|
تلحين القرآن تلحينا موسيقيا وتصويره تصويرا فنيا
الناقل :
heba
| العمر :43
| الكاتب الأصلى :
الشيخ حسن مأمون
| المصدر :
www.dar-alifta.org
ورد إلينا استفتاء من جماعة من المسلمين الغيورين على دينهم يسألون فيه عن حكم الشريعة الإسلامية في جواز تلحين القرآن الكريم تلحينا موسيقيا يقوم بأدائه بعض المطربين والمطربات ، وفي جواز تصوير القرآن تصويرا فنيا يحكى معانيه وآياته - وطلبوا منا أبداء الرأي في هذه الاتجاهات الخطيرة ونشره على الرأي العام ليكون على بينة من دينه . |
|
|
الـجـــواب
فضيلة الشيخ حسن مأمون |
|
الجواب عن الشطر الأول من السؤال نقلى وعقلى ـ أما النقلى فما جاء في مقدمة الطبرى من أن العلماء قالوا إن المعلوم على القطع والبينات أن قراءة القرآن تلقينا متواترة عن كافة المشايخ جيلا فجيلا إلى العصر الكريم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس فيها تلحين ولا تطريب مع كثرة المتعمقين في مخارج الحروف وفي المد والإدغام وغير ذلك من كيفية القراءات ، ثم إن الترجيح والتطريب همز ما ليس بمهموز ومد ما ليس بممدود . فترجع الألف الواحدة ألفات والواو الواحدة واوات فيؤدى ذلك إلى زيادة في القرآن وذلك ممنوع ، وإن وافق ذلك موضع نبرة وهمزة صيروها نبرات وهمزات ، والنبرة حينما وقعت من الحروف فإنما هي همزة واحدة لا غير إما ممدودة أو مقصورة ، فإن قيل فقد روى عبد الله بن مغفل قال قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسير له سورة الفتح على راحلته فرجع في قراءته وذكره البخاري وقال في صفة الترجيع آء آء آء ـ ثلاث مرات . قلنا ذلك محمود على إشباع المد في موضعه ، ويحتمل أن يكون حكاية صوته عند هز الراحلة كما يعترى رافع صوته إذا كان راكبا في انضغاط صوته وتقطيعه لأجل هز المركوب . وإذا احتمل هذا فلا حجة فيه . وقد خرج أبو محمد عبد الغنى بن سعيد الحافظ من حديث قنادة عن عبد الرحمن بن أبى بكر عن أبيه قال : كانت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم المد وليس فيها ترجيع . وروى ابن جريح عن عطاء عن بن عباس قال كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم مؤذن يطرب فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : إن الأذان سهل سمح فإذا كان أذانك سمحا سهلا وإلا فلا تؤذن . أخرجه الدارقطني في سننه ـ فإذا كان النبى صلى الله عليه وسلم قد منع ذلك في الأذان فأحرى أن لا يجوزه في القرآن الذى حفظه الرحمن فقال وقوله الحق ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) وقال تعالى : ( لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ) قلت : وهذا الخلاف إنما هو ما دام يفهم معنى القرآن بترديد الأصوات وكثرة الترجيعات ، فإن زاد الأمر على ذلك حتى لا يفهم معناه فذلك حرام بالاتفاق كما يفعل القراء بالديار المصرية الذين يقرءون أمام الملوك والجنائز ويأخذون على ذلك الأجور والجوائز ضل سعيهم وخاب عملهم فيستحلون بذلك تغيير كتاب الله ويهونون على نفوسهم الاجتراء على الله بأن يزيدوا في ترتيله ما ليس فيه ـ جهلا بدينهم ومروقا عن سنة نبيهم ورفضا لسير الصالحين فيه من سلفهم ونزوعا إلى ما يزين لهم الشيطان أعمالهم وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا فهم في غيهم يترددون وبكتاب الله يتلاعبون فإنه لله وإنا إليه راجعون ، ولكن قد أخبر الصادق أن ذلك يكون فكان كما أخبر صلى الله عليه وسلم . ذكر الإمام الحافظ أبو الحسين رزين وأبو عبد الله الترمذي الحكيم في نوادر الأصول من حديث حذيفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( اقرءوا القرآن بلحون العرب وأصواتها وإياكم ولحون أهل العشق ولحون أهل الكتابيين وسيجئ بعدى قوم يرجعون بالقرآن ترجيع الغناء والنوح لا يجاوز حناجرهم مفتونة قلوبهم وقلوب الذين يعجبهم شأنهم ) واللحون جمع لحن وهو التطريب وتحسينه بالقراءة والشعر والغناء ، قال علماؤنا ويشبه أن يكون هذا الذي فعله قراء زماننا بين يدي الوعاظ وفي المجالس من اللحون الأعجمية التى يقرءون بها ما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والترجيع في القرآن ترديد الحروف كقراءة النصارى . والترتيل في القراءة هو التأنى فيها والتمهل وتبيين الحروف تشبيها بالثغر المرتل وهو المشبه بنور الأقحوان . وهو المطلوب في القراءة . قال الله تعالى : ( ورتل القرآن ترتيلا ) وسئلت أم سلمة عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقالت ما لكم وصلاته كان يصلى ثم ينام قدر ما صلى ثم يصلى قدر ما نام ثم ينام قدر ما صلى حتى يصبح ، ثم نعتت قراءته فإذا هى تنعت قراءة مفسرة حرفا حرفا أخرجه النسائى وأبو داود والترمذى وقال هذا حديث حسن صحيح غريب . هذا بعض ما جاء في مقدمة الطبرى من الجزء الأول من تفسيره .
وللمرحوم مصطفى صادق الرافعى في كتابه إعجاز القرآن بحث بعنوان ـ قراءة التلحين نذكر منه ما يأتى : ومما ابتعد في القراءة والأداء هذا التلحين الذي بقى إلي اليوم بتناقله المفتونة قلوبهم وقلوب من يعجبهم شأنهم ويقرءون به على ما يشبه الإيقاع وهو الغناء النقى ـ ومن أنواعه عندهم في أقسام النغم ( الترعيد ) وهو أن يرعد القارئ صوته قالوا كأنه يرعد من البرد والألم و ( الترقيص ) وهو أن يروم السكوت على الساكن ثم ينقر مع الحركة كأنه في عدو أو هرولة ( والتطريب ) وهو أن يترنم بالقرآن ويتنغم به فيمد في غير مواضع المد ويزيد في المد إن أصاب موضعه و( التخزين ) وهو أن يأتي بالقراءة على وجه حزين يكاد يبكى من خشوع وخضوع ثم ( الترديد ) وهو رد الجماعة على القارئ في ختام قراءته بلحن واحد على وجه من تلك الوجوه . وإنما كانت القراء تحقيقا أو حدرا أو تدويرا والتحقيق إعطاء كل حرف حقه على مقتضى ما أقره العلماء مع ترتيل وتؤده . والحدر إدراج القراءة وسرعتها مع مراعاة شروط الأداء الصحيحة . والتدوير التوسط بين التحقيق والحدر- فلما كانت المائة الثانية كان أولى من قراءة بالتلحين والتطنين عبيد الله بن أبى بكرة وكانت قراءته حزنا ليس على شيء من ألحان الغناء والحداء فورث ذلك عنه حفيه عبد الله بن عمر بن عبيد الله فهو الذى يقال له قراءة ابن عمر وأخذها عنه الأباضى ثم أخذ سعيد بن العلاف وأخوه عن الأباضى وصار سعيد رأس هذه القراءة في زمنه وعرفت به لأنه اتصل بالرشيد فأعجب بقراءته وكان يحظيه ويعطيه حتى عرف بين الناس بقارئ أمير المؤمنين ـ وكان القراء بعده كالهيثم وإبان وابن أعين وغيرهم ممن يقرءون في المجالس والمساجد يدخلون في القراءة ألحان الغناء والحداء والرهبانية فمنهم من كان يدس الشيء من ذلك دسا خفيا ومنهم من يجهر به فمن هذا قراءة الهيثم { أما السفينة فكانت لمساكين } فإنه كان يختلس المد اختلاسا فيقرؤها ( لمسكين ) وإنما سلخه من صوت الغناء كهيئة اللحن في قول الشاعر :
أما العطاة فإني سوف أنعتها * نعتا يوافق عندي بعض مفيها
أي ما فيها وكان ابن أعين يدخل الشيء من ذلك ويخفيه حتى كان الترمذي محمد بن سعيد في المائة الثالثة ، وكان الخلفاء والأمراء يومئذ قد أولعوا بالغناء وافتنوا فيه ، فقرأ محمد هذا على الأغانى المولدة المحدثة سلخها في القراءة بأعيانها ، وقال صاحب جمال القراءة إن أول ما غنى به في القرآن قراءة الهيثم ( أما السفينة ) كما تقدم فلعل ذلك أول ما ظهر منه ـ ولم يكن يعرف مثل هذا شيء لعهد النبى صلى الله عليه وسلم ولا لعهد أصحابه وتابعيه إلا ما رواه الترمذي في الشمائل . واختلفوا في تفسيره فقد روى باسناده عن عبد الله بن مغفل قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم على ناقة يوم الفتح ( فتح مكة ) وهو يقرأ قوله تعالى ( إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفرالله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ) قال فقرأ ورجع وفسره ابن المغفل بقوله آ آ آ بهمزة مفتوحة بعدها ألف ساكنة ثلاث مرات ، ولا خلاف بينهم في أن هذا الترجيع لم يكن ترجيع غناء . وكان في الصحابة والتابعين رضى الله عنهم من يحكم القراءة على أحسن وجوهها ويؤديها بأفصح مخرج فكأنما يسمع منه القرآن غضا طريا لفصاحته وعذوبة منطقه وانتظام نبراته وهو لحن اللغة نفسها في طبيعتها لا لحن القراءة في الصناعة ؛ على أن كثيرا من العرب كانوا يقرءون القرآن ولا يعفون ألسنتهم مما اعتادته في هنيئة إنشاد الشعر مما لا يخل بالأداء ولكنه يعطى القراءة شبها من الإنشاد تقريبا لتمكن ذلك منهم وانطباع الأوزان في الفطرة حتى قيل في بعضهم إنه يقرآ القرآن وكأنه رجز الأعراب وهذا عندنا هو الأصل فيما فشا بعد ذلك من الخروج عن هيئة الإنشاد إلى هيئة التلحين وخاصة بعد أن ابتدع الزنادقة في إنشاد الشعر هذا النوع الذي يسمونه التغيير ولم يكن معروفا في إنشاد الشعر قبل ذلك وهم أنهم يتناشدون الشعر بالألحان فيطربون ويرقصون ويهرجون ويقال لمن يفعلون ذلك المغيرة وعن الشافعي رحمه الله أرى الزنادقة وضعوا هذا التغيير ليصدوا الناس عن ذكر الله وقراءة القرآن . وبالجملة فإن المتعبد يفهم معانى القرآن في وزن التعبد بتصحيح ألفاظه وإقامة حروفه على الصفة المتلقاة من أئمة القراءة المتصلة بالنبي صلى الله عليه وسلم . وقد عقد الإمام جلال الدين السيوطى في الجزء الأول من كتابه ( الاتقان في علوم القرآن ) فصلا في كيفيات القراءة بالصفحة 172 وسنذكر منه ما يلى : كيفيات القراءة ثلاث : إحداها التحقيق وهو إعطاء كل حرف حقه من إشباع المد وتحقيق الهمزة وإتمام الحركات واعتماد الإظهار والتشديدات وتفكيكها وإخراج بعضها من بعض بالسكت والترتيل والتؤدة وملاحظة الجائز من الوقوف بلا قصر ولا اختلاس ولا إسكان محرك ولا إدغامه وهو يكون لرياضة الألسن وتقويم الألفاظ ، ويستحب الأخذ به على المتعلمين من غير أن يتجاوز إلى حد الإفراط بتوليد الحروف من الحركات وتكرير الراآت وتحريك السواكن وتطنين النونات بالمبالغة في الغنات كما قال حمزة لبعض من سمعه يبالغ في ذلك أما علمت أن ما فوق البياض برص وما فوق الجمودة قطط وما فوق القراءة ليس بقراءة ـ وكذلك يحترز عن الفصل بين حروف الكلمة كمن يقف على التاء من نستعين وقفة لطيفة مدعيا أنه يرتل وهذا النوع من القراءة مذهب حمزة ، وقد أخرج فيه الداني حديث في كتاب التجويد مسلسلا إلى أبى بن كعب أنه قرأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم التحقيق وقال إنه غريب مستقيم الإسناد . الثانية : الحدر : بفتح الحاء وسكون الدال وهو : إدراج القراءة وسرعتها وتخفيفها بالقصر والتسكين والاختلاس والبدل والإدغام الكبير وتخفيف الهمزة ونحو ذلك مما صحت به الرواية مع مراعاة إقامة الإعراب وتقويم اللفظ وتمكين الحروف بدون بتر حروف المد واختلاس أكثر الحركات وذهاب صوت الغنة والتفريط إلى غاية لا تصح بها القراءة ولا توصف بها التلاوة ، وهذا النوع هو مذهب ابن كثير وأبي جعفر . ومن قصر المنفصل كأبى عمرو ويعقوب .
الثالثة : التدوير وهو التوسط بين المقامين بين التحقيق والحدر وهو الذى ورد عن أكثر الأئمة ممن مد المنفصل ولم يبلغ فيه الإشباع وهو مذهب سائر القراء وهو المختار عند أكثر أهل الأداء . وسيأتى بيان استحباب الترتيل في القراءة . والفرق بينه وبين التحقيق فيما ذكره بعضهم أن التحقيق يكون للرياضة والتعليم والتمرين ، والترتيل يكون للتدبير والتفكير والاستنباط فكل تحقيق ترتيل وليس كل ترتيل تحقيقا .
ثم جاء بعد ذلك بفصل آخر في تجويد القرآن قال فيه من المهمات تجويد القرآن . وقد افرده جماعة كثيرون بالتصنيف منهم الدانى وغيره أخرج عن أبى مسعود أنه قال : جودوا القرآن ـ قال القراء التجويد حلية القراءة وهو إعطاء الحروف حقوقها وترتيبها ورد الحرف إلى مخرجه وأصله بتلطيف النطق به على كمال هيئة من غير إسراف ولا تعسف ولا إفراط ولا تكلف وإلى ذلك أشار النبي صلى الله عليه وسلم بقوله ( من أحب أن يقرأ القرآن غضا كما نزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبيد ) يعنى ابن مسعود وكان رضى الله عنه قد أعطى حظا عظيما في تجويد القرآن . ولا شك أن الأمة كما هم متعبدون بفهم معانى القرآن وإقامة حدوده متعبدون بتصحيح ألفاظه وإقامة حروفه على الصفة المتلقاة من أئمة القراء المتصله بالحضرة النبوية ـ وقد عد العلماء القراءة بغير تجويد لحنا ، فقسموا اللحن إلى جلي وخفي . فاللحن خلل يطرأ على الألفاظ فيخل ، إلا أن الجلي يخل إخلالا ظاهرا يشترك في معرفته علماء القراءة وغيرهم وهو الخطأ في الإعراب . والخفى يخل إخلالا يختص بمعرفته علماء القراءة وأئمة الأداء والذين تلقوه من أفواه العلماء وضبطوه من أهل الأداء . قال ابن الجزرى ولا أعلم لبلوغ النهاية في التجويد مثل رياضة الألسن والتكرار على اللفظ المتلقى من فم المحسن . وقاعدته ترجع إلى كيفية الوقف والإمالة والإدغام وأحكام الهمزة والترقيق والتنغيم ومخارج الحروف ويكفينا هذا في الدليل النقلى الذي يثبت بما لا يدع للشك أن قراءة القرآن يجب أن يراعى فيها الرجوع إلا ما كان عليه الناس في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين وليس فيها ترجيع أو غناء ، وإذا كان المسلمون قد بدءوا بعد المائة الأولى من الهجرة بأن عدلوا عن القراءة على هذا النحو فإن ذلك يعتبر بدعة في قراءة القرآن ، أي في أمر يرتبط ارتباطا وثيقا بكتاب الله الذي نزل على رسوله وسمعه الرسول من الوحى وقرأه عليه ونقله على أصحابه كما سمعه . وهذه البدعة التى ابتدعها الزنادقة ليصرفوا الناس عن ذكر الله وعن قراءة القرآن كما قرأها الرسول وأصحابه من أخطر البدع لأن الله تعبدنا بفهم معانى القرآن والعمل بأحكامه وتعبدنا أيضا بتصحيح ألفاظه وإقامة حروفه على الصفة التي تلقاها العلماء عن النبى صلى الله عليه وسلم . وإذا كان هذا هو رأي العلماء في قراءة القرآن على صورة التلحين والغناء والتطريب وهو المنع والتحريم فإن من المقطوع به أنهم يحرمون بالأولى إخضاع القرآن للنغمات الموسيقية وقراءته قراءة مصحوبه بالآلات الموسيقية والتغني به كما يفعلون بالقصائد والأناشيد ـ وإذا صرفنا النظر عما نقل عن المحققين من العلماء وأئمة القراء فإن البحث يقتضينا القول بمنع الغناء بالقرآن وتلحينه تلحينا موسيقيا وإسماعه للناس من المقرئين مصحوبا بالآلات الموسيقية كما يسمعون أية قطعة غنائية وبضرورة منع كل من يسعى لأن يفتن المسلمين في كتابهم المقدس الذي يحرصون كل الحرص على أن يبقى له جلاله واحترامه وقدسيته ، فإن القرآن وهو كلام رب العالمين أنزله الله على رسوله هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان ، ولم ينزله ليطرب به الناس وليتغنوا به كما يطربون ويتغنون بكلام البشر ، وقد أمر المسلمون بفهم معانيه وتدبر ما فيه من عظات وآداب والعمل بكل أحكامه ، وكتاب هذا شأنه يجب أن يكون له قدسيته واحترامه ، وكل عمل يترتب عليه إخراجه عن هذه الغاية يعتبر عملا منكرا لا يقره الدين ـ فمن حق القرآن أن يسمع في جو من السكينة والاحترام قال الله تعالى ( وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون ) وسماع القرآن كما تسمع الأغاني يجعله أداة لهو وطرب ينصرف فيه السامع إلى ما فيه من لذة وطرب عما أنزل القرآن له من هداية الناس وإرشادهم . وإذا كان من المسلم به أن لكل مقام مقالا وأن لكل مجلس ما يلائمه ، فمجلس الهداية والإرشاد يخالف مجلس اللهو والطرب فلا يجوز أن ننقل القرآن من أن يكون هداية للناس إلى أن يكون أداة للهوهم ولذتهم وطربهم ، ولعل أكبر دليل على الفرق بين المجلسين ما نشاهده الآن في الأماكن التى يجتمعون فيها لسماع أحد المغنين أو المغنيات ، فإنهم في مجلس القرآن يفتحون آذانهم وقلوبهم لفهم معانى القرآن مع الخشوع والخضوع والاحترام لمجلس القرآن ـ وفي مجلس الغناء يطربون ويصخبون وتعلوا أصواتهم بالاستحسان وطلب الإعادة والتكرير وبغير ذلك من الألفاظ التي تشعر بخروجهم عند حدود الوقار والسكينة إلى مستلزمات الغناء والطرب ـ وأيضا فإن القرآن الملحن بالموسيقى ليس هو القرآن الذي أنزله الله على رسوله وتعبدنا بتلاوته التي تلقيناها عن الرسول صلى الله عليه وسلم وإذا كان أهل الأديان السماوية السابقة قد حرفوا وبدلوا في كتب الله التي أنزلها الله عليهم لهدايتهم وإرشادهم فإننا إذا أجزنا قراءة القرآن ملحنا تلحينا موسيقيا وسماعه مصحوبا بآلات الموسيقى نكون قد وقعنا فيما وقع فيه غيرنا ، وحرفنا كتاب الله وبدلناه ، وفي ذلك ضياع الدين وهلاك المسلمين ويجب على علماء المسلمين ومفكريهم والحريصين على أن تستقيم أمور دينهم أن يقفوا وفقة حاسمة يمنعون بها كل من تحدثه نفسه بأن يقرآن القرآن ملحنا تلحينا موسيقيا ويتغنى به كما يتغنى بأية قصيدة من القصائد حتى يدفعوا عن كتابهم شرا مستطيرا يوشك أن يقع به ، وليذكروا قول الله تعالى ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) وقوله تعالى : ( وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا أو بدله قل ما يكون لي أن أبدله من تلقآئ نفسي إن اتبع إلا ما يوحى إلى إنى أخاف إن عصيت ربى عذاب يوم عظيم ) .
والجواب عن الشطر الثاني من السؤال :
إن كتابة المصحف توقيفية ، لا يجوز إحداث تغيير فيها . فقد سئل مالك هل يكتب المصحف على ما أحدثه الناس من الهجاء فقال لا ، إلا على الكتبة الأولى رواه الدانى في المقنع ، ثم قال ولا مخالف له من علماء الأمة . وقال في موضع آخر سئل مالك عن الحروف في القرآن مثل الوار والألف ألا ترى أن يغير من المصحف إذا وجد فيه كذلك قال لا . قال أبوعمرو يعنى الواو والألف المزيدتين في الرسم الممدودتين في اللفظ نحو أولوا ـ وقال الإمام أحمد يحرم مخالفة خط مصحف عثمان في واو وياء أو ألف أو غير ذلك ـ وقال البيهقى في شعب الإيمان من يكتب مصحفا فينبغي أن يحافظ على الهجاء الذي كتبوا به تلك المصاحف ولا يخالفهم فيه ولا يغير مما كتبوه شيئا فإنهم كانوا أكثر علما وأصدق قلبا ولسانا وأعظمهم أمانة منا ، فلا ينبغي أن نظن بأنفسنا استدراكا عليهم ـ قال الإمام السيوطي بعد أن نقل ما تقدم في كتابه الاتقان في علوم القرآن قلت : وينحصر أمر الرسم في ستة قواعد الحذف والزيادة والهمزة والبدل والوصل والفصل وما فيه قراءتان فكتب على إحداهما . ثم ذكر أحكام هذه القواعد وتجدها مدونة في كتابه ـ ومما تقدم يتضح أن رسم الكتابة في المصحف قد تلقاه العلماء وحافظوا عليه ولم يرتضوا مخالفته ، وحرموا مخالفة خط مصحف عثمان . وإذا كان هذا بالنسبة لكتابة المصحف ليوافق قواعد الهجاء التي تكتب بها فإن كتابته مصحوبة بالصور أولى بالمنع . ومن حرم تغيير رسم مصحف عثمان يحرم أن يكتب المصحف وفيه صور تبين القصص الواردة فيه وتوضحها ومن ناحية أخرى فإن إباحة تصوير المصحف تنجم عنه مفاسد يجب منعها ، فإن تصوير قصة يوسف مثلا معناه أن يصور بعض الأنبياء صورا لا تليق بمقام النبوة وهو مقام له قداسته وحرمته ، والاجتراء على مقام الأنبياء حرام باتفاق العلماء ـ وكذلك تصوير قصة آدم وحواء وخروجها من الجنة وهبوطها إلى الأرض وكشف سوأتهما مما لا يليق ولا يصح . وبعد فأية فائدة يمكن أن يحصل عليها المسلمون من الاجتراء على كلام رب العالمين الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد . فليتق الله كل من يفكر في إباحة تصوير المصحف . فإن المسلمين بخير ما حافظوا على كتاب الله وهم على شر حال إذا ما تهاونوا في المحافظة عليه . ولذلك كله نرى أنه لا يجوز بحال أن يطبع المصحف وفيه أي تغيير في رسمه أو إضافة أية صورة إليه . والله سبحانه وتعالى أعلم . |
|