بتـــــاريخ : 11/8/2008 6:04:38 PM
الفــــــــئة
  • اســــــــلاميات
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 965 0


    حول الاستغناء بالقرآن عن السنة وعلاقة السنة بالقرآن

    الناقل : heba | العمر :42 | المصدر : www.dar-alifta.org

    كلمات مفتاحية  :

    الشبهة
    هناك مَنْ يكتفون بالقرآن الكريم . . ويشككون فى صحة الأحاديث ، ويظهرون التناقضات بينها ، ويذكرون الحديث الذى ينص على عدم زيارة المرأة للقبور ، والحديث الذى يقول ( فى معناه) أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال إننى قد أمرتكم بعدم زيارة القبور من قبل ، والآن أسمح لكم بزيارة القبور  . .  فيشيرون إلى ذلك بأنه تناقض .. ويدللون على ذلك بأن الأمة قد فقدت الكثير من الأحاديث النبوية عبر الزمان ، أو أن هذه الأحاديث قد حرفت عن معانيها الصحيحة . . ( ا . هـ ) .
     
    الرد عليها
    مركز الأبحاث الشرعية بدار الإفتاء المصرية

        فى بداية الجواب عن شبهة هؤلاء الذين يشككون فى الأحاديث النبوية . ننبه على مستوى جهل كل الذين يثيرون مثل هذه الشبهات حول الحديث النبوى الشريف . . ذلك أن التدرج والتطور فى التشريع الذى يمثله حديث النهى عن زيارة القبور ثم إباحتها . . هذا التدرج والتطور فى التشريع لا علاقة له بالتناقض بأى وجه من الوجوه ، أو أى حال من الأحوال .
        ثم إن التشكيك فى بعض الأحاديث النبوية ، والقول بوجود تناقضات بين بعض هذه الأحاديث ، أو بينها وبين آيات قرآنية . . بل والتشكيك فى مجمل الأحاديث النبوية ، والدعوة إلى إهدار السنة النبوية والاكتفاء بالقرآن الكريم . . إن هذه الدعوة قديمة وجديدة ، بل ومتجددة . .وكما حذّر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكذب عليه . . فلقد حذّر من إنكار سنته ، ومن الخروج عليها .

    ونحن بإزاء هذه الشبهة نواجه بلونين من الغلو :
    أحدهما : يهدر كل السنة النبوية ، اكتفاء بالقرآن الكريم . . ويرى أن الإسلام هو القرآن وحده .
    وثانيهما : يرى فى كل المرويات المنسوبة للرسول صلى الله عليه وسلم سنة نبوية ، يكفر المتوقف فيها ، دونما فحص وبحث وتمحيص لمستويات " الرواية " و " الدراية " فى هذه المرويات . ودونما تمييز بين التوقف إزاء الراوى وبين إنكار ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . .
        وبين هذين الغلوين يقف علماء السنة النبوية ، الذين وضعوا علوم الضبط للرواية ، وحددوا مستويات المرويات ، بناء على مستويات الثقة فى الرواة . . ثم لم يكتفوا -  فى فرز المرويات - بعلم " الرواية " والجرح والتعديل للرجال - الرواة - وإنما اشترطوا سلامة  " الدراية " أيضًا لهذه المرويات التى رواها العدول الضابطون عن أمثالهم حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم .
        أى أن هؤلاء العلماء بالسنة قد اشترطوا  " نقد المتن والنص والمضمون " بعد أن اشترطوا  " نقد الرواية والرواة " وذلك حتى يسلم المتن والمضمون من " الشذوذ والعلة القادحة " ، فلا يكون فيه تعارض حقيقى مع حديث هو أقوى منه سندًا ، وألصق منه بمقاصد الشريعة وعقائد الإسلام ، ومن باب أولى ألا يكون الأثر المروى متناقضًا تناقضًا حقيقيًّا مع محكم القرآن الكريم . .
        ولو أننا طبقنا هذا المنهاج العلمى المحكم ، الذى هو خلاصة علوم السنة النبوية ومصطلح الحديث ، لما كانت هناك هذه المشكلة ـ القديمة . . المتجددة - . . ولكن المشكلة -  مشكلة الغلو ، بأنواعه ودرجاته ـ إنما تأتى من الغفلة أو التغافل عن تطبيق قواعد هذا المنهج الذى أبدعته الأمة الإسلامية ، والذى سبقت به حضارتنا كل الحضارات فى ميدان  " النقد الخارجى والداخلى للنصوص والمرويات "  . . وهذه الغفلة إنما تتجلى فى تركيز البعض على " الرواية " مع إهمال " الدراية " أو العكس . .  وفى عدم تمييز البعض بين مستويات المرويات ، كأن يطلب من الأحاديث ظنية الثبوت ما هو من اختصاص النصوص قطعية الثبوت . . أو من مثل تحكيم  " الهوى "  أو  " العقل غير الصريح "  فى المرويات الصحيحة ، الخالية متونها ومضامينها من الشذوذ والعلة القادحة . .
        وهناك أيضًا آفة الذين لا يميزون بين التوقف إزاء " الرواية والرواة " ـ وهم بشر غير معصومين ، وفيهم وفى تعديلهم وقبول مروياتهم اختلف الفقهاء وعلماء الحديث - وبين التوقف إزاء " السنة " ، التى ثبتت صحة روايتها ودرايتها عن المعصوم صلى الله عليه وسلم . . فتوقف العلماء المتخصصين ـ وليس الهواة أو المتطفلين - إزاء " الرواية والرواة " شىء ، والتوقف إزاء " السنة " التى صحت وسلمت من الشذوذ والعلل القادحة شىء آخر . . والأول حق من حقوق علماء هذا الفن ، أما الثانى فهو تكذيب للمعصوم صلى الله عليه وسلم ، والعياذ بالله . .
        أما الذين يقولون إننا لا حاجة لنا إلى السنة النبوية ، اكتفاء بالبلاغ القرآنى ، الذى لم يفرط فى شىء . . فإننا نقول لهم ما قاله الأقدمون - من أسلافنا - للأقدمين - من أسلافهم - :
         إن السنة النبوية هى البيان النبوى للبلاغ القرآنى ، وهى التطبيق العملى للآيات القرآنية ، التى أشارت إلى فرائض وعبادات وتكاليف وشعائر ومناسك ومعاملات الإسلام . . وهذا التطبيق العملى ، الذى حوّل القرآن إلى حياة معيشية ، ودولة وأمة ومجتمع ونظام وحضارة ، أى الذى " أقام الدين "  ، قد بدأ بتطبيقات الرسول صلى الله عليه وسلم للبلاغ القرآنى ، ليس تطوعًا ولا تزيّدًا من الرسول ، وإنما كان قيامًا بفريضة إلهية نص عليها القرآن الكريم ( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون ) (1) .
        فالتطبيقات النبوية للقرآن ـ التى هى السنة العملية والبيان القولى الشارح والمفسر والمفصّل ـ هى ضرورة قرآنية ، وليست تزيّدًا على القرآن الكريم . . هى مقتضيات قرآنية ، اقتضاها القرآن . .  ويستحيل أن نستغنى عنها بالقرآن . . وتأسيًا بالرسول صلى الله عليه وسلم ، وقيامًا بفريضة طاعته - التى نص عليها القرآن الكريم : ( قل أطيعوا الله والرسول ) (2) ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ) (3) ( من يطع الرسول فقد أطاع الله ) (4) ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله ) (5) ( إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله ) (6).
        تأسيًا بالرسول صلى الله عليه وسلم ، وطاعة له ، كان تطبيق الأمة - فى جيل الصحابة ومن بعده - لهذه العبادات والمعاملات . . فالسنة النبوية ، التى بدأ تدوينها فى العهد النبوى ، والتى اكتمل تدوينها وتمحيصها فى عصر التابعين وتابعيهم ، ليست إلا التدوين للتطبيقات التى جسدت البلاغ القرآنى دينًا ودنيا فى العبادات والمعاملات .
        فالقرآن الكريم هو الذى تَطَلَّبَ السنة النبوية ، وليست هى بالأمر الزائد الذى يغنى عنه ويستغنى دونه القرآن الكريم .
        أما العلاقة الطبيعية بين البلاغ الإلهى - القرآن - وبين التطبيق النبوى لهذا البلاغ الإلهى - السنة النبوية -  فهى أشبه ما تكون بالعلاقة بين " الدستور " وبين " القانون ". فالدستور هو مصدر ومرجع القانون . . والقانون هو تفصيل وتطبيق الدستور ، ولا حُجة ولا دستورية لقانون يخالف أو يناقض الدستور . . ولا غناء ولا اكتفاء بالدستور عن القانون .
        إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ليس مجرد مبلّغ فقط ، وإنما هو مبلّغ ، ومبين للبلاغ ، ومطبق له ، ومقيم للدين ، تحوّل القرآن على يديه إلى حياة عملية - أى إلى سنة وطريقة يحياها المسلمون .
        وإذا كان بيان القرآن وتفسيره وتفصيله هو فريضة إسلامية دائمة وقائمة على الأمة إلى يوم الدين . . فإن هذه الفريضة قد أقامها - أول من أقامها - حامل البلاغ ، ومنجز البيان ، ومقيم الإسلام - عليه الصلاة والسلام .
         والذين يتصورون أن الرسول صلى الله عليه وسلم مجرد مبلِّغ إنما يضعونه فى صورة أدنى من صورتهم هم ، عندما ينكرون عليه البيان النبوى للبلاغ القرآنى ، بينما يمارسون هم القيام بهذا البيان والتفسير والتطبيق للقرآن الكريم ! . . وهذا  " مذهب " يستعيذ المؤمن بالله منه ومن أهله ومن الشيطان الرجيم ! .

     

     

    الهوامش:
    ----------------------
    (1) النحل : 44 .
    (2) آل عمران : 32 .
    (3) النساء : 59 .
    (4) النساء: 80 .
    (5) آل عمران : 31 .
    (6) الفتح : 10.

    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()