة والبغضاء بين الناس ويسعون في خراب البيوت العامرة وهم الذين قال الله تعالى عنـــــــهم :
(( فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بأذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق ))
ومما يدل بصورة قاطعة على أن تأثير السحر هو على عيون المشاهدين ما ذكر في سورة الأعراف عن سحرة فرعون
(( فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم و جاءوا بسحر عظيم ))
وهذا التأثير الذي يحدث للإنسان المسحور ويؤثر على رؤيته للأشياء إنما هو تأثير وقتي يزول بزوال أسبابه فعندما يتم فك السحر يعود الإنسان إلى طبيعته الأولى ..
(( وهنا يختلف السحر عن المعجزات ))
التي يمكنها أن تقلب الحقائق فعلا وليس تأثيرا على أعين المشاهدين وأوضح مثال على ذلك هو عصا موسى عليه السلام التي صارت ثعبانا حقيقيا التهم حبال وعصي سحرة فرعون , وهذه معجزة من الله تعالى الذي تعجزه الأسباب وإذا قال للشيء كن فيكون , وصورة أخرى من المعجزات لا تحدث إلا بأمر الله تعالى تأييدا لرسله ولعباده المخلصين وعندما ينتهي الغرض من المعجزة فأن الأشياء تعود إلى طبيعتها الأولى كما عادت عصا موسى عليه السلام لطبيعتها الأولى بعد أن تحولت إلى ثعبان كما قال الله تعالى لسيدنا موسى عليه الصلاة والسلام : (( خذها و لا تخف سنعيدها سيرتها الأولى ))
ويجب أن نلاحظ أن العيب ليس في عين الإنسان التي لا تدرك حقيقة السحر , لأنها محدودة القدرة ولا تستطيع الرؤية إلا في حدود معينة ولأشياء محددة ذات مواصفات خاصة , فالعين مثلا لا تدرك الكثير من الحقائق على الرغم من وجودها من حولها , فهي لا ترى إلا لمسافة محدودة ولا يمكنها أن ترى الملائكة أو الجن أو الجراثيم المنتشرة في كل مكان , أما الشياطين و الجن فأنهم يروننا من حيث لا نراهم كما قال تعالى في سورة الأعراف :
(( يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوءاتهما انه يراكم
هو وقبيله من حيث لا ترونهم * انا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون ))