بتـــــاريخ : 10/23/2008 8:04:32 PM
الفــــــــئة
  • اســــــــلاميات
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1593 0


    حقوق الإنسان فى الفكر الإسلامى

    الناقل : heba | العمر :43 | المصدر : www.dar-alifta.org.eg

    كلمات مفتاحية  :
    إسلام فكر اسلامى حقوق الانسان

    ما هى المكانة التى تمثلها حقوق الإنسان فى الفكر الإسلامى ؟

    والجواب : 

        حقوق الإنسان من الموضوعات التي شاع ذكرها على ألسنة الناس وأصبحت موضوع حديثهم، ويسأل كثير منهم عن موقف الإسلام منها، والإسلام ينظر إلى الكون باعتباره مخلوقًا لخالق عظيم قدير جلَّ في أوصافه وتعالى في ذاته، وأنه سبحانه هو الحق، وأن الكون - أي العالم - هو ما سوى الله، وأن عالم الأشياء والنبات والحيوان والإنسان كلها مخلوقة لأنها من الكون، ثم يرى صورة واضحة محددة في تعامل الإنسان مع هذا الكون، وفي حقوق هذا الكون عليه، وواجبات الإنسان في تعامله، فحقوق الإنسان هي جزء من منظومة حقوق الأكوان ومن هذه النظرة وهذا المدخل نلقي الضوء على قضية حقوق الإنسان في الإسلام من خلال حقوق الأكوان حتى يتضح لنا مكان تلك الحقوق من هذه المنظومة ومدى عمقها وتغلغلها في نسيج رؤية المسلم الكلية، وعقيدته السمحة التي تسعى دائما لإدراك الحق، والحقيقة، ومدى ارتباطها في تلك النظرة الكلية بالأحكام الشرعية، وبحاكمية الله سبحانه وتعالى.

    حقوق الإنسان لغة واصطلاحا :
        مركب إضافي لا ندرك معناه إلا بإدراك كل من أجزائه، فكلمة «حقوق» جمع حق وهي تعني في معناها الدلالي المعجمي: الثابت، وكلمة إنسان من مادة (ن س ي) ومنه قول الشاعر:
    وما سُمِّي الإنسان إلى لنسيه     وما أول ناسٍ إلا أول الناس
        يشير إلى قوله تعالى: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا}( 1).
        والإضافة تأتي بمعنى اللام وما تدل عليه، واللام تأتي للملك، والاختصاص، وأدنى ملابسة ومعنى هذا أن ذلك التركيب الإضافي يعني الثوابت التي تختص بالإنسان فلا تتغير والتغير يحدث عادة من أحد أربعة جهات: الزمان، والمكان، والأشخاص والأحوال، فهناك أعراف: وعادات تتغير بتغير الزمان ومرور العصور والدهور، وهناك أمور من المأكل والمشرب والمذاهب والأفكار تتغير من مكان إلى مكان بحسب طبيعته وما تؤدي إليه، وهناك أمور أخرى تتعلق بالإنسان تختلف باختلاف الأشخاص، وما يميزهم بعضهم عن بعض كاللون والعرق والصفات الجسدية من قوة وضعف وطول وقصر ونوع من ذكر، وأنثى وقد تختلف الصفات؛ والأمور المتعلقة بالإنسان أيضا من جهة الأحوال التي يمر بها من صحة ومرض وتقدم وتخلف وكفر وإيمان، إلا أن هناك ثوابت لا تتغير ولا تتبدل هي المكون الحقيقي للإنسان وهي الثوابت التي تختص به وهي حقوق الإنسان.
        هذا هو الفهم اللغوي الذي يتبادر إلى ذهن العربي من سماعه تلك العبارة. فما معناها الاصطلاحي إذن؟
    في المادة (55) فقرة (ج) من ميثاق الأمم المتحدة عبارة نصت على:
        "أن يشيع في العالم احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين ولا تفريق بين الرجال والنساء ومراعاة تلك الحقوق فعلا" وأصبحت تلك العبارة (حقوق الإنسان وحرياته الأساسية) عنوانا على مجهودات تالية ظهرت في إعلانات ووثائق الأمم المتحدة ووثائقها.
        ففي1 ديسمبر 1948 صدر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من الأمم المتحدة الذي تضمن قائمة بمختلف الحقوق السياسية والمدنية والاجتماعية للإنسان.
        وأقرته الجمعية العامة إلا ثماني دول هي الكتلة السوفيتية ويوغسلافيا وجنوب إفريقيا، وتحفظت السعودية على ما يعارض الشريعة الإسلامية، ولقد تضمن الإعلان ثلاثين مادة تغطي الجوانب المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للإنسان.
        وفي 16 ديسمبر سنة 1966 وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على ثلاثة مستندات دولية: أولاها: اتفاقية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للإنسان. وثانيها: اتفاقية الحقوق المدنية والسياسية . وثالثها: بروتوكول اختياري ملحق بالاتفاقية الثانية متعلق بشكاوى الأفراد ضد انتهاك حقوقهم ويطلق على هذه الوثائق بالإضافة إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان مصطلح «الوثيقة الدولية لحقوق الإنسان»(2 ).
        ومن جهة أخرى فإن العالم الغربي يشغل نفسه منذ فترة ليست بالقصيرة بمسألة حقوق الإنسان، فمنذ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر من الأمم المتحدة سنة 1948م وحتى اليوم وهناك اهتمام عالمي بهذه المسألة، وصدرت وثائق ومعاهدات واتفاقات حول هذه المسألة بخلاف عشرات الآلاف من الدراسات بلغات الدنيا المختلفة، ونشأت هيئات وجمعيات غير حكومية وحكومية لرعاية حقوق الإنسان وحفظ كرامته.

    وهذه الحقوق لا تخرج عن:
        حق تقرير المصير، حق العمل وكسب معيشته، حق تكوين النقابات، حق الضمان الاجتماعي، حق حماية الأسرة والأطفال، حق الصحة البدنية والعقلية، حق التعليم والثقافة والتربية، حق تحسين مستوى المعيشة ، الحريات العامة (حرية الانتقال، العمل، الفكر، الرأي، الاعتقاد، المشاركة السياسية، الزواج، المساواة).
        وعلى ذلك جرت الأمور حول حقوق الإنسان وحرياته العامة، تتلخص في أن هناك مجموعتين من تلك الحقوق والحريات سياسية ومعيشية.

    القسم الأول: ما يتعلق بالمعيشة
        يظهر في المحافظة على الحياة نفسها ثم على الحياة الكريمة التي تكفل الغذاء والكساء والدواء والتعليم والزواج و… إلخ وأن يكون الإنسان حرًّا في نقله وعمله واعتقاده وآرائه وفكره … إلخ، والسياسية تتعلق بممارسة دوره لقيادة الحياة وتوجيهها.
        وقد ترى أن القسم الأول الذي يمكن أن نطلق عليه المعيشي هو الجانب الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والديني والذي ينظمه عندنا المقاصد الخمسة التي جعلها الأصوليون منذ الغزالي في المستصفى ثم الشاطبي في الموافقات هي مقاصد المكلفين، وهي: حفظ النفس، والعقل، والدين، والعرض (كرامة الإنسان)، والمال (الملك والمعد للتملك) وأن المسلمين جعلوها على ثلاثة مستويات: ضرورية وحاجية وتكميلية، وقسَّموا الأحكام الشرعية عليها على مستويين في كل قسم هي الأصلية والفرعية.
        وهنا يجدر أن نلاحظ مسألة غاية في الأهمية وهي أن الحقوق في الشريعة الإسلامية قد تحولت إلى واجبات فأصبحت واجبات يجب أن يحصلها وإلا يكون آثما في التخاذل عنها، فلم يعد الإنسان محتاجًا إلى استجدائها ومنتظرًا للآخرين أن يقروها بل إنَّ أصل خلقه وتكليفه قائم عليها، ويجب عليه ذلك.
        ومن هنا اختلط على كثير من الناس تصنيف حضارة المسلمين أنها حضارة واجبات أدت إلى الديكتاتورية والتسلط وأن حضارة الغرب حضارة حقوق، والأمر ليس كذلك بل الحضارة الإسلامية - التي جعلت الدين أساسها ومنطلقها - كانت حضارة حقوق وصلت إلى حدِّ الواجبات.

    القسم الثاني: الحقوق السياسية
        فهو مندرج تحت تنظيم المجتمع، وأساليب ذلك التنظيم ومرجعه في الإسلام إلى الفقه - أي القانون الحاكم لحياة البشر - وفيه من التفصيل ما يجعل الصورة كاملة متسقة في منظومة لا اضطراب فيها ولا تناقض.
        ومن هنا فإن الحقوق السياسية والحريات الأساسية المتعلقة بها لا نزاع حولها حيث إنَّ الإطار العام في احترام كرامة الإنسان قائم عبر التاريخ لدى جملة العقلاء.

    حقوق الإنسان فى الإسلام :
        لقد اهتم المسلمون بهذه الحقوق ، ومما قالوه ونفذوه في حضارتهم (الإنسان قبل البنيان) و(تربية الساجد قبل بناء المساجد) ولذلك اهتموا أن تذهب الرعاية إلى الإنسان وأن تزيين البنيان يأتي في المرتبة الثانية بعد اكتفاء الإنسان والقيام بجميع شئونه، وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «جُعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا»( 3).
    1- فيمكن للمسلم وقد كلف بخمس صلوات في اليوم والليلة أن يصلي حيثما أدركته الصلاة في أي مكان في الأرض، بل إن اتصال الإنسان بهذه الأرض التي يسجد عليها لله لم يقتصر على ذلك بل امتد إلى استعمال ترابها في التيمم الذي هو بديل عن الماء إذا فقده المصلي، فالماء به الاغتسال والوضوء، فإن فقدناه استعملنا الأرض بديلا عنه، وكأنه يشير إلى البداية والنهاية، أما البداية {وَجَعَلْنَا مِنَ المَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلاَ يُؤْمِنُونَ }(4 ) وأما النهاية {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى }(5 ).
    2- واهتم المسلمون بالإنسان فجعلوا مقاصد الشريعة التي خاطبته والتي يخاطب بها الناس أجمعون وتتجاوز الزمان والمكان في جميع الأحوال خمسة: حفظ النفس حتى تقوم حية قابلة للخطاب، وحفظ العقل وعدم الاعتداء عليه بأي تسلط أو إكراه، بل هناك حفظ عليه في أساسه، وحفظ عليه في منهج تفكيره، وحفظ عليه في حريته وإبداعه حتى في مسائل الإيمان قال تعالى: {لاَ إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ}(6 ) و{لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ }(7 ) و{فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}(8 ) بالإضافة إلى حفظه بتحريم كل مسكر ومفتر قال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ العَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ }(9 ) وعن أم سلمة رضي الله عنها: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر(10).
        وحفظ الدين فإن الله يحب المتقين والصابرين والمتوكلين والمحسنين، ولا يحب المفسدين، ولا المتكبرين والخائنين، ويحب ولا يحب دستور الإنسان الحضاري. وحفظ كرامة الإنسان التي سميت في تراثنا بالعرض، ولقد أحيط بسياج كبير من الضمانات حرمت الاحتجاز القسري، والاعتقال العشوائي والتعذيب للمتهم، وحرمت السب والقذف والاتهام المسبل عن الدليل، وحرمت التفرقة العنصرية بكافة أشكالها وغير ذلك كثير من حفظ حقوق الإنسان في كرامته.
        واهتم المسلمون بحفظ ملك الإنسان وحرمة الاعتداء على ماله واغتصاب حقه وجعل هذا من الكبائر التي تهدم الاجتماع البشري. ومن كل هذا بنيت الحضارة الإسلامية على مؤسسة القضاء.
    3- وحقوق الإنسان التي نقشت على جدران الأمم المتحدة في مدخلها - والتي نرجو من الله أن لا تكون قد نقشت على الحجر ثم حرموها البشر - وافق عليها المسلمون في العصر الحديث كما وافقوا على كل دعوة إلى الخير وعلى كل اتفاق على الرشد، كما وافقوا كذلك على إلغاء الرق ورأوا فيها مشتركا يمكن أن يتفق عليه الناس ويعيشوا فيما بينهم بسلام.
        ولكن من غير تأسيس نظري أو فلسفي ومن غير نظام واضح المعالم رأينا من يحشر حقوقًا مدعاة للإنسان لم يتفق عليها البشر، والحقوق المعتبرة الملزمة هي الحقوق التي يتفق عليها البشر أما ما لم يتفق عليه البشر فإنه لا عبرة فيه، وهذا ما زال يمثل ثقافة سائدة عند من اخترعه أو وافق عليه، وهذه الحجة يجب ألا تغيب في ظل ارتفاع الأصوات والضجيج والغوغائية التي أصبحت هي السمة الغالبة في الناس بعد أن تأخر التفكير عن النشاط كما يقول (رينيه جونو) المفكر والفيلسوف الفرنسي وهو يتأمل في تدهور الحالة الفكرية لعموم العالم أين (مونيسيكو ولوك وسبنسر وفولتير وجان جاك رسو وهيوم) فقد كانوا يتكلمون بشيء قابل للبحث والمناقشة وعرضوا أفكارهم بطريقة لافتة للنظر مع رفضنا لكثير مما ذهبوا إليه، ولكن يبدو أن عدوا عاقلاً خير ألف مرة من صديق جاهل.
    4- من أين سَرَتْ لحقوق الإنسان قضية الشذوذ الجنسي؟ من الذي جعل الشذوذ المقرف المخالف لكل دين على وجه الأرض عرفته البشرية، ذلك الشذوذ المسبب لدخول الإنسان في حياته جحيمًا لا يستطيع الفكاك منه، ونارًا لا يستطيع أن يخرج منها، فيصاب بالاكتئاب والأمراض؟ من الذي دسه وسط حقوق الإنسان؟ ما نظريته أو فلسفته؟ إنها محض غوغائية وصوت عال متشنج يقول: «اتركوا الإنسان في حياته الشخصية هو حر فيها» وهل هو حر في الانتحار؟ وهل هو حر في ممارسة الخيانة العظمى ضد دولته ووطنه ومجتمعه؟ وهل هو حر في تناول المخدرات وممارسة الدعارة والقتل للملل والقتل للمرض والقتل بالاتفاق؟ إلى آخر هذه القائمة التي أباحها بعضهم في مجتمعاتهم. فهل إباحة بعض الناس لهذا الهراء يدخله في حقوق الإنسان التي يجب أن يلتزم بها العالم كله؟ إن أول شروط حقوق الإنسان أن يكون متفقًا عليها.
    5- ومصيبة أخرى وهي عقوبة الإعدام التي يراد نفيها وإلغاؤها، وهي تحتاج منا إلى نظر، وتأتي حيث إن الإعدام بضماناته ووضعه هو حق من حقوق الإنسان؛ حيث إن فلسفة العقوبة بٍُنيت على ردع المجرم والقضاء على الجريمة والضمانات والشروط الموضوعة تكفي لتحقيق ذلك، ونظرية القصاص في الشريعة الإسلامية التي تمكن من العفو من أهل القتيل، فنشأ القصاص لتهدئة بالهم وإصلاح ذات البين أكثر تطورًا من الناحية الإنسانية من عقوبة الإعدام التي نمارسها اليوم، ففرصة العفو وفرصة التعويض المادي المسمى بالدية تضفي إنسانية أعلى من العقوبة المجردة. أما إلغاء الإعدام بالكلية كما ينادي به الصوت العالي غير المؤسس على نظر صحيح، ولا حتى فلسفة واضحة إنما هو اعتداء في نهايته على حقوق الإنسان.
    6- ينظر المسلم إلى الكون باعتباره مخلوقًا لخالق عظيم، وأنه يسبح لخالقه، وأنه يتفاعل مع الأحداث، يخضع خضوع المخلوقات لله وحده، وأنه يسير في تيار يساعد الإنسان الذي يسير معه ويعاكس الإنسان الذي يسير ضده وهذه جملة من الآيات التي لا تحتاج إلى تعليق توضح الأمر بجلاء ووضوح:
    1- {تَبَارَكَ الَّذِى بِيَدِهِ المُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ , الَّذِى خَلَقَ المَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ العَزِيزُ الغَفُورُ }(11).
    2- {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ }(12).
    3- {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِى مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِى ضَلالٍ مُّبِينٍ }(13).
    4- {ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا العَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا المُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا العِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الخَالِقِينَ } (14)     
    5- {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا }(15).
    {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِى السَّمَوَاتِ وَمَا فِى الأَرْضِ المَلِكِ القُدُّوسِ العَزِيزِ الحَكِيمِ }(16).
    6- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }(17).
    7- {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ }(18).
    8- {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَان َظَلُومًا جَهُولًا }(19).
    9- {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ }(20 ).
        فالكون يسبح ويسجد ويبكي ويأتي ويطيع، وهو مقهور تحت سلطان الله - سبحانه وتعالى - سار الجميع في الركب وميز الله الإنسان بالعقل وسخر له هذا الكون الذي أشفق من حمل الأمانة قال تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِى السَّمَوَاتِ وَمَا فِى الأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}(21 ).
        {اللَّهُ الَّذِى خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِى البَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ , وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ , وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ }(22 ).
        ومن هنا يتبين أن الكون له حقوق بما فيه من جماد ونبات وحيوان، وقد بيَّن الله لنا أننا نتفاعل معه، وأننا لسنا جزءًا منه، بل فضلنا على كثير مما خلق، وسُخرت لنا السموات والأرض جميعًا منه - سبحانه وتعالى - وأننا مكرَّمين حملنا الأمانة، ويجب أن نراعيها حق رعايتها، ومن أجل ذلك كُلفنا بالأوامر، والنواهي التي منها الحفاظ على الكون كله، ومعاملته على أنه مخلوق لله، قال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِى البَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا }(23 ).
        واستعمال المصدر يفيد التأكيد، وهو في هذا المقام ينفي المجاز ويثبت الحقيقة، ويكون المعنى أن تفضيلهم تفضيلٌ حقيقي لا مجاز ولا تجاوز فيه.
        فللكون حقوق، والإنسان سيده الذي سخر الكون له.
        ولنضرب لذلك جملة من الأحاديث تبين موقف المؤمن من حقوق: الجماد النبات والحيوان حتى إذا ما وصلنا إلى رأس الأمر وذروة سنامه (الإنسان) عرفنا أين يقع في تلك الهيئة وهذه المنظومة، وكيف تكون حقوقه عند المسلم.
    1- عن أُبي بن كعب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تسبوا الريح، فإذا رأيتم ما تكرهون فقولوا: اللهم إنا نسألك من خير هذه الريح وخير ما فيها وخير ما أمرت به، ونعوذ بك من شر هذه الريح وشر ما فيها وشر ما أمرت به»(24 ).
    2- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «الريح من روح الله: وروح الله تأتي بالرحمة وتأتي بالعذاب، فإذا رأيتموها فلا تسبوها، وسلوا الله من خيرها، واستعيذوا بالله من شرها»(25 ).
    3- عن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان إذا رأى الهلال قال: «اللهم أهلله علينا باليمن والإيمان والسلامة والإسلام، ربي وربك الله»(26 ).
    4- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أكل أو شرب قال: «الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين»(27 ).
    5- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أكرموا الخبز»(28 ).
    6- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أحد جبل يحبنا ونحبه»( 29).
    7- حديث الفسيلة.
    8- حديث قطع اللينة والنخلة
    9- حديث عدم رد الريحان
    10- عن عبدالله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما من إنسان قتل عصفورًا فما فوقها بغير حق إلا سأله الله عز وجل عنها». قيل: يا رسول الله، وما حقها؟ قال: «يذبحها فيأكلها ولا يقطع رأسها ويرمي به»(30 ).
    11- عن شداد بن أوس رضي الله عنه قال: ثنتان حفظتهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح وليُحِدَّ أحدكم شفرته فليرح ذبيحته»( 31).
    12- عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دخلت امرأة النار في هرة حبستها ولا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض»(32 ).
    13- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش فوجد بئرًا فنزل فيها فشرب، ثم خرج فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ بي، فنزل البئر فملأ خُفَّهُ ثم أمسكه بفيه فسقى الكلب، فشكر الله له فغفر له» قالوا: يا رسول الله، وإن لنا في البهائم أجرًا؟ فقال: «نعم، في كل ذات كبد رطبة أجر»( 33).
    14- عن عبدالله بن مسعود قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أخذ طائر فرخه الصغير فقال: «من فجع هذه بولدها؟ ردوا ولدها إليها». ورأى قرية نمل قد أحرقناها فقال: «من أحرق هذه؟» قلنا: نحن. قال: «إنه لا ينبغي أن يعذِّب بعذاب النار إلا رب النار»(34 ).
        هذه جملة من الأحاديث في التفاعل والتعامل مع الجماد والنبات والحيوان من مئات بل آلاف الأحاديث حول هذا المعنى تبين عمق العلاقة بين المؤمن وما حوله من أكوان وتبين حقوق هذه الأكوان على الإنسان في أحكام تفصيلية تأمره بأن يفعل وتنهاه أن يأثم وكل ذلك دائر على الرحمة والرفق والحفاظ على خلق الله والتفاؤل وعدم التشاؤم.

    يؤخذ ذلك من:
    1- «الراحمون يرحمهم الرحمن تعالى ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء»( 35).
    2- «يا عائشة، إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا يُنزَع من شيء إلا شانه»(36 ).
    ومن مجمل ذلك ترتبت أحكام فقهية وأخلاق شرعية سادت وشاعت وبنيت عليها الحضارة الإسلامية، من ذلك:
    1- أن تعذيب الحيوان حرام.
    2- أن قطع النبات من غير حاجة حرام.
    3- أن من الأخلاق ألا يدفع المسلم الباب في خروجه ودخوله؛ لأنه يسبح.
    4- أنهم وضعوا مساقي للكلاب الضالة في شوارع المدن الإسلامية، وتعبدوا بتنظيفها لهذه الحيوانات الضعيفة.
    5- أنهم أنشئوا مبرَّات للبيطرة وصيروها علما لتخفيف الألم عن الحيوان وهذا موضوع وصل من الاتساع والتشعب حتى إنه يصلح لرسالة علمية متوسعة مستقلة.
        أما حقوق الإنسان في الإسلام والحفاظ على حرياته الأساسية فهي تتمثل في المقاصد الخمسة ولنا فيها وجهة نظر نحب أن نعرضها عسى أن يكون فيها نفع إن شاء الله وهي:

    مدخل حول ترتيب الكليات الخمس:
        إننا في تعاملنا مع التراث لا نقف عند مسائل السلف في الوقت الذي نأخذ فيه بمناهجهم، تلك المناهج التي تعني تطبيق الوحي على الوجود أو المطلق على النسبي في ظرفه التاريخي، فلنعمل على تشغيل مناهجهم من أجل تزاوج النظم والأدوات التي نستطيع من خلالها القيام بعملية توليد هذه المناهج لتتوافق مع نمط المعيشة المعاصرة بما فيها من مستجدات مفروضة على واقعنا فضلا عن هجوم الآخر علينا.
        من هنا فترتيب الكليات الخمس على نسق معيَّن عند السلف ، قد أدى دوره في وقتهم، واستوعب جميع المسائل القائمة أو المحتملة في أوانهم إلا أنه في هذا العصر - مع سرعة تطور أنماط الحياة والانطلاقة الهائلة في ثورة المعلومات والتقدم التقني - أصبح من الضروري إعادة تشغيل هذه الكليات الخمس ، ولكن بطريقة أكثر فاعلية مع مقتضيات ومتطلبات هذا العصر، وبذلك فنحن لم نخالف مناهج السلف في ترتيبها ، بل رتبناها بدرجة تسمح بتشغيلها أكثر مع معطيات الحضارة الإنسانية المتشابكة منذ بداية هذا القرن إلى الآن ولم نخرج عن أمر مجمع عليه.

    الترتيب الذي نراه متوافقًا وهذا الاحتياج
        حفظ النفس ثم العقل ثم الدين ثم النسل ثم المال. على حين أن القدامى قد رتبوها ترتيبا مخالفا لذلك، باعتبار أن مرادنا بالدين هنا الشعائر التي تحتاج إلى النية أو العبادة المحضة أو محض التعبد ولو كان في المعاملات، أو هو إدراك، وليس مقصودنا بالدين هنا هو الإسلام، بل الإسلام في ذلك الاصطلاح أعم من الدين بهذا المفهوم، وبالتالي فهو يشمل هذه المقاصد الخمس، وحينئذ تحل مشكلات كثيرة.
        فالإسلامُ عبارة عن خطاب الله سبحانه وتعالى للبشر، وخطاب الله للبشر - كما عرف - وضع إلهي مسوق لذوي العقول السليمة إلى ما فيه منفعة دينهم ودنياهم؛ إذن فنحن في إطار وضع كلمات بإزاء مصطلحات حتى نفهم وحين نضع كلمات بإزاء معان فإنه لابد أن تتعارض مع وضع آخر، قد وضعه العلماء السابقون ، وحينئذ فلا يكون هناك خلاف في المعنى، بل يكون خلافا في الوضع.
        وهذا الترتيب وإن كان جديدا إلا أنه لا يخرج عن كلام السابقين أو يعارضهم وبالتالي فهو لا يخرج أيضًا عن الدليل الشعري فيكون بدعة مثلا، وإنما هو مدخل من المداخل التي يستقيم معها حال الأمة في العصر الراهن.
        وهذا المدخل مؤدَّاهُ أنَّ الإسلام وهو خطاب الله سبحانه وتعالى للبشر، أمر بأوامر، ونهى عن نواه، هذه الأوامر والنواهي مقصدها هو أن يحافظوا على أنفسهم وعلى عقولهم في تلك النفوس، وأن يحافظوا كذلك على صلتهم بربهم تحقيقا للمقصد الأول من وجود البشرية متمثلة في النفس والعقل وهو (العبادة) ثم أمرهم بعد ذلك أن يحافظوا على نسلهم وحقوقهم وعمارة الأرض ، وهو الذي يحقق العمارة والعبادة ، والعمارة من خلال تلك العبادة هي التي تقوم بها الدنيا ، وهي أيضا تقوم بها الآخرة.
        وترتيب الكليات الخمس على نحو ما قررناه: "النفس، العقل، الدين، النسل، المال" هو الترتيب المنطقي وله اعتبار، حيث إنه يجب المحافظة أولا على النفس التي تقوم بها الأفعال، ثم على العقل الذي به التكليف، ثم نحافظ على الدين الذي به العبادة قوام العالم، ثم نحافظ بعد ذلك على ما يترتب على حفظ العقل والذات والدين، وهو المحافظة على النسل الناتج من الإنسان، وما يتعلق أو ما يندرج تحت هذا العنوان الكلي من المحافظة على العرض وحقوق الإنسان وكرامته، ثم بعد ذلك نحافظ على قضية الملك، وهي التي بها عمارة الدنيا عند تداولها، ذلك المال الذي إذا ما تدوول، فإنه يمثل عصبا من أساسيات الحياة.

    نماذج لثمرة هذا التريب:
        من خلال هذا المدخل، وبتصور العلاقة القائمة بين الإسلام والمقاصد الخمسة والتي منها الدين، ينبني عندنا أمور:
        علاقتنا مع الآخرين في الداخل والخارج، وأنها مبنية في الداخل على الرعاية لشئون الأمة وفي الخارج على الدعوة، وبذلك يكون خطابنا للعالمين معقولا، إذ في علاقتنا مع الآخرين نبين لهم أن الإسلام هذا أوسع من أن يكون شعائر فقط، إذ هو خطاب الله للبشر وخطاب الله للبشر يشتمل على ما يمكن للإنسان أن يقيم به حضارة، وعلى ما يمكن أن يعمر به الأرض، وكذلك على ما يمكن أن يعبد به الله - سبحانه وتعالى - ويطيع أوامره تفصيلا لا إجمالا، وعلى ذلك فلابد لمن في الداخل أن يندرجوا تحت ذلك الإسلام وحضارته، حتى وإن لم يندرجوا تحت ديننا وعقيدتنا ومن هنا يتبين لنا أن هذا الإسلام يشتمل على (دين) يختص به من أسلم وآمن بالله ورسوله، و(دولة) تحافظ على الناس وتحافظ لهم أيضا على المقاصد الخمسة التي منها الدين الذي أباح الله سبحانه وتعالى قبول التعدد فيه داخل هذا النطاق، أو تحت هذه المظلة، فأباح لأهل الكتاب أن يمكثوا بيننا وأن يصبحوا مواطنين لنا، وأن نأكل ونشرب ونتزوج منهم، وإن كان ديننا يمنعنا أن يتزوجوا منا، وإن كان أيضا يمنعنا من بعض طعامهم، إلا أنه على مستوى الإسلام هم يعيشون بيننا ولغتنا واحدة وحضارتنا واحدة وأمالنا وآلامنا واحدة.. إلخ، هذا من ناحية الآخر الذي بالداخل.
        أما الآخر الذي في الخارج فالعلاقة بيننا وبينهم مبنية أصلا على الدعوة، وليس بيننا وبينهم علاقة سلم ولا علاقة حرب، وإنما يأتي السلم والحرب عرضا لقضية الدعوة، فإذا مُنِعْنَا أو تُجُبِّرَ علينا تكون الحرب، وآخر العلاج الكي، وإذا لم يكن كذلك {وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ }(37 ).
        {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلاَ تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا } (38 ).
        إلى غير ذلك من النصوص التي تدعو إلى السلام وإلى السلم، وهي لا تعارض قوله تعالى: {وَاقْتُلُوَهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوَهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ القَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوَهُمْ عِندَ المَسْجِدِ الحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوَهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الكَافِرِينَ }(39 ). لأن هذا عرض وذاك عرض، وإنما الأصل: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِى هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }(40 ).
        وكذلك: {لاَ إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الوُثْقَى لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } (41 ).
        ولا يتطرق إلينا في هذا المقام القول بنسخ آية السيف لغيرها إذ إنهم لم يتفقوا على ذلك، فضلا عن أن كل آية اتفقوا على أنها ناسخة، بل اختلفوا فيها، أضف إلى ذلك الغموض الشديد الذي يكتنف أصل القول بالنسخ.
        وختاما نسأل الله ألا تكون حقوق الإنسان مشجبا يعلق عليه كل أحد ثقافته وشهواته وأموره الشخصية فحقوق الإنسان أمر مهم وخطير، ولابد أن ننزله من الحجر إلى البشر، وأن نسعى فيما اتفقنا عليه بدلا من المهاترات التي لا تقبل عقلا ولا قلبا.


     

    الهوامش:
    -----------------------
    ( 1) الآية 115 من سورة طه.
    ( 2) راجع: «القانون الدولي لحقوق الإنسان» د. جعفر عبدالسلام ص40.
    ( 3) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «التيمم» باب «قول الله تعالى: { صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ } حديث (335)، وفي كتاب «الصلاة» باب «قول النبي صلى الله عليه وسلم: جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا» حديث (438)، ومسلم في كتاب «المساجد ومواضع الصلاة» حديث (521)، (523) من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما.
    ( 4) من الآية 30 من سورة الأنبياء.
    ( 5) الآية 55 من سورة طه.
    ( 6) من الآية 256 من سورة البقرة.
    ( 7) الآية 6 من سورة الكافرون.
    ( 8) من الآية 29 من سورة الكهف.
    ( 9) الآية 219 من سورة البقرة.
    ( 10) أخرجه أحمد «مسنده» (6/ 309) حديث (26676)، وأبو داود في كتاب «الأشربة» باب «النهي عن المسكر» حديث (3686)، والطبراني في «الكبير» (23/ 337)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (8/ 296) من حديث أم سلمة رضي الله عنها.
    ( 11) الآيتان 1، 2 من سورة الملك.
    ( 12) الآية 62 من سورة الزمر.
    ( 13) الآية 11 من سورة لقمان.
    ( 14) الآية 14 من سورة المؤمنون.
    ( 15) الآية 44 من سورة الإسراء.
    ( 16) الآية 1 من سورة الجمعة.
    ( 17) الآية 77 من سورة الحج.
    ( 18) الآية 11 من سورة فصلت.
    ( 19) الآية 72 من سورة الأحزاب.
    ( 20) الآية 29 من سورة الدخان.
    ( 21) الآية 13 من سورة الجاثية.
    ( 22) الآيات 32 : 34 من سورة إبراهيم.
    ( 23) الآية 70 من سورة الإسراء.
    ( 24) أخرجه الترمذي في كتاب «الفتن» باب «ما جاء في النهي عن سب الريح» حديث (2252)، وقال: «هذا حديث حسن صحيح».
    ( 25) أخرجه أبو داود في كتاب «الأدب» باب «ما يقول إذا هاجت الريح» حديث (5097).
    ( 26) أخرجه الترمذي في كتاب «الدعوات» باب «ما يقول عند رؤية الهلال» حديث (3451).
    ( 27) أخرجه أبو داود في كتاب «الأطعمة» باب «ما يقول الرجل إذا طعم» حديث (3850)، والترمذي في كتاب «الدعوات» باب «ما يقول إذا فرغ من الطعام» حديث (3457)، وابن ماجه في كتاب «الأطعمة» باب «ما يقال إذا فرغ من الطعام» حديث (3283).
    ( 28) أخرجه البيهقي في «الشعب» (5/ 84) حديث (5869)، والحاكم في «مستدركه» (4/ 136) حديث (7145) وصححه من حديث عائشة رضي الله عنها.
    ( 29) أخرجه البخاري في كتاب «المغازي» باب «نزول النبي صلى الله عليه وسلم الحجر» حديث (4422) من حديث أبي حميد رضي الله عنه.
    ( 30) أخرجه النسائي في كتاب «الصيد والذبائح» باب «إباحة أكل العصافير» حديث (4349).
    ( 31) أخرجه مسلم في كتاب «الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان» باب «الأمر بإحسان الذبح والقتل وتحديد الشفرة» حديث (1955).
    ( 32) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «بدء الخلق» باب «خمس من الدواب فواسق يقتلن في الحرم» حديث (3318) وفي مواطن أخر، ومسلم في كتاب «الكسوف» باب «ما عرض على النبي صلى الله عليه وسلم» حديث (904)، وفي مواطن أخر.
    ( 33) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «الأدب» باب «رحمة الناس البهائم» حديث (6009)، ومسلم في كتاب «السلام» باب «فضل سقي البهائم المحترمة وإطعامها» حديث (2244) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، واللفظ للبخاري.
    ( 34) أخرجه أبو داود في كتاب «الجهاد» باب «في كراهية حرق العدو بالنار» حديث (2675).
    ( 35) أخرجه أبو داود في كتاب «الأدب» باب «في الرحمة» حديث (4941)، والترمذي واللفظ له في كتاب «البر والصلة» باب «ما جاء في رحمة الناس» حديث (1924)، والحاكم في «مستدركه» (4/ 175) حديث (7274) وصححه من حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما، وقال الترمذي: «هذا حديث حسن صحيح».
    ( 36) أخرجه مسلم في كتاب «البر والصلة والآداب» باب «فضل الرفق» حديث (2594).
    ( 37) الآية 61 من سورة الأنفال.
    ( 38) الآية 94 من سورة النساء.
    ( 39) الآية 191 من سورة البقرة.
    ( 40) الآية 125 من سورة النحل.
    ( 41) الآية 256 من سورة البقرة.
     

    المصدر : كتاب سمات العصر ، لفضيلة مفتى الديار المصرية الدكتور على جمعة .

    كلمات مفتاحية  :
    إسلام فكر اسلامى حقوق الانسان

    تعليقات الزوار ()