حضارة المسلمين قامت على العلم، ووضع المسلمون الأوائل علومًا خادمة لمحور حضارتهم وهو النص الشريف، التزموا بهذا المحور وخدموه وانطلقوا منه وجعلوه معيارًا للقبول والرد والتقويم، وأخذ المسلمون يخترعون العلوم اختراعًا، وينقلون منها عن الأمم السابقة ما يمكِّنهم من فهم الحقيقة، وإدراك الواقع ونفس الأمر، ويصنفونها ويبلغونها لمن بعدهم، ولمن بجوارهم، ورأينا عصر الترجمة في عهد المأمون، ورأينا البيروني في كتابه «تحقيق ما للهند من مقولة ممدوحة في العقل أو مرذولة»، ورأينا الخوارزمي في كتابه «مفتاح العلوم» وهو الذي يرسم لنا الذهنية العلمية في التاريخ الإسلامي ويرصد ذلك التنوع من ناحية، والتفاعل من ناحية أخرى، وهما الصفتان المجمع عليهما لكل من اطلع على التراث الإسلامي ونتاجه الفكري.
1- فتوليد العلوم كان سمة أصحاب ذلك الدين حتى القرن الرابع الهجري، بل امتد ذلك التوليد إلى القرن السادس؛ حيث وضع عضد الدين الإيجي علمًا جديدًا أسماه بعلم (الوضع) استله من علم اللغة، والنحو والأصول والمنطق عالج فيه - أهم ما عالج - قضية المصطلح التي تعد من أهم القضايا العلمية حتى يومنا هذا، حيث تعد ضابطًا علميًّا للحفاظ على لغة العلم والتفاهم بين الجماعة العلمية بما يضمن أمرين مهمين: أولهما: هو نقل العلم لمن بعدنا، وثانيهما: هو تطوير العلم بصورة مطردة ومستمرة ومنضبطة في نفس الوقت، ثم خبا هذا التوليد وانشغل العلماء بتكرار الموروث والحفاظ عليه من الضياع كرد فعل لما حدث في القرن السابع من غزو التتار وسقوط بغداد 656هـ.
2- ودعا محمد رشيد رضا في مجلة «المنار»(1) إلى إحداث علم جديد يَدرُس السنن الإلهية التي وردت بالقرآن الكريم، ولم يتم ذلك حتى بعد مضي أكثر من مائة عام على تلك الدعوة، فلابد علينا أن ندرك أن توليد العلوم نوع من أنواع مظاهر حياة الفكر، وأنه لم يمت، وهو أيضًا مظهر من مظاهر التفاعل مع العصر الذي نعيشه، وهو ثالثًا الجسر الذي يصل بين الشرع وبين الواقع المحيط، ويسأل كثير من المخلصين عن كيفية توليد العلوم، وهي تحتاج إلى قدرة التصور المبدع، وهي التي قد لا توجد عند كثير ممن اشتغل بنقل العلم والحفاظ عليه.
فالتصور المبدع هذا أمر لابد منه لعملية الاجتهاد وعده الأقدمون ركنًا من أركانه؛ ولذلك فإن فقده يدل أيضًا على خبوت العملية الاجتهادية التي تنبثق أساسًا من ملكة قائمة بنفس الفقيه، وتأكيدًا لهذا المعنى نرى السيوطي في كتابه «الرد على من أخلد إلى الأرض، وجهل أن الاجتهاد في كل عصر فرض» يقول في الصفحة 169 ما نصه: «قال ابن برهان: لا ينعقد الإجماع مع مخالفة مجتهد واحد، خلافًا لطائفة، وعمدة الخصم أن عدد التواتر من المجتهدين إذا اجتمعوا على مسألة كان انفراد الواحد منهم يقتضي ضعفًا في رأيه، قلنا: ليس بصحيح؛ إذ من الممكن أن يكون ما ذهب إليه الجميع رأيًا ظاهرًا تبتدر إليه الأفهام، وما ذهب إليه الواحد أدق وأعوص، وقد يتفرد الواحد عن الجميع بزيادة قوة في النظر، ومزية في الفكر، ولهذا يكون في كل عصر مقدم في العلم، يفرع المسائل، ويولد الغرائب». اهـ.
ثم ينقل قول الغزالي من كتابه «حقيقة القولين» صفحة 181 فيقول: «قال الغزالي في كتاب "حقيقة القولين": وضع الصور للمسائل ليس بأمر هين في نفسه، بل الذكي ربما يقدر على الفتوى في كل مسألة إذا ذكرت له صورتها، ولو كلف وضع الصور وتصوير كل ما يمكن من التفريعات والحوادث في كل واقعة عجز عنه، ولم تخطر بقلبه تلك الصور أصلاً، وإنما ذلك شأن المجتهدين».
3- ولنضرب مثالاً يجيب على أولئك الذين يريدون نموذجًا لتوليد العلوم حتى يسيروا على منواله، وحتى يُهدئ بال من يشك في هذه العملية وما قد تخفيه في ظنهم من الاعتداء على ثوابت الدين، أو القدح في هوية الإسلام، فنحاول أن نلقي الضوء على بذور توليد العلوم وآليات ذلك في التراث الإسلامي عسى أن ندرك المنهجية التي ساروا عليها في خدمة حضارتهم.
وبالمناسبة فإن المنهج في ظني رؤية كلية ينبثق عنها إجراءات، وهذه الرؤية الكلية هي النموذج المعرفي الذي تكلمنا عنه سابقًا، أما الإجراءات فهي منهج البحث العلمي الذي نراه عند الأصوليين، حيث يعرف الرازي ومدرسته أصول الفقه بأنه: "معرفة دلائل الفقه إجمالاً، وكيفية الاستفادة منها، وحال المستفيد" يعني تكلم عن مصادر البحث الفقهي، ثم تكلم عن كيفية البحث وطرقه، ثم تكلم عن شروط الباحث، وهي الأركان الثلاثة بحالها التي اتخذت فيما بعد منهجًا علميًّا كما قرره «روجر بيكون»؛ المصادر والطرق والباحث.
وقبل أن نخوض في آليات توليد العلوم يجب علينا أن ندرك بعض الحقائق عن موقف الدين من العلم، لا نقول إن الإسلام دين العلم فحسب، بل نرى موقفه من البحث العلمي حيث أرى أنه لا حرج ولا قيد مطلقًا على البحث العلمي، فليبحث من شاء فيما شاء وليحاول أن يدرك حقيقة العالم كما شاء، ويكشف عن خلق الله في كونه كما يريد، وأن ذلك ضمانة للإبداع وهذا مؤسس على أن الله قد أنزل أول ما أنزل: {اقْرأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ}(2)، وذكر أن القراءة الأولى في الوجود والثانية في الوحي، وأنهما قد صدرا عن الله، الأولى من عالم الخلق، والثانية من عالم الأمر {أَلاَ لَهُ الخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ العَالَمِينَ}(3)، وعلى هذا فلا نهاية لإدراك الكون؛ حيث إنه يمثل الحقيقة، لأنه من عند الله، ولا نهاية لإدراك الوحي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تنتهي عجائبه، ولا يَخلَق من كثرة الرد»(4)، وأيضًا لا تعارض بينهما حيث إن كلاًّ من عند الله، وهذا التأسيس يتأكد في قوله تعالى على صفة الإطلاق: { هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ }(5).
إلا أن استعمال المعلومات يجب أن يكون تحت السقف الأخلاقي للتطبيق المأخوذ من مهمة الإنسان في الدنيا: العبادة، والعمارة، والتزكية، هذا السقف الذي يمنع من استعمال ما يوصلنا إليه فيما يخالف الأوامر والنواهي الربانية أو يكر على المقاصد الكلية بالبطلان فنكون بذلك من أهل التعمير، لا من أهل التدمير، وهذا السقف للاستعمال من الأهمية القصوى حيث هو الضمان الوحيد لتلك العمارة.
إن الفصل بين حرية البحث للوصول إلى صحيح المعرفة، وبين تقييد الاستعمال للوصول إلى العمارة أمر قد اختلط على كثير من الناس مع وضوحه وتأكده.
4- ومن الحقائق أيضًا أن العلوم لها صورة كلية تتمثل في عملية متكاملة من التعليم لإدراك المعلومات، والتربية لإقرار القيم، والتدريب لتنمية الملكات، وأن هذا كل لا يتجزأ أو لو تجزأ لفقدنا (دليل التشغيل) إن صح التعبير، وفقد دليل التشغيل يوقع في حيرة واضطراب، ويبدو أننا قد فقدنا دليل التشغيل هذا في كثير من جوانب حياتنا ليس العلمية فقط، بل أيضًا السياسية والاجتماعية والدينية.
5- ومن الحقائق أيضًا أن هناك فرقًا بين علم الدين، وبين التدين، فالأول تقوم به جماعة علمية وله مصادره ومنهجه والعملية التعليمية - كما أشرنا من قبل - لها أركانها التي يجب أن تكتمل بعناصرها الخمسة الطالب والأستاذ والمنهج والكتاب والجو العلمي، أما الثاني وهو التدين فهو مطالب به كل مكلف لتنظيم علاقته مع نفسه وكونه وربه.
6- ومن الحقائق أيضًا أن هناك فرقًا بين الفقه والفكر، فالفقه موضوعه «فعل المكلف» ويهتم علم الفقه بوصف أفعال المكلفين بالإقدام عليها أو الإحجام عنها، وأن هذا حلال وهذا حرام بأحكام شرعية خمسة وهي الواجب، والمندوب، والحرام، والمكروه، والمباح، أما الفكر فموضوعه «الواقع المعيش النسبي المركب المتغير» وهذا الفكر يرتب فيه الإنسان أمورًا معلومة كمقدمات ليتوصل بها إلى شيء مجهول كنتيجة، والعملية الفكرية هي الجسر الذي بين الشرع والواقع، ولذلك تحتاج إلى علوم تجدد وتولد كل حين حيث إن طبيعة الواقع الذي نريد أن ندركه شديدة التعقيد والتغيير.
7- فإذا تقرر كل ما سبق، فإن التراث الإسلامي وضع ما يسمى بالمبادئ العشرة من أجل أن يطلع عليها طالب العلم؛ ليتشوف للعلم الذي سوف يدرسه، أو ليعرف ما لابد له من معرفته، وهي بذاتها هي العناصر التي يجب الالتفات إليها عند توليد العلوم.
ووضعها بعضهم في صورة نظم يحفظه صغار الطلاب حتى يحدث لهم هذا التشوف الذي انحسر بعد ذلك عند المسلمين في التلقي دون إنشاء العلوم واستمرار الفكر، قال:
من رام فنًّا فليرم أولا وواضع ونسبة وما استمد
واسم وما أفاد والمسائل وبعضهم فيها على البعض اقتصر
علمًا بحده وموضع تلا منه وفضله وحكم معتمد
فتلك عشر للمنى وسائل ومن درى جميعها انتصر
فالمبادئ العشرة هي تعريف العلم، وموضوعه، ومن الذي وضعه، ونسبته إلى العلوم الأخرى، ومن أي العلوم يستمد، وأحكامه ومسائله، وما فضله وما حكمه وما اسمه، وما الثمرة والفائدة المترتبة عليه؟ فهذه العشرة تعد مدخلاً للعلم تدفع طالب العلم إلى التشوف لدراسته وتحصيله، وهي بنفسها التي يمكن للمفكر إذا أراد أن يبني علمًا أن يحددها كبداية لاستقلال العلوم أو إبداعها، فكيف ذلك (يتبع).
من نماذج توليد العلوم : علم الخطاب الإسلامي :
1- من أراد أن يطّلع على مثال نُولِّد به علما يخدم الإسلام والمسلمين فليبدأ في علم يمكن أن نطلق عليه علم الخطاب الإسلامي، وما أشد الحاجة إلى هذا العلم الذي يدرسه الخطيب والمدرس والداعية والمتصدر للإفتاء والمرشد الديني الذي يتخذه الناس أسوة حسنة؛ فإذ بهم يدركون كيف يتعاملون مع الناس، ويشعرون بمشكلاتهم، وبكيفية الدخول إليها من المدخل الصحيح! ونحن نسمع كثيرًا عن اعتراض الناس على كثير من الخطباء والدعاة، وعلى تلك الحالة من الفوضى التي اكتنفت الفضائيات، وهذه الحالة من الفوضى التي اكتنفت الصحافة في التعامل مع الدين، ولو كان مثل هذا العلم موجودًا بهذه الصفة التي سنشرحها لكان المرجع والمقياس الذي يقاس عليه لمعرفة الخطأ من الصواب، ولكان الضابط المانع لأي انحراف أو قصور أو تقصير، والدافع للأداء المتميز المستمر الذي يؤتي أكله كل حين بإذن ربه.
2- والعلوم تتمايز موضوعاتها، وموضوع العلم هو ما يُبحث فيه عن عوارضه الذاتية حتى تتكون المسائل في هذا العلم من الموضوع والوصف المناسب له، والمسائل هي الجمل المفيدة التي عرفناها في اللغة العربية في علم النحو وغيره، والتي تتكون إما من مبتدأ وخبر، وإما من فعل وفاعل، وكلاهما واحد في الدلالة على الجملة المفيدة التي يستفيد منها سامعها مراد المتكلم من كلامه؛ ولذلك نرى البلاغيين والمناطقة يجعلونها واحدًا، فيسمي البلاغيون ركني الجملة: المسند والمسند إليه، ويسمي المناطقة ركني الجملة: الموضوع والمحمول.
فموضوع علم الطب جسم الإنسان من حيث الصحة والمرض؛ وعلى ذلك يكون جسم الإنسان مبتدأ، وما يعرض عليه من أحوال الصحة والمرض وكيفية العلاج وأسباب ذلك كله هو الخبر الذي يكون الجمل المفيدة في علم الطب، فجسم الإنسان مسند إليه - مبتدأ أو فاعل - فهو موضوع، وما يخبر عنه المسندُ - خبر أو فعل - وهو محمول أي محمول على ذلك الموضوع، فقولنا: جسم الإنسان يمرض بالميكروب ويصح بالدواء - جمل مفيدة تكون العلم، وكذلك علم الفقه موضوعه فعل الإنسان المكلف؛ مثل الصلاة والزكاة أو حتى السرقة والقتل، ويأتي الخبر في صورة الحكم فنقول: الصلاة واجبة، والسرقة حرام، واللغو مكروه؛ فتكون هذه الجمل مسائل علم الفقه.
3- فما موضوع الخطاب الإسلامي؟ يمكن أن نجعل موضوعه (تبليغ الدعوة) وهنا سنحتاج إلى تجديد مفهوم التبليغ،وأنه مكون من ثلاثة أركان: المتكلم، والسامع، والرسالة أو الخطاب أو الكلام، ونبدأ في بيان صفات المتكلم، والشروط التي يجب توافرها فيه، والعلوم التي يجب أن يتزود بها، والحقائق التي يجب أن يعرفها، والأدوات التي يجب أن يمتلكها، والطرق والمناهج والمصادر والكيفيات التي يجب أن يتحقق بها. والسامع ما أنواعه؟ وما مستوياته؟ وطريقة الاتصال التي تناسبه، ووسائل القياس لبيان تحقيق الهدف معه، والوسائل التي من خلالها الاتصال، والتي تتواءم مع السامع بأنواعه. ثم ننتقل إلى الخطاب فندرس شكله ومضمونه، وأنواعه وأساليبه، ولغته ومستواه وقياسه وتقويمه، واختلافه وتطوره وترتيبه. ثم ننتقل لدراسة مفهوم الدعوة وخصائصها التي تعطي الخطاب المجرد مذاقا آخر وخصوصية قد لا تكون في غيرها من أنواع الخطاب، وكيفية وصل القول بالعمل، والمثال الصالح، والمشكلات التي تكتنف ذلك وطرق معالجتها أو التعامل معها أو الوقاية منها… إلخ.
4- كل ذلك يحتاج إلى علوم أخرى نستمد منها علمنا الجديد، منها علوم الاتصال Communication وقياسات الرأي العام، والإعلام Media Information، وعلم الخطابة، وعلوم الشريعة واللغة والسيمانتيك Semantics وتحليل المضمون والأبحاث الميدانية، مع الاستعانة ببعض الأدوات التي تستعمل في العلوم الاجتماعية والإنسانية، من الرصد والتحليل، والجداول والمنحنيات ووسائل الإيضاح، وكذلك استغلال المتاح من وسائل الاطلاع كشبكة المعلومات الدولية والقنوات الفضائية، والأساليب النفسية في علم نفس الجماهير وعلم نفس الاتصال... إلخ.
5- فإذا وضعنا حد العلم وعرفنا موضوعه، وحددنا العلوم التي نستمد منها مسائله، وظهر لنا فهرس موضوعاته، وأطلقنا عليه اسمًا بيننا؛ فإننا نعالج فوائده وثمراته وما يترتب عليه، وكيفية استعماله، ويجب أن يبنى بهيئة مفتوحة يمكن معها الزيادة فيه وتطويره وتجديده وتوليد علوم أخرى منه؛ حتى نستقل بالدرس، ونضع أقدامنا على أرض صلبة ونحن ندعو إلى الله، قال تعالى: { قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ }(6).
وتنفيذًا لهذه الآية وحتى ندعو على بصيرة يجب أن ندعو على علم، وأن ننشئ ذلك العلم ليُدرَّس للمتصدرين للدعوة في كل مكان، ويكون حجة لهم وعليهم، وهذا هو هدف دعوتي لتوليد العلوم؛ حتى تعود الحضارة الإسلامية إلى سابق عطائها، ولا نحتاج إلى أن نسمع من بعضهم التعبير بأنها كانت ولم تعد موجودة.
6- بعد ذلك سنجد مكانًا لعلم الخطاب الإسلامي بين العلوم الاجتماعية من جهة، وبين العلوم الشرعية من جهة أخرى، وسنعلم فضل هذا العلم وأن الاشتغال به من فروض الكفايات التي قد ترقى إلى فروض العين لمن تصدَّر للدعوة ونقل الدين لمن بعده.
7- أما واضع العلم: فإنه سينسب إلى أول من ألَّف فيه، ولو ألفت جماعة مرة واحدة فسيحدث نزاع أيهم ألَّف أولا، ونرجع إلى حلاوة النقاش العلمي، والخلاف الثري الذي كان يحرك العقول، ويربي النفوس على قبول الرأي الآخر، ويدرب الطلاب والعلماء على البحث، وترتيب الأدلة، واستجلاب البراهين وبيان جهة دلالتها، ويخرج العقل المسلم من إسار التقليد والجمود والأزمة الفكرية التي يمر بها إلى نوع آخر من العمق في الفهم والوعي بما يجري حوله، والقدرة على تهيئة الأجواء لعودة المجتهدين العظام مرة أخرى قادرين على عرض ما عندهم بالمنطق والبرهان الذي يوافق عليه الجميع حتى ولو لم يتخذوه سبيلا لهم، ولكن يحترمون المنهج ويؤكدون على صحته بغضِّ النظر عن النتائج وعن مشارب البشر.
8- والحقيقة أن العلم لا يولد كاملا، حتى علم العروض - الذي ضبط به الخليل بن أحمد الفراهيدي الشعر العربي - لم يولد كاملا بالرغم من أنه كان شبه كامل إلا أننا رأينا الأخفش وهو يضيف إليه بحر المتدارك، ورأينا علماء هذا الفهم ينشئوا أوزانًا أخرى، صحيح أنه لم يتكلم بها العرب، ولم ينقل من شعرهم شيء على أوزانها، إلا أنها زادت في العلم، ووسعت من مفهوم الشعر كما أورده الدمنهوري في كتابه «الكافي في العروض والقوافي»، حتى ابتدع أمير الشعراء أحمد شوقي بعض الأوزان التي لم تكن من قبل فقال:
مال واحتجب وادعى الغضب
ليت هاجري يشرح السبب
وهو يسير على ما فعله الأندلسيون من قبل في «كان كان» و«المواليا» وغيرها.
9- توليد العلوم منهج مناسب للخروج العملي من الأزمة الطاحنة التي تمر بها الأمة، ومن منهج الصالحين أنهم ذهبوا إلى العلم بكل فنونه وأنواعه عندما هجم التتار على بلاد المسلمين، وكانت لا تزال مدن تحت سيطرة الصليبيين.
ولندرس نموذج الإمام النووي الذي كان يعمل عشرين ساعة في اليوم لحفظ العلم ونقله لمن بعده؛ حتى إنه لم ينم على جنبه لمدة عامين، ولم يتزوج لكثرة انشغاله بالعلم حتى مات صغيرًا لم يتجاوز الخامسة والأربعين من عمره بحساب السنة الهجرية، ولنذكر نموذج النويري في «نهاية الأرب»، والقلقشندي في «صبح الأعشى»، وابن منظور في «لسان العرب»، وغيرهم من أصحاب الموسوعات، وكيف واجهوا الطغيان والعدوان وتقلب الزمان.
فهل المسلمون في حاجة إلى علم جديد يقال له: «علم الخطاب الإسلامي» حقًّا؟ والإجابة: نعم، إنهم في حاجة إلى ذلك؛ لمقتضيات وجودهم، والحفاظ على هويتهم وبقائهم وسط العالم الذي أصبح قرية واحدة، والذي وصل من خلال المواصلات والاتصالات والتقنيات الحديثة إلى ما نرى من الجوار وتأثر بعضه ببعض؛ حتى كادت الحواجز بين الشأن الداخلي والخارجي تتلاشى، وحتى رأينا حجج احتلال أرضنا بالعراق والتهديد باحتلال غيرها هو التأثر بما يجري في الداخل من أمور، ولم يعد مجديًا نفعًا التمسك بأنه أمر داخلي، ومع رفضنا لهذا المبدأ الذي يستعمله القوي في فرض هيمنته الاستعمارية وتحصيل مصالحه الاقتصادية، فإننا لابد أن نعمل على ما يغير حالنا في طريق الله؛ حتى ينظر الله إلينا بعين الرحمة، ويغير ما بنا، ويوفقنا إلى ما يحب ويرضى؛ { إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ}(7).
1- وفي مؤتمر بدولة الكويت نظمته كلية الشريعة والدراسات الإسلامية هناك تحت عنوان «الخطاب الإسلامي في خضم الأحداث والمستجدات»، وذلك في الفترة من 17- 18 مايو 2004م، تقدم فضيلة مفتي الديار المصرية أ. د علي جمعة ببحث عن أصول هذا الموضوع ودعا فيه إلى إنشاء علم جديد بعنوان «الخطاب الإسلامي» ولقد وافق المؤتمرون من العلماء على هذا الاقتراح، وجعلوه في توصياتهم، وهو ما يبين أهمية هذه الدعوة، ووجوب الإسراع في تبنيها، وإدخال هذا العلم ضمن ما يدرس في الكليات الشرعية بالجامعات الإسلامية، خاصة جامعة الأزهر، وسرعة تعاون العلماء على الكتابة فيه وإثرائه، وعلى استمداده من علوم عدة يتعاون في ذلك جماعة العلماء؛ حتى يتضح هذا العلم وتقوم له قائمة.
2- ومن بحوث ذلك المؤتمر - الذي حضره من مصر: أ.د أحمد عمر هاشم رئيس جامعة الأزهر السابق، وعضو مجمع البحوث الإسلامية، و أ.د نبيل غنايم الأستاذ بكلية دار العلوم، و أ.د إبراهيم عبد الرحيم الأستاذ بكلية دار العلوم جامعة القاهرة، ومن السودان أ.د عصام البشير وزير الأوقاف، ولفيف من العلماء من سويسرا وفرنسا وتونس والسعودية وسوريا، بالإضافة إلى علماء كلية الشريعة بالكويت من أقطار شتى - ما يمكن أن يستفاد منه في بناء إطار عام لذلك العلم، أبتدئ وأخص بالذكر بحث أ.د أحمد جاب الله عميد الكلية الأوربية للدراسات الإسلامية بباريس، وكان تحت عنوان «انفتاح الخطاب الإسلامي ومتطلبات المرحلة المعاصرة» الذي أكّد فيه على أهمية الخطاب الإسلامي في مجال العلاقات الإنسانية.
وكان المرحوم د. ماهر عليش يحكي لتلاميذه وهو يُدَرِّس مادة «العلاقات الإنسانية» أنه ذهب إلى الولايات المتحدة لنيل درجة الدكتوراه في مادة «العلاقات الإنسانية» التي لم يكن قد مضى على ولادتها أكثر من ثلاثين عامًا، فذهب إلى المكتبة بالجامعة التي يدرس بها؛ ظانًّا أنه سيجد فيها كتابين أو ثلاثة أو عشرة سينتهي من قراءتها ثم يحضر الدكتوراه ويعود إلى مصر خلال ستة أشهر، وسأل أمين المكتبة عن كتب «العلاقات الإنسانية» وطلب منه إحضارها مهما بلغت، فاصطحبه إلى أحد أدوار المكتبة الذي يمثل دائرة كبيرة تسير حولها سيارة، وقال له: كل ما أمامك من كتب من الأرض إلى السقف بطول هذا الطابق كله في العلاقات الإنسانية.
لم يذكر د. ماهر عليش هذه الرواية للتسلية، ولا لأن نفتح أفواهنا دهشًا وتعجبًا من العلم الذي لا يعرف النهاية، بل ذكرها ليربي في تلامذته ملكة أساسية لشهوة المعرفة، وحب الاطلاع والبحث والتأليف والمعرفة، رحم الله الأستاذ؛ فقد كان مؤمنًا بالله ورسوله عاشقًا لمصر.
3- ثم تكلم أ.د أحمد جاب الله عن تعدد طرائق الخطاب، وعن خصائص الخطاب الإسلامي، وذكر أنه خطاب يحقق البلاغ المبين، وفيه صفة الحكمة، وصفة الرفق ويراعي شخصية السامع، ويلتزم مبدأ الحرية ومبدأ الاعتدال، ويتجنب إثارة العداوة وردود الفعل السلبية، ويلتزم التواضع، ولا يضيق بالمعارضة والسؤال، وهو خطاب منفتح؛ لأنه يؤمن بواقع الاختلاف بين الناس، وحق الآخر في اعتقاده بصواب ما يعتقد، ويقوم بواجب الشهادة على الناس، ويعلم أنه في عصر الإعلام المفتوح والعولمة، وهذا الانفتاح يقتضي أن ينطلق الخطاب من القناعة لدى المتكلم والاستعداد لاستيعاب وتفهم حجة المخالف، والاستفادة من التواصل مع الآخر بمراجعة النفس وتصحيح الخطأ وإبراز نقاط الالتقاء مع المخالف.
وخلص من هذا كله إلى وجوب التخصص والتعمق والبعد عن التعميم والسطحية، ودعا إلى الجمع بين الأصالة والتجديد، وإلى العناية بالبعد الإنساني في الخطاب الإسلامي، وإلى التصدي بشجاعة للقضايا المثارة، وتغليب المنطق العلمي القائم على الإقناع بدل الخطاب الإنشائي، والجمع بين المثالية والواقعية، وإبراز الأبعاد التربوية والروحية والحضارية في الخطاب الإسلامي، وتجديد الخطاب الوعظي شكلا ومضمونًا، وحسن الاستفادة من تقنيات الخطاب المعاصر ووسائله، وأهم نقطة في ذلك كله إخضاع الخطاب الإسلامي إلى التقويم الدائم.
وأكَّد في هذه النقطة الأخيرة أن وصف الخطاب الإسلامي لا يعني أنه فوق النقد المستمر الذي يؤدي إلى تحسين صياغته، وإعادة ترتيبه والعمل على تصحيح مساره إن حدث ثمة ما يشينه أو يجعله قاصرًا أو مقصرًا، وهي مسألة في غاية الأهمية غابت عن كثير من المتصدرين للخطاب الإسلامي، بل والناقدين لهم؛ حيث شعر الناقد نفسه وكأنه ضد الإسلام لما كان معترضا على صوغه وخطابه؛ لأن "الحق في الفكرة لا يقتضي صوبا في صياغتها وحسن عرضها، بل قد تكون الفكرة غاية في القوة، ومُسَاءُ التعبير عنها صيغةً وأسلوبًا فتفقد قوتها" على تعبير الدكتور أحمد جاب الله في بحثه المذكور.
4- ثم ذهب فضيلة المفتى أ.د علي جمعة مع جماعة من العلماء والمفكرين إلى لندن في الفترة من 6-14 يونيو 2004م لمناقشة صورة الإسلام والمسلمين مع بعض المهتمين من أهل الفكر والعلم والسياسة والاجتماع، فقال فضيلته: ازداد يقيني في وجوب إنشاء ذلك العلم الذي سيعالج تلك القضايا الخاصة المعقدة المركبة التي حيَّرت الغرب وجعلته مع موروثه الحضاري المصادِم والمستعمِر لبلاد المسلمين في غاية الاضطراب والتخبط في المعاملة حتى مع مواطنيه.
5- ثم قال أيضا: وجدت مشكلة الجيل الثالث وما بعده الذي هاجر أجداده من شبه القارة الهندية وغيرها، وشارك في الثورة الصناعية وشارك أبناؤهم في الحروب التي خاضتها بريطانيا، وولد هذا المسلم لا يعرف وطنًا سوى هذه الأرض؛ وإذ بالرغم من كل ما تعلمه ونشأته هذه النشأة يذهب لأعمال انتحارية هنا وهناك، والعقل الإنجليزي غير قادر على استيعاب هذه المعضلة، ويخرج له من يقول له: إن الإسلام في ذاته هو السبب؛ لأنه دين صدامي. ويقول «برنارد لويس»: إن الإرهابيين يطبقون الإسلام، وليس أنهم قد انحرفوا عنه، وتبدأ الحيرة لدى غير المسلمين؛ لأنهم رأوهم معمرين سالمين، وفجأة يخرج منهم هذا الصنف ويكون «برنارد» جاهزًا بتفسيره هذا، بل إن بعضًا ممن أسماؤهم أسماء المسلمين في حيرة أيضًا ينشرون هنا وهناك ما يدل على قيام شبه التناقض في أذهانهم.
6- إن علم الخطاب سوف يؤكد على مفاهيم كثيرة تفسر هذه الحالة على وجهها، وتجعلها حالة خلل وتبين وجه هذا الخلل من غير حاجة للحيرة. سيؤكد علم الخطاب على مفهوم الأمة، ولكنه سيؤكد أيضًا على مفهوم المرجعية، وعلى مفهوم التخصص، وعلى الفرق بين علم الدين والتدين، وسيؤكد على مفهوم الشروط التي لا يصح العمل إلا بها؛ فالصلاة لا تجوز بغير وضوء ولو صلى مائة ركعة، ولا لقبلة غير الكعبة ولو صلى ألف ركعة، ولا قبل دخول الوقت المعتبر شرعًا، وكذلك الجهاد لا يجوز إلا تحت راية، وعندما فقدت الراية فلا جهاد، وسيتحول إلى قتل بدل أن يكون قتالا ولو ادعى صاحبه أنه في سبيل الله.
ففقدان المرجعية والشروط هو سبب الظاهرة مع قيام مفهوم الأمة في ذهن ذلك الشاب، وهو مفهوم صحيح ولكن لم يصله مقيدًا بشروط العمل من خلاله؛ فاختل الميزان في يده وأفسد أكثر مما أصلح.
النبي صلى الله عليه وسلم في مكة جاءه خَبّاب يشكو إليه ويطلب النُّصرة، ويقول خباب بن الأرت رضي الله عنه: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ فَقُلْنَا: أَلاَ تَسْتَنْصِرُ لَنَا؟ أَلاَ تَدْعُو لَنَا؟ - في رواية أحمد: فاحمرَّ وجهُه وتغير لونُه - فَقَالَ: «قَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ يُؤْخَذُ الرَّجُلُ فَيُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ فَيُجْعَلُ فِيهَا، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُجْعَلُ نِصْفَيْنِ، وَيُمَشَّطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ وَعَظْمِهِ، فَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللَّهِ لَيَتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرُ، حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لاَ يَخَافُ إِلاَّ اللَّهَ وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ»(8).
وقد ثبت في السنة النبوية: أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ وَأَصْحَابًا لَهُ أَتَوُا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِمَكَّةَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا كُنَّا فِي عِزٍّ وَنَحْنُ مُشْرِكُونَ، فَلَمَّا آمَنَّا صِرْنَا أَذِلَّةً. فَقَالَ: «إِنِّي أُمِرْتُ بِالْعَفْوِ فَلاَ تُقَاتِلُوا»(9).
وقال الله تعالى - وكأنه يخاطب أولئك الجهلة الذين أعماهم الحماس عن الطاعة لربهم: { وَلَوْلا رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوَهُمْ أَن تَطَؤُوَهُمْ فَتُصِيبَكُم مِّنْهُم مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِّيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً }(10).
والذي تحير في تناقضه بين نصوص الكتاب المؤكدة للجهاد، ونصوصه المؤكدة للتسامح والعفو والصفح وقبول الآخر - لم يعرف شروط كل منهما، وانفكاك الجهة يجعل الاختلاف اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد.
نؤكد مرة أخرى على وجوب إقامة هذا العلم؛ عسى أن نرى مؤلفاته خلال عشرين سنة قادمة قد ملأت طابقًا بكامله في مكتبة كبرى أو حُمّل على "C.D" حتى امتلأ به حمولة جهاز الكمبيوتر.. آمين.
الهوامش:
----------------
(1) في العدد 26 من السنة الثانية يوم السبت 3 جمادى الأولى سنة 1317هـ الموافق 9 سبتمبر 1899م في مقالة بعنوان: «كرامات الأولياء».
(2) الآيات من 1 : 4 من سورة العلق.
(3) من الآية 54 من سورة الأعراف.
(4) أخرجه الترمذي في كتاب «فضائل القرآن» باب «ما جاء في فضل القرآن» حديث (2906)، والدارمي في كتاب «فضائل القرآن» باب «فضل من قرأ القرآن» حديث (3332) من حديث علي بن أبي طالب .
(5) الآية 9 من سورة الزمر.
(6) الآية 108 من سورة يوسف.
(7) من الآية 11 من سورة الرعد.
(8) أخرجه البخاري في كتاب «المناقب» باب «علامات النبوة في الإسلام» حديث (3612)، وفي كتاب «الإكراه» باب «من اختار الضرب والقتل والهوان على الكفر» حديث (6943).
(9) أخرجه النسائي في كتاب «الجهاد» باب «وجوب الجهاد» حديث (3086).
(10) من الآية 25 من سورة الفتح.
المصدر : كتاب سمات العصر ، لفضيلة مفتى الديار المصرية الدكتور على جمعة