لماذا أنا؟

الناقل : mahmoud | الكاتب الأصلى : د.طارق بكري | المصدر : www.arabicstory.net

لماذا أنا؟

‏"قل لي كيف حدث هذا؟"‏
قالت في يوم من أيامنا القليلة..‏
‏"لست أدري".. أجبتها دون تفكير.. "أنت حلم قديم منذ البعيد"..‏
‏"وزوجتك؟!"..‏
‏"ستحبك حتماً..ولو بعد حين، وأنت لو عرفتها ستحبينها.. هي رائعة.. وطيبة..".‏
‏"أنت إنسان عجيب.. لماذا أنا؟".‏
‏"قلت لك لست أدري.. لست أدري"..‏
عندما أكون معها لا أشبع منها.. عندما أكون معها أخشى لحظة الوداع.. هل أتركها؟؟.. لا ‏أستطيع البعد عنها.. كل لقاء يزيد في نفسي لهيب الحب..‏
تشغل نفسها كل يوم بأشياء كثيرة.. ‏
ترى الناس بعينيها المتلألئتين طيفاً من خير لا ينقطع، توزع ابتساماتها كوردة بيضاء تفيض بهاء ‏ودلالاً.. ‏
‏"هكذا أنا.. أحب أن أكون هكذا"..‏
على الهاتف سمعت خطواتها تطرق الأرض بثبات..‏
وصلت مركز عملها في وقت مبكر ذات صباح.. ‏
وأنا من وراء الهاتف أكلمها.. ‏
أسمعها شريط غرامي المتكرر الذي ربما سمعته مرات ومرات وملّته من كثيرة التكرار.. ‏
أصوات كثيرة تنساب من حولها.. كلمات غزل تتساقط من هنا وهناك.. كأنّها تتعمد أن تسمعني ‏ما يقال لها.. فأتحرّق غيظاً.. ‏
استوقفتها زميلة لها.. قالت بصوت مرتفع: "الله أكبر.. الله أكبر.. تبدين مثل غزالة صغيرة".. ‏وكررت التكبير مرات ومرات.. ‏
لم تنزعج.. جاملتْها.. ‏
لماذا لا تمل من تكراراتها؟.. وتملّ من تكراراتي؟ لست أدري! لماذا تصدقها ولا تصدقني؟ لست ‏أدري!‏
زميلتها خطفت مني كلماتي.. سرقت مني رؤيتها الصباحية.. أنا الذي يجب أنْ أقول ذلك.. من ‏هذه لكي تخطف من شفتي كلماتي وآهاتي.. و(تكبيراتي)..‏
اسمع طرق نعليها وهي متوجهة نحو مكتبها.. الطريق طويل.. أرى العيون من حولها.. أرى ‏الرقاب تشرئب نحوها.. وأنا في مكاني.. أعصر آهاتي وآلامي.. ومن أنا لأعترض.. أو ‏لألومها؟.. ‏
لكني رجل شرقي أحمل كل شرقيتي حتى النخاع..‏
‏"لا تكن هكذا.. عجباً للرجل الشرقي كيف يفكر!".. ‏
تقولها بتعجب.. بثقة وحنان..‏
حتى في المقهى ذي الطراز الغربي تصر على دفع الحساب.. ‏
أضحك وأقول: "دعيني أدفع الحساب هنا.. ثم نذهب للغداء على حسابك في مطعم فاخر..".‏
‏"هل تسخر؟؟.. هيا، ونحن فيها.."‏
كل تفاصيل وجهها ملأى بالحب والحكايا والخبايا.. ‏
ربما نقدر أن نصفها - كما يقولون - بالمرأة الحديدية.. لكني أحتج تماماً على هذا الوصف.. لا ‏أرى فيه - بالنسبة لها - غير أمر هامشي.. هي حديدية..بالتأكيد.. شيء لا يختلف اثنان عليه، لكن ‏حديديتها من نوع آخر.. هي حديدية تعرف متى تذوب ومتى تجمد.. ومتى تكون باردة ومتى ‏تشعل النار في كل الأشياء التي حولها.. ومع ذلك لا تشتعل..