لماذا أنا؟
"قل لي كيف حدث هذا؟"
قالت في يوم من أيامنا القليلة..
"لست أدري".. أجبتها دون تفكير.. "أنت حلم قديم منذ البعيد"..
"وزوجتك؟!"..
"ستحبك حتماً..ولو بعد حين، وأنت لو عرفتها ستحبينها.. هي رائعة.. وطيبة..".
"أنت إنسان عجيب.. لماذا أنا؟".
"قلت لك لست أدري.. لست أدري"..
عندما أكون معها لا أشبع منها.. عندما أكون معها أخشى لحظة الوداع.. هل أتركها؟؟.. لا أستطيع البعد عنها.. كل لقاء يزيد في نفسي لهيب الحب..
تشغل نفسها كل يوم بأشياء كثيرة..
ترى الناس بعينيها المتلألئتين طيفاً من خير لا ينقطع، توزع ابتساماتها كوردة بيضاء تفيض بهاء ودلالاً..
"هكذا أنا.. أحب أن أكون هكذا"..
على الهاتف سمعت خطواتها تطرق الأرض بثبات..
وصلت مركز عملها في وقت مبكر ذات صباح..
وأنا من وراء الهاتف أكلمها..
أسمعها شريط غرامي المتكرر الذي ربما سمعته مرات ومرات وملّته من كثيرة التكرار..
أصوات كثيرة تنساب من حولها.. كلمات غزل تتساقط من هنا وهناك.. كأنّها تتعمد أن تسمعني ما يقال لها.. فأتحرّق غيظاً..
استوقفتها زميلة لها.. قالت بصوت مرتفع: "الله أكبر.. الله أكبر.. تبدين مثل غزالة صغيرة".. وكررت التكبير مرات ومرات..
لم تنزعج.. جاملتْها..
لماذا لا تمل من تكراراتها؟.. وتملّ من تكراراتي؟ لست أدري! لماذا تصدقها ولا تصدقني؟ لست أدري!
زميلتها خطفت مني كلماتي.. سرقت مني رؤيتها الصباحية.. أنا الذي يجب أنْ أقول ذلك.. من هذه لكي تخطف من شفتي كلماتي وآهاتي.. و(تكبيراتي)..
اسمع طرق نعليها وهي متوجهة نحو مكتبها.. الطريق طويل.. أرى العيون من حولها.. أرى الرقاب تشرئب نحوها.. وأنا في مكاني.. أعصر آهاتي وآلامي.. ومن أنا لأعترض.. أو لألومها؟..
لكني رجل شرقي أحمل كل شرقيتي حتى النخاع..
"لا تكن هكذا.. عجباً للرجل الشرقي كيف يفكر!"..
تقولها بتعجب.. بثقة وحنان..
حتى في المقهى ذي الطراز الغربي تصر على دفع الحساب..
أضحك وأقول: "دعيني أدفع الحساب هنا.. ثم نذهب للغداء على حسابك في مطعم فاخر..".
"هل تسخر؟؟.. هيا، ونحن فيها.."
كل تفاصيل وجهها ملأى بالحب والحكايا والخبايا..
ربما نقدر أن نصفها - كما يقولون - بالمرأة الحديدية.. لكني أحتج تماماً على هذا الوصف.. لا أرى فيه - بالنسبة لها - غير أمر هامشي.. هي حديدية..بالتأكيد.. شيء لا يختلف اثنان عليه، لكن حديديتها من نوع آخر.. هي حديدية تعرف متى تذوب ومتى تجمد.. ومتى تكون باردة ومتى تشعل النار في كل الأشياء التي حولها.. ومع ذلك لا تشتعل..