بتـــــاريخ : 10/17/2008 8:50:07 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 984 0


    بلح القرى

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : جـبـير المليـحان | المصدر : www.arabicstory.net

    كلمات مفتاحية  :
    قصة بلح القرى

     

     

     

     

    في قريتنا تتلاصق البيوت في مساحة محددة من جلد الأرض ، تحيط بها النخيل من كل جهة :

    نخيل صغيرة تثمر بلحاً أحمر . يأكل منه الناس طوال أزمنة.

    الكبار، يحذرون الصغار من الاقتراب من سور عظيم يحيط بالمزارع .. فننصاع ولا نقترب .

    يتكرر ذلك في كل خطبة أو مناسبة ، إذ يردد الإمام تلك التحذيرات فيلتفت الناس بحذر و يهزون رؤوسهم .

     

    * * *

    في ظهر يوم حار وصل مسافر فوق دابته إلى مدخل قريتنا ، وكانت مفاجأة خاف منها المفتشون وهم يجدون عذق بلح أصفر في متاعه . ألقي القبض عليه بسرعة، وقيّد ، وتم تحريز العذق ، و وضعه في كيس متين و مختوم ، وأرسل مع رجلين جسورين .. سبقهما صياح نذير فزع إلى حيث مجلس الكبار .

    جيء بالرجل المقيد وأركع على ركبتيه وسط دائرة ترابية كبيرة . وبالقرب منه وضع كيس البلح الأصفر بكل حرص ، و أحاط بالرجل وكيسه أربعة أشداء لا يطرفون . تجمع أناس كثيرون تملأ عيونهم الصرخات .

    تقدم كبير .. وأشار بيده إلى الجموع الزاعقة . فصمتوا . قال بما يشبه الضحك المقيت :

    ـ أيه أيها الجاسوس .. ها أنت هنا . قل من أرسلك؟ و ما الذي كنت ستفعله في هذه القرية الآمنة؟

    ولكز الرجل المقيد في خاصرته . فتلوى متأوها . لكن آهته غابت وسط زعيق الناس .

    رفع الكبير يده بجذل فصمت الناس .

    ـ قل أيها الحقير . أخبرنا عن قصتك كاملة قبل أن ندحرج رأسك أمام جسدك هنا .

    رفع المكبّل عينين مذعورتين ، وقال بصوت أشبه بالبكاء :

    ـ أنا رجل مسكين مسافر !

    زمجر الكبير ، وأشار للأشداء :

    ـ اقلعوا عينيه . واقطعوا رقبته .

    و فيما الأشداء يذودون عن الرجل المقيد المنكمش من صخب الناس ، حائلين دون الوصول إليه وتمزيقه . شق الضجيج صوت صارخ ، وصل صاحبه إلى وسط الدائرة . التفت الكبير وسأل بدهشة :

    ـ أهذا أنت يا غسان ؟!

    ـ نعم

    ـ لم نرك منذ فترة أيها الشاب . أين كنت ؟

    ـ سأقول لكم . لكن دعوني أخبركم أن هذا الرجل لم يخطئ .

    علا الضجيج، وارتفعت اليد، وساد الصمت :

    ـ أوضح لنا ؟

    ـ ما يحمله هذا الرجل بلح أصفر يؤكل!!

    ـ لا . لا يوجد ما هو صالح غير بلحنا الأحمر . لكن ما أدراك عن ذلك يا غسان ؟

    ـ كنت أغيب في المزارع أياما . فكنت أخرج إلى الفضاء و أمشي إلى تلك القرية خلف التلال البيضاء . و أقابل أصدقائي هناك فيقدمون لي بلح قريتهم الأصفر .

    تعالت أصوات كثيرة :

    ـ إنه يأكل بلحاً آخر.. لقد سحر الفتى أيضا !!

    ـ اقتلوه وساحره ...

    سمع صوت ينطلق وسط الناس :

    ـ ربما يكون ما يقولانه صحيحا !

    هدأ الناس قليلا وتلفتوا ، لكنهم لم يعرفوا من قائله.

    ـ اقتلوهما هنا .. الآن !!

    اقترب الكبار من بعضهم . هزّوا رؤوسهم . و خرج رجل يشبه قطعة أرض وقال بوضوح :

    ـ دعوا البلح الأصفر هنا . فكوا قيد الرجل وزودوه ببلح أحمر وأرسلوه إلى القرية الأخرى . وانظروا ما يحدث !

    هز كثيرون رؤوسهم . ابتسم الكبير و قال :

    ـ نفذوا ذلك . وليستعد المقاتلون تحسبا لأي طارئ .

    صرخ غسان :

    ـ سأذهب معه .

    تعالت أصوات كثيرة :

    ـ ساحر مع ساحر!

     

    * * *

     

    في أطراف القرية تم اعتقالهما و إخضاعهما لاستجواب مرير :

    ـ هذان جاسوسان .

    ـ ساحران .

    ـ يجب أن نقتلهما .

    و فيما هما يقيدان وسط دائرة ترابية كبيرة جاء صديق غسان ، وقال :

    ـ مهلا يا كبار . هذا صديقي من قرية البلح الأحمر .

    ـ لقد سحر هذا الفتى !

    ـ اقتلوه معهما .

    ـ مهلا : فما يقوله الاثنان صحيح . لقد زرت صديقي غسان في قريته المجاورة !

    ـ وكيف تخطيت سور قريتنا ؟

    ـ تقولون أن سورا عظيما يحيط بنا . لكنني لم أجد أي سور . ذهبت إلى القرية الأخرى مرات ومرات ، وأكلت من بلحها الأحمر !

    ـ أتأكل بلحا غير بلحنا ؟

    ـ الفتى مسحور . اقتلوه !

    يسمعون صوتا هادئا :

    ـ ربما يكون صحيحا ما يقول !

    الفتى يقول:

    ـ يا كبار ، على مسافة غير بعيدة عن تلالنا البيضاء توجد قرية ثالثة مليئة بالنخيل التي تثمر البلح الأصفر والأحمر .

    يضج الجمع حول الدائرة :

    ـ لا يوجد غير بلحنا الأصفر .. اقتلوا السحرة . اقتلوهم .

    يشق الصفوف رجل نذير . يزعق :

    ـ يا كبار : رأيت جيشين يقتربان !

    ـ وجيشنا ؟

    ـ يرابط في الفضاء أمام القريتين .

    غسان وصديقه يقولان :

    ـ يا قوم . لا داعي للحرب . دعونا ننطلق مع هذا الرجل المقيد إلى حيث صديقنا من قرية البلح الأحمر والأصفر . سنقابله في الأرض الواسعة بين الجيوش الثلاثة . سنأكل من بلح القرى أمام أبصاركم . إن أصابنا شيء تقاتلوا ....

    ــ ... لا تصدقوهم ..

    ـ هي فكرة ...

    ـ ربما يكون صحيحا ما يقولون .

    تزاحمت الجموع الهائجة على الأرض الواسعة من جهات ثلاث ، يتقدمها المدججون بالرماح والسيوف والعصي .

    تحلق غسان وصديقاه و الرجل المسافر، حول عذوق النخل وبدؤوا يأكلون بهدوء ..

    الجماهير تترقب صامتة .

    يلتفت القادة والكبار إلى بعضهم . يهزون رؤوسهم . وينقلبون إلى القرى مشيرين إلى الناس بالعودة .يعلو ضجيج هائل :

    ـ لا بد أنهم سحرة .

    ـ كيف خدعونا .

    ـ ربما يكون صحيحا ما يقولون .

    ـ أنت معهم

    ـ أنت ضدي ..

    تنكفئ الجيوش إلى قراها ، مشتبكة مع الناس .

    بينما يتوافد إلى الأصدقاء الثلاثة المتحلقين حول عذوق البلح عدد من الشباب وهم يضجون بالضحك

     

    كلمات مفتاحية  :
    قصة بلح القرى

    تعليقات الزوار ()