بتـــــاريخ : 10/14/2008 4:44:02 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 849 0


    نحن أيضاً عندنا تلفزيون

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : ناجي طاهر | المصدر : www.arabicstory.net

    كلمات مفتاحية  :
    قصة تلفزيون

     

    نحن أيضاً عندنا تلفزيون..
     

     

     

     

    .. و قد أطفأناه لحظة خرجنا .. و أتينا لزيارتكم.. هذا ما أردت أن أقوله لجارتنا القادمة من لبنان، بعد أن جلسنا و دارت الأحاديث .. و الأولاد يروحون و يجئيون .. و التلفزيون معنا .. لم يصمت لحظة، كأنه لم يشأ أن يتركنا لوحدنا حتى في زيارتنا النادرة هذه .. فكم مرة نزور الناس أو الناس تزورنا ؟ .. حياة الفردية و التلفونات المسبقة .. هذه التي كانت بثمابة الرجاء و الحلم في بلادنا .. أن تصبح في حل من ترقب طرقات مفاجئة على بابك .. الزائرون المباغتون .. من تحب أن يزورك و لكنه لا يزورك .. و من لا تحب أن يفعلوا .. تراهم وحدهم الذين يأتون .. فلماذا لا تحب زياراتهم .. هه؟ أنت أيها المتجبر و المتبجح كالطاووس على نفسك .. افرد ريشك، فإنك لن تعدو أن تكون صوصاً .. أو حتى لا شيء من هذا كله .. و أنك ما كنت سوى نطفة كالاخرين..

     

    "هل أتيت لتقرأ في زياراتنا".. قالت لي فاطمة قريبتي العائدة من الوطن.. لا رائحة مميزة أو ما شابه، كنت أظنها سوف تملأ أنفي ." من رائحة بلادي" كما يقولون. و لكن ترى أوطاننا باتت بلا رائحة .. أو هي كانت هكذا طوال الوقت، بلا رائحة أو من يحزنون ..

     

    " لا، و لكن الكتاب لفتني، ثم أنكم تتحدثون فيما لا أفهم منه أو عنه الكثير.." قلت بعد أن طويت الكتاب و أعدته بأدب طفل صغير، الى الدرج الذي ضمه الى ثلة من كتب الأنبياء و الصالحين ..

     

    لكني لم أقل أن التلفزيون فخت رأسي، و أننا هربنا منه في منزلنا .. لكن ابنتها المترملة حديثاً، كانت تتابع مسلسلاً يبدو أنها كانت تنتظره بشغف. كما أن الأم فاطمة لم تنسَ أن تسأل ابنتها بين الفينة و الأخرى، "ماذا قال له.. هل أخبرها بأمر الخادمة..". هذا، في الوقت الضائع الذي كانت تهدره في الحديث مع زوجة أمين، الذي كان في زيارتهم هو الآخر .. و لكنها، ما شاء الله عليها، كانت تلّحق على جميع الجبهات.. الولد الصغير، حفيدها، الذي كانت تطعمه المعكرونة، و السيجارة التي كانت تدخنها و من ثم تضعها بعد أن تمجها في المنفضة على الطاولة الصعيرة خلفها، حيث كان فنجان القهوة أيضاً. هذا إضافةً الى الحديث الذي كانت تديره مع زوجة امين، و بالطبع مع حضرتي، أنا القابع قبالتهم، حيث كانت ترمقني بين الحين والآخر، و ذلك على ما يبدو لكي لا أشعر بالملل أو بالتجاهل .. فأومىء رأسي، علامة متابعتي لكل الأوضاع.. في لبنان و الشقة التي رممتها، و طقم الكنبايات الذي غيرته. بلا سبب واضح أو وجيه. إذ أنها، على ما كنّا نظن،  تقيم هنا منذ أكثر من عقدين، و لكن على ما يبدو أنها تقيم أيضاً هناك.

     

     في الواقع بتُّ في حيرة من أمري، أن أتابع حديثهما أم أتابع المسلسل. و لذلك لكي لا يفوتني أنا الآخر أي مشهد قد أكون مفيداً في حال سهو أحداهن عن المسلسل فأقوم بالمساعدة، في عدم ضياع أي شيء من الواقع و ذلك الموازي له، الذي نشاهد لأماكن و أزمنة و لاعبين أو ممثلين آخرين.

     

     لم أثر موضوع التلفزيون العزيز في بيت قريبتنا فاطمة و لكنني فعلت في زيارة أخرى تلتها الى منزل صديقي مشهور. حيث الأمر أشد بعد و أكثر سخونة و آلينةً (من آلة) أو لنقل أكثر مكننة حديثة من غيره. فهو إضافة لإسمه، "مشهور"، فهو مشهور أيضاً، أنه لا ينفك يلاحق كل نازل حديث في الأسواق من أجهزة التلفيونات و الأجهزة الألكترونية الأخرى، من الكمبيوتر المحمول المجهز بأعتى الأنظمة و المُعد أصلا لمواجهة مشاكل و حسابات بنوك و مؤسسات كبيرة، و هذه لا يُنصح عادة بها للإستخدام الشخصي و المنزلي، لما قد تجلبه من موبقات و تشوشات دماغية!.. وصولاً الى التلفزيون العريض الحديث ذو الشاشة الرقيقة كالسيمنا.. فها هو يقول متباهياً، بعد أن أثرت موضوع التلفزيون بشيء من اللامباشرة، "نحن عندنا في البيت يبقى التلفزيون مشغلاً .. اعتدنا عليه هكذا و كأنه فرد من أفراد البيت، لا أفهم كيف أن بعض الناس يطفئنوه، ففي كل لحظة يوجد خبر جديد.. أبو أيمن على سبيل المثال لاحظت أنه يطفئه عندما يأتي اليه زوار .. إنها عادات أهلنا القديمة كانوا يوفرون الكهرباء.". فقلت بشيء من التهكم:

     

    "لا أفهم لماذا يريد الواحد منا أن يتابع الأخبار لحظة بلحظة .. فهل نحن مراقبين تابعين للأمم المتحدة .. ثم ما الجديد الذي سوف يحدث، و نخاف أن يحدث بمنأى عن علمنا .." و رحت أكمل في رأسي بعدما مضوا هم في حديث خير الحديث أو الجديد و فضله على القديم .. " كل جديد على هذه البسيطة تراه قد حدث .. و ما بقيت سوى الرتوش و بعض العواقب الوخيمة..و قد خُلق العالم أو انفجر ،و الأمران في الواقع سيّان، إذ انه ، أي العالم، ها هو موجود أمامنا على ما أعتقد، أو نحن موجودين فيه على ما أظن غير جازم.. كما أنهم قد اكتشفوا أميركا و البارود. و الحبر الصيني الذي يهتنا السيد ماكس فيبر، أننا اخترعناه و لكننا لم نفلح في اختراع الآلة التي تحتاجه أي المطبعة، هذه الآلة التي تطبع الأفكار و الصحف و الكتب.. مطبعة العلم و العالم الغربي الحديثين ..التي لم تُخترع الأ هنا في هذا الغرب و في قلبه المانيا.. قطع أبو أيمن، حابل أفكاري بقوله " نحن نفعل من باب الإحترام للضيف.." و لكني لم أبه كثيراً لقوله و لم اتوقف بل على العكس، مضيت بلا هوادة في جلد أقكاري" و اكتشفوا البخار و القطار .. و صعدوا على القمر .. و فلقوا الذّرة و هجنوا الذرة، ليقتلو محمد أو احمد الدرّة.. و كذلك فعلوا بمثقال الفارق بينهما، فبتنا في حيرة من أمرنا ، كيف نكيل حسناتنا أو سيئاتنا..و كذلك  هجنوا البندورة ..و اخترعوا الأمم المتحدة .. و النفط  ليحتلوا العراق .. آه تنبهت الآن، لما قاله صديقي لأبي أيمن عن جدوى الأخبار، أنه لا يطفئه التلفزيون و إنما يُخفض صوته، على أمل أن يتابع بعينيه عدد قتلى الأمريكان في العراق، هذا الذي تخطه الشاشة الرقمية القادمة من الصحراء في أسفلها..". هي هكذا إذاً، آلة احصاء الموتى.

     

    و قد تذكرت جدي عندما أتى الى زيارتنا في بيروت ..لم يدعنا نشعل الناقوز على ما كان يسمي التلفزيون أبداً طالما هو عندنا.. على اعتبار أنه آلة شيطانية، كلما أدرتها يُقتل الهنود فيها كل ليلة بلا رحمة .. و قد كانت دارجة بعد في ذلك الوقت أفلام رعاة البقرو الهنود و الكلب "تان تان" أو ران تا تان " إذا لم تخني الذاكرة ..و لمّا لم يكن يقبل أن ينام الا أن يمد "الفرشة"، ( أليس لها بديل فصيح!، أيدك الله!، و إن لم تكن هذه من وافدات الحداثة، التي تخلفت اللغة عن مواكبة تطورها، أو صيرورتها.. الى سرير بلا أرجل..)، على البساط الذي كان في غرفة الجلوس حيث الناقوز التعيس الحظ، فاضطررنا أن ننقل هذا الأخير الى غرفنا الداخلية.. "كل شيء و لا يزعل جدكن" كانت أمي تقول .. و لكنني على رغم محبتي الكبيرة لجدي، لكني لم أفهم منه آنذاك بل استغربت هذا الموقف العبيط من هذه الآلة المسلية وعلاقتها الملتبسة مع الهنود.. و يبدو أنني لم أفقه منه الكثير حتى هذه الأيام .. أنىّ لجدي أن يتخطى الحداثة الغربية .. و هو الذي كان يقضي عدة أيام ليصل الى بيروت .. من أقص أقاصي الوطن ..

     

    كلمات مفتاحية  :
    قصة تلفزيون

    تعليقات الزوار ()